المقدمة
لم تعد أية دولة أو منظمة سياسية أو مؤسسة إنتاجية بمنأي عن الأزمات فالأزمات على ما يبدو أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نسيج الحياة المعاصرة، كما أصبح وقوع الأزمات من حقائق الحياة اليومية، ولا يقتصر مفهوم الأزمة على الأزمات الكبرى المعروفة والمؤثرة دولياً فحسب وأإنما هناك أزمات قد تيعرض لها الأنسان في مسيرة حياته الشخصية أو الأسرية أو قد تتعرض لها كافة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ا لأمر الذي يدفع إلى الاهتمام بعلم أو فن إدارة الأزمات على اعتبار أن الجميع قد يكونون أحياناً عرضة للآزمات، فالأزمات الكبرى مثلاً هي من اختصاص رجال الدولة ولكن هناك أزمات صغرى قد يكون جزء كبير، من المجتمع مسئولاً عنها إن لم يكون المجتمع كله، إن هذه الدراسة لا تعدو أن تكون محاولة للإجابة على سؤال مطروح فضلاً عن أسئلة متعلقة بكيفية تفادي حدوث الأزمات أو السيطرة عليها وإدارتها بهدف الحد من آثارها، وليس ذلك قاصراً على الأزمات الكبرى الدولية أو المحلية وأإنما يمتد إلى الأزمات الصغرى وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام 1998، ولكن بعد احداث سبتمبر 2001. أشار على بعض الاخوة باعادة طباعته نظراً لاهمية هذا الموضوع، والتطرق إلى ما قدمت به الإدارة الأمريكية من إجراءات لإدارة أزمة 11 سبتمبر . . 2001. كمثال نابض على أهمية إدارة الأزمات والكوارث، وانطلاقاً من ذلك فستنقسم الدراسة إلى جزئين.
الجزء الأول يتعرض للجانب النظري في موضوع إدارة الأزمات حيث يقدم لتعريف الأزمات وطيبعتها، أما الجزء الثاني وهو الجزء المحوري في هذه الدراسة فهو يتعرض لدراسة حالة عملية في إدارة الكوارث، حيث نتناول فيه إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لإدارة أزمة 11 سبتمبر باعتبارها أحدث الأزمات المعاصرة العملية كما انها نموذج للدراسة وذلك لمجموعة من الاسباب؟ الأول إنها أزمة محلية ذات تأثير دولي، الثاني إنها أزمة ارهابية كبرى اعتبرتها المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية أزمة حرب، والسبب الأخير أن هذه الأزمة لها تداعيات سياسية واقتصادية وثقافية، ومن هنا فقد اهتمت الولايات المتحدة للازمة سواء على المستوى الإداري داخل الولايات المتحدة على مسرح الحدث، أو على المستوى السياسي خارج اولايات المتحدة والتعلقة بالحرب وتدشين التحالف الدولي ضد الارهاب وقد اع تمد البحث في هذا الجزء على المصادر الامريكية، وخاصة الوثائق الرسمية الصادرة عن المؤسسات الامريكية سواء البيت الابيض والخارجية الامريكية والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، سيما ما يتعلق منها بالقرارات والخطط الرسمية والاستجابة للازمة، كما عتمد البحث على بعض الدراسات الصادرة عن مراكز الابحاث الأمريكي HOMELAND D EFENCE الذي اعده مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بواشطن بعد حدوث الازمة، والأزمات بشكل عام ليست وليدة بعض الاحيان بزيادة الأزمات في الع صر الحديث فإن مرجع ذلك هو تطور حدوثه، ومن ثم يتطلب وضع الخطط اللازمة لدرء مخاطره، وهذا في حد ذاته انعكاس لرغبة الأنسان في التقدم والتطور، ولذا فليس مصادفة ملاحظة تطور االبلدان النامية، الأمر الذي يعكس بوضوح مدى تقدم البلدان المتقدمة عموماً عن التعامل مع الأزمات والكوارث خاصة في البلدان المتقدمة بالقياس إلى البلدان النامية، واستفادة تلك البلدان المتقدمة من التطورات العلمية الحديثة في التعامل مع الأزمات والكوارث لمعالجة الأخطار اناجمة عنها، رغم أن الأزمات والكوارث في البلدان النامية أكثر عدداً وأشد خطورة، ورغم أنها تحصد في طريقها الآلاف من الأرواح فضلاً عن تدمير الممتلكات، وذلك لضئالة الاستعدادات العملية وافتقاد الأمكانيات العملية لمواجهة تلك المخاطر المباغته.
ففي البلدان النامية مثلاً يهتز المجتمع بسره كلما حدثت أزمة أو كارثة، وربما يتساءل الناس في قرارة أنفسهم أحياناً لمإذا تقع كل هذه الأزمات والكوارث ؟ أليست هناك نهاية لهذا المسلسل؟ ألم نتعلم من الأحداث السابقة دروساً تكفي لمواجهة مسلسل الأزمات والكوارث القادمة؟
ولكن في الغالب كما هي طبيعة الدول النامية فإن هذه الأزمات لا تنتهي بكل أسف إلى إجراءات ونظم وتشريعات كفيلة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه بقدر الإمكان أو الاهتمام بالتخصص العلمي المناسب والمعرفة الفنية لمجابهة ما قد يحدث مستقبلاً، مع أن مجال إدارة الأزمات قد يحتاج إلى خبرات خارجية غير متوافرة محلياً، ممن ليدهم المعرفة والملعومات الكافية عن الأزمات من واقع الخبرات التي مروا بها في أزمات مشابهة في بلدانهم في الحقل الذي يتنتمون إليه. وقد يخدع البعض بمفهوم أن بلدانهم أو مؤسساتهم بمنأي عن الكوارث والأزمات، وحينما تقع إحداها فإنه يبدو أمامها قلقاً مشلول الفكر متردداً ومن ثم عاجزاً عن اتخإذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، وغالباً ما يلجأ إلى استخدام الوسائل الدفاعية وإلقاء اللوم على الغير، والبحث عن مسببات الأزمة دون مواجهتها متناسياً في تلك اللحظة أن السيطرة على الأزمة والعلاج الناجح للحد من آثارها السلبية يقتضي أولاً وقبل كل شئ مواجهة سريعة من خلال صدور قرارات سريعة مدروسة بعناية طبقاً للخطة العلمية الموضوعة لمجابهة مثل تلك الحالات وتحقيق أكبر قدر من معدلات النجاح للسيطرة على الأزمة أو الكارثة أو الحد من آثارها السلبية.. وهذا لا يتأتي إلا باكتساب المختصين درجة عالية من اليقظة والحذر تمكنهم من الوصول إلى كل ما يمكن من المعلومات ذات الصلة، واستقراء هذه المعلومات بعناية ودون تمييزة بهدف الوصول إلى البديل الأنسب من بين الخيارات المتاحة.
إن هذا التحدىى الكبير الذي يجابهه المختصون برعت اللغة الصينية في استيعابه إذ رمزت إليه بلمتين هما " الخطر" و" الفرصة" التي يمكن استثمارها، والبراعة في ذلك تكمن في تصور امكانية تحويل الأزمة أو الكارثة وما يتبعها من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية، ومن ثم فإن ذلك يعد بمثابة استثمار للأزمة باعتبارها فرصة لإعادة صياغة الظروف وايجاد الحلول البناءة.
وقد أسهم قليل من الاساتذة العرب الأفاضل في تناول هذا الموضوع المهم مثل الدكتور/ محسن الخضيري والدكتور/ عباس العماري، بينما غصت مكتبات الغرب بالعديد من الكتب والأبحاث والدراسات حول هذا الموضوع.
ولكي نتأكد من صحة تلك المقارنة، فما علينا إلا أن نرجع إلى الأبحاث والدراسات والكتب الأجنبية المتعلقة بهذا الموضوع والمدرجة في شبكات المعلومات كشبكة " الانترنيت" مثلاً ونقارن ذلك بعدد الأبحاث والكتب التي كتبت في هذا المجال باللغة العربية والموجودة في المكتبات..... ومع ذلك فلا يجب أن تغمط المتخصصين العرب فضلهم، إذ أن تجارب الغرب الثرية في هذا المجال وتقدمهم التكنولوجي منح مراكز البحث والمعاهد العلمية الغربية فرصاً متتالية لبلورة أسس علمية لدراسة موضوع الأزمات والكوارث، ومع ذلك فإن جهود الباحثين العرب لفتت انتباه من يعنيهم الأمر مثل صناع القرار ورجال السياسة ومدراء الشركات والمؤسسات إلى أهمية دراسة الأزمات والكوارث دراسة علمية والاستفادة من الخبرات العربية وغير العربية في هذا المجال.
ويجب كذلك إسداء الشكر للمعاهد والمؤسسات والمراكز والجامعات العربية التي تولي هذا الموضوع اهتمامها البالغ، وأخص بالشكر جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية لتفضلها بعقد أول مؤتمر لها عن إدارة الأزمات عام 1996، ولتأسيسها مركزاً لبحوث الأزمات.
ونظراً لتشعب البحث وتداخله فقد آثرت أن أسهم مساهمة متواضعة في كتابة هذه الدراسة الموجزة أملاً في أن أقدم للقارئ الكريم شرحاً مختصراً لهذا المجال.
وقتم تقسيم الدراسة إلى جزئين . الجزء الأول يتحدث عن إدارة الأزمات والكوارث ويشتمل على أربعة فصول، والجزء الثاني يتحدث عن ادرة أزمة 11 سبتمبر لى أربعة فصول على النحو التالي:
الجزء الأول:
1- مدخل دراسة الأزمات والكورث.
2- الأزمة الأمنية.
3- الأزمات الدولية.
4- الكوارث والأزمات الأقتصادية.
الجزء الثاني:
1- طبيعة الأزمة .
2- إدارة الازمة.
3- الحرب وإدارة العمليات العسكرية.
4- تأثير الهجمات الارهابية على إدارة الأزمات " مستقبل إ دارة الأزمات".
مع التركيز على الأزمة الدولية لما لها من أهمية في حدوث الكثير من الأزمات والكوارث في شتى بقاع العالم
والله والي التوفيق،،،،
الجزء الأول
إدارة الأزمات والكوارث
الفصل الاول
مدخل دراسة الأزمات والكوارث
ًوجدت الأزمات مع وجود الانسان على هذه الارض، وجاء حدوثها مواكبا لتلك الانشطة المختلفة التي مارسها على ذلك الكوكب، وبعض هذه الأزمات والكوارث ان لم يكون كلها يشكل خطراً بالغاً على حياة الانسان وممتلكاته حيث تؤثر على الحياة الطبيعية العادية للمجتمع المنكوب إثر تعرضه لازمة ما وتتركه عاجزاً عن الوفاء بالاحتياجات الضرورية لأفراده، وتخلق فئة جديدة من افراد المجتمع في حاجة ماسة لخدمات ضرورية وعاجلة كما قد تؤدي إلى ظهور فئة قد ترتكب جرائم سلب ونهب كما تعرض المنطقة المنكوبة لحالة من الفوضى وعدم الاطمئنان وتتولد عنها في الوقت نفسه مشاكل قانونية متنوعة قد تعجز التشريع القائم عن مواجهتها وايجاد الحلول المناسبة لها.
هذا على مستوى الفرد أما على مستوى الدولة فقد تؤدي الأزمات والكوارث إلى حدوث آثار واضحة فهي إلى جانب زيادة اعبائها ومسئولياتها قد تؤدي إلى إحداث تغيير جذري في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يهدد يانها أو يعرضها لتبعات تخرج عن نطاق تحملها وحدود امكانياتها، لذلك أصبح موضوع الأزمات بشتى أنواعه من أبرز الموضوعات التي تهتم بها الدول في الوقت الحاضر على الصعيدين الوطني والدولي، خاصة بعد أن تنوعت الأزمات وازدادت مخاطرها وأصبحت كل الدول بلا استثناء عرضه لأن تكون مسرحاً لوقوع نوع منها، فإلى جانب الأزمات المتعمدة توجد الكوارث التي يسببها النشاط السلمي للانسان سواء في الجو أو في البحر أو الأرض وممارسة التجارب والإستخدامات التي أوجدها التقدم التكنولوجي الحديث في مجال الإستعمال السلمي للطاقة النووية وأبحاث الفضاء، ذلك بالإضافة إلى تلك الأزمات الناجمة عن الحروب الدولية والأهلية التي يعاني منها الانسان بصفة مستمرة، لكن مإذا يعني وقوع الازمة بالنسبة لأية دولة؟ انه يعني ببساطة وضع النظام أمام حالة مفاجئة تحتاج إلى آلية خاصة للتعامل معها والسيطرة عليها ومعالجة ما ينتج عنها سواء كانت تلك الأزمة من فعل الانسان أو من فعل الطبيعة محليه كانت أو دولية.
ما هي الأزمة؟
قبل الحديث عن الأزمات وانواعها ومسبباتها والاساليب العلمية لمعالجة آثارها نرى أن سياق الحديث يستوجب بداية وضع تعريف محدد للازمة وذلك من منطلق أنها تعرضت لاختلافات كثيرة وعدية من الباحثين والمختصين في تناولهم لتعريف الازمة فمنهم من تعامل معها على أسس دولية مرجحاً الجانب الدولي في تناوله لتعريف الأزمة على الجانب المحلي (1) مثل الستريوخان في كتابه إدارة الأزمات حيث عرفها بأنها تحد مرتب ورد فعل من طرفين أو عدة أطراف يحاول كل منهم تحويل مجرى الأحداث سريعة تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في النظام القائم إلى درجة غير عادية تزيد من إحتمال إستخدام العنف ومثل كورال بيل التي عرفتها في كتابها إتفاقية الأزمة على إنها إرتفاع الصراع إلى مستوى يهدد بتغيير طبيعة العلاقات بين الدول، وينظر هؤلاء الباحثون وغيرهم إلى الأزمة على أ،ها تدهور فلي العلاقات بين دولتين أو أكثر نتيجة لغيرات في البيئة الخارجية أو الداخلية للأطراف المعنية وهذا التدهور يخلق لدى القائمين على شئون الدولة إداركاً بتهديد خارجي للأهداف الرئيسية لسياستهم ويزيد من خشيتهم من إحتمال تورطهم في أعمال عدائية قد تؤدي إلى صراعات عسكرية.
وهناك من نظر إلى الازمة من منطق محلي بعيداً عن الأسس الدولية حيث نظر إليها البعص على أنها حدث فجائي يهدد المصلحة القومية وتتم مواجهته في ظروف ضيق الوقت وقلة الإمكانيات أو العجلة في مواجهته ويترتب على تفاقمه نتائج خطرة ، وبصفها البعض الآخرى بأنها نفطة تحول في إحداث متعاقبة تصل إلى قمة الصراع الدامي وتحتاج إلى رودود أفعال سريعة حتى لا تشكل نتائجها تغيرا في المستقبل يعود بالضرر على المصالح العامة للدولة (2) وقد يطلق لفظ الأزمة على قضايا ذات طابع عام مثل قولنا أزمة الديمقراطية أو أزمة الرأسمالية أو أزمة المثقفين ..... كذلك نرى أن مضمون لاأزمة قد يختلف من حيث نطاقها الجغرفافي أو مداها الزمني فبينما يرى المهتمون بدراسة الأزمات أن يقتصر لفظ الأزمة على وصف حالة طارئة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الأيام نجد أن البعض الآخر يكتب عن أزمة القرن العشرين أو عصر الأزمات أو أزمة الشرق الأوسط أو أزمة أفغانستان (3).
وبالرغم من كثرة وتتنوع هذه الغختلافات في وضع مفهوم محدد للأزمة بصفة عامة إلا انه يبقي إتفاق بين الجميع على أن الأزمة مهما تنوع المنظر الذي تم من خلاله تحديد أطرها فإن حقيقة واحدة تبقي واضحة وهي أن تلك المفاهيم تتفق على العناصر الرئيسية المكونة للأزمة أو ما يمكن أن نسميه بالركائز العامة للأزمة والتي تتطلب من النظام السياسي للدولة وضع الخطط ورفع حالات الأستعداد القصوى المدنية والعسكرية لمواجهة ما قد يحدث في أخطار ومعالجة ما قد ينتج من اثار عند وقوع أية أزمة مهما تنوعت مصادرها وتعددت أنواعها.
وترجع كلمة أزمة Crisis في الاصل إلى اللغة اليونانية وتطلق للدلالة على حدوث تغيير جوهري مفاجئ في جسم الإنسان قد ينتهي بالشفاء أو قد يؤدي إلى الموت كالأزمة القلبية وغيرها من اأزمات الصحية التي قد تفاجئ االأنسان .. وعندما أنتقل هذا المصطلح إلى مختلف العلوم الإنسانية أصبح يعني مجموع الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوى على تهديد واضح للوضع الراهن والمستقر سواء كان على مستوى الفرد أو الدولة.
ومن هنا أكتسبت الأزمة خواصها التي تعرف الان بمثلث الأزمة أو هي الشروط الضرورية التي يستوجب توافرها حتى يمكن أن نطلق عليها لفظ أزمة وهي " التهديد – المفاجأة – ضيق الوقت".ويتم إطلاق لفظ أزمة أحيانا على الحالات التي ينتج عنها خسائر مالية وهذا أمر شائع خاصة في ا لأوساط العامة ويتخدم في كثير من الكتابات التي تقيس الأمور بميزان أقتصادي، إلا أن الحقيقة هي أن تلك الخسائر المادية ربما تكون أهون الخسائر إذ يمكن تعويضها في مجمل الأحيان بشئ من التضحية أما الخسائر التي يصعب تعيوضها في الخسائر المتعلقة بتصدع وإنهيار مجموعة من القيم أو المفاهيم الأخلاقية أو الدينية أو السياسية إذ يحتاج علاج هذه الأمور إلى وقت وحنكة سياسية عالية وربما مناخ مواتي أيضا لإرجاع المفاهيم التي تصدعتت لسابق عهدها أو ربما لإحلال مفهيم اخرى محلها ومثال ذلك الخسائ المالية الفادحة التي أحاقت بالعالم العربي كله من جراء الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت الا إنه وعلى الرغم من الإقرار بفداحة هذه الخسائر وعلى الأخص التي أصابت دولة الكويت إلا أن الخسائر الافدح كانت تلك التي تمثلت في تصدع مجموعة من القيم والمفاهيم وإنهيارها، وهو الأمر الذي يفسر الصعبوبات الجمة التي كانت ولا تزال تواجه كافة الجهود المضنية الرامية إلى رأب الصدع وإعادة الصف العربي إلى سابق عهده والتي لا تعود إلى رغبة أو إرادة النظم أو النخب الحاكمة من الناحية الأساسية وإنما تعود إلى ما أصاب العقل العربي نفسه من إضطراب في المفاهيم العربية التي جبل عليها ومن ثم فإن ذلك الأضطراب كان أقوى كثيراً من حدث العقل المجرد الذي يستند في حالتنا هذه على فرضيات نظرية مفعمة بالحماس أكثر مما يستند إلى تجارب عملية وواقعية، الأمر ذاته ينطبق على أحداث 11 سبتمبر الارهابية.
وإلى جانب تلك المخاطر فإن هناك العبء النفسي الشديد حيث يعاني الأفراد الذين مستهم أأزمة كما حدث في حالة الغزو العراقي لدولة الكويت وأحداث 11 سبتمبر ايضا بشكل مباشر أو غير مباشرة من التواترات التي تعقب الصدمة، فهم يعيشون الأزمة مرات ومرات بتذكر أحداثها وأهوالها وتظهر عليهم أعراض القلق والتوتر وإضطراب النوم والإكتئاب الذي يدفع إلى مزيد من التأزم النفسي ومن ثم الأحباط، وهكذا يزداد الأمر صعوبة كلما إزداد التوتر والقلق وإزداد الشك في المفاهيم والإفتراضات والمعتقدات، ومع كل تعقيد جديد تواجه الدولة أعباء منظورة وغير منظورة تجعل العصوبة بمكان التكهن بتكلفتها المالية والمعنوية.
إلا أن ذلك لا يعني بأي حالن من الأحوال أن الأزمات المالية محدودة الآثار بل العكس هو الصحيح إذ أن أزمة تحدثها الأعمال الإرهابية كتلك التي عمت بعض الدول العربية خاصة مصر والجزائر تقدر خسائرها بالمليارات وفي بعض الأحيان تؤدي إلى خسارة كافة القطاعات الأقتصادية كإحجام المستثمرين عن الدخول في مشروعات إتقصادية بسبب عدم إحساسهم بالأمان، فهدوث أزمة يهني إستنزاف الموارد المالية لأية دولة، ذلك ان الموارد التي تخصص في الأحوال العادية لإنتاج المنتجات أو الخدمات وفق خطط الدولة وميزانيتها ووفق أبواب الصرف المعتمدة في الأحوال العادية يتم تحويلة عند حدوث الأزمة لمواجهة الأزمة ومعالجة آثارها وتداعياتها، فبدلا من تخصيص بعض الإعتمادات المالية لتنشيط ا لمجالات الإقتصادية وتطويرها مثلا تتقلص أهداف الدولة حينئذ إلى مجرد إستمرار مؤسساتها الأقتصادية بدون خسائر هيكلية للحفاظ على إستمرار دورها المهم في دعم الأقتصاد القومي، وإذا ما حدث وأن تعرضت دولة ما لأزمة سياسية حادة تهددها فإن الأمر يختلف تماماً إذ يصبح معها النظام العام للدولة بأكمله معرضاً للأنهيار ولمخاطر قد لا تحمد عقباها.
مفهوم الازمة وتطور مراحلها
من دراستنا لإستخدام مصطلح الأزمة نجد أنهه يضرب بجذورها في علم الطب الأغريقي القديم حيث كان المصطلح المقابل له يستخدم للدولالة على وجود نقطة تحول معهمة أو لحظات مصيرية عند حدوث ع لة ت صيب جسم الإنسان، ومن هذا المنطلق استخدمت كلمة أزمة وتعدد بعد ذلك مفهومها من الأزمة الصحية إلى السياسة إلى أزمة الحروب، وعلى هذا النحو عرفت الأزمة بانها تلك النقطة الحرجة واللحظة الحاسمة التي يتحدد عندها المصير إما إلى الأفضل وإما إلى الأسواء- الحياة أو الموت- الحرب أو السلم – إيجاد حل لمشكلة ما أو إ نفاجرها ومن ثم شاع إستخدام المصطلح في المفاهيم الطبية وتم إقتباسة منها للدلالة على ارتفاع درجة التوتر في العلاقات بين الدول وتواتر استخدام هذا المصطلح للدلالة على ظهور مشاكل خطيرة أو لحظات تحول فاصلة في تطور العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية(4).
ثم دخل ذلك المصطلح في حيز إستخدام علماء النفس عند الحديث عن الأزمات النفسية، والدمغرافيين في إشارتهم لأزمة الإنفجار السكاني وعلماء الإجتماع عند حديثهم عن إختلال نظام القيم والتقاليد المرعية إلى درجة تقضي القيم والتقاليد حتى تتلاءم مع الغيير الناجم عن تطور المجتمع ... وعند حديثهم عن الأزمات الإجتماعية كأزمة التجانس القومي التي تكثر في المجتماعات ذات الجماعات العرقية أو الدينية المختلفة وأزمة العدالة الإجتماعية وأزمة الهوية الحضارية وهي أزمات إجتماعية تحدث بصفة عامة نتيجة للشعور بالإحباط إزاء فشل تسوية الصراعت الإجتماعية وتحقيق التوازن الإجتماعي مما يؤدي إلى شعور طبقات أو فئات إجتماعية معينة داخل مجتمعها بالأغتراب في ظل الأوضاع الراهنة لمجتمعها.
اما الأزمة الأقتصادية فتعني الإنقطاع المفاجئ في مسيرة المنظومة الإقتصادية مما يهدد سلامة الأداء المعتاد لها والهادف إلى تحقيق غاياتها... وصفوة القول أن ظاهرة الأزمة الإجتماعية بمدلولها الواسعة ليست الا نتاجا طبيعياً التفاعل الحيوي المستمر في طبيعة الروابط القائمة بين طرفي أية غلاقة إنسانية عندما تصل عناصر التوتر في هذه العلاقة إلى مراحلة تنذر بالإنفجار.
وقد تناول بعض الباحثين والمتهمين بموضوع الأزمات وإدارتها مراحل تطور الأزمات على أساس الأطوار التي تمر بها تلك الأزمات بينما تناول آخرون هذا المفهوم على أعتبار المراحل التي تمر بها عملية إدارة الأزمة أو ما يطلق عليه إدارة الأزمات(5).
فالذين تناولوا هذا المفهوم من زاوية اللأأطار التي تمر بها الأزمة فقد نظرواع إليها كمرض يمر بالمراحل التالية:-
1- مراحلة الاعراض المبكرة.
2- مرحلة الأزمة الحادة.
3- مرحلة حل الأزمة.
1- مرحلة الاعتراض المبكرة
وهي المرحلة التي يتم فيها التعرف على الأعراض المبكرة للزمة عن طريق إكتشاف إشارات الإنذار وأحيانا يتم تحديد هذه المرحلة بعد وقوع الأزمة وعندما يبدأ المسئولون بدراسة أسبابها يكون الأنذار بالأزمة غير مباشر ومن الصعب تحديده بينما يكون في احيان اخرى واضحاً، وتعتبر هذه المرحلة مهمة جداً لأنه يمكن إدارة الأزمة فيها بسهولة أكثر من إدارتها بعد تحلها إلى مرحلة الأزمة يعين على التحضير لمواجهة مرحلة الأزمة الحادة والإعداد لها.
2- مرحلة الأزمة الحادة
ينظر إلى هذه المرحلة في حالات كثيرة على انها نقطة اللاعودة فبمجرد إنتهاء فترة التحذير والإنتقال من مرحلة ا لأعراض المبكرة إلى مرحلة الأزمة الحادة فإنه لا يمكن إستعادة الأرض التي فقدت، ولعل أصعب الأمور في هذه المرحلة هو حالة الأنهيار السريع والحاد الذي يصاحبها والتي تعتمد سرعته إلى حد كبير على نوع الأزمة، اما حدة الأزمة فتتحدد تبعا لحالة التمزق ومقدار الخسارة وهذه المرحلة في الغالب هي أقصر المراحل ولكن طبيعة الأحداث فيها تجعلها الأطول عند من يكابدها، وفي هذه المرحلة تسير الأزمة أما إلى انفراج واما إلى تحول من أزمة حادة إلى أزمة مزمنة يطول إيجاد حل لها.
3- مرحلة حل الازمة
هذه هي المرحلة الاخيرة لمواجهة الأزمة ولكن يجب علينا ملاحظة أن الأزمات على وجه العموم قد تتطور بشكل دائري فتلد أزمات أخرى وربما يكون الضوء الذي نراه ونعتقد أنه بارقة امل لنهاية الأزمة هو في الحقيقة علامة إنذار لأزمة أخرى قادمة تجعل من الصعب التكهن أين ومتى تنتهي تلك الازمة؟ ومتى وأين تبدأ الأخرى، أما من تناولوا مفهوم مراحلة الأزمة على أساس عملية إدارة الأزمات فقد تبنوا المراحل الآتية :-
1- مرحلة تخفيف حدة الأزمة، وهذه المرحلة تتم بعد وقوع الأزمة ويتعين فيها تحديد ما هو مطلوب عمله والأهتداء إلى مكامن الخطر وانتقاء البرنامج المطلوب للتخفيف من حدته ودرجة خطورته.
2- مرحلة الأستعداد والتحضير، ويتم في هذه المرحلة تطوير خطة مواجهة الأزمة وتدريب العاملين على تنفيذها بهدف تقليل حجم الأضرار المتوقعة، وتتضمن الخطة هنا تحديد الموارد الأساسية المطلوبة ومن ثم الأتفاق مع الهيئات والمؤسسات التي تتأثر بالأزمة وتتفاعل معها.
3- مرحلة المواجهة، وهنا يجب توفير الخدمات الضرورية المساعدة والسعي لتقليص دائرة الضرر والإهتمام بتوجيه عملية المجابهة بالشكل الذي يضمن تخفيف حدة المشكلات بعد إنتهاء الأزمة وبدء مرحلة إعادة التوازن.
4- مرحلة إعادة التوازة، وتتركز المهام هنا على توفير الدعم الضورري خلال الفترة الأولى من إعادة الأمور إلى الوضع السابق لحدوث الأزمة بشكل تدريجي، ووفقاً لهذا المفهوم فإنه يمكن تقسيم المراحل التي تمر بها الأزمة حتى يعود الوضع إلى حالته الطبيعية إلى مرحلة ما قبل الأزمة – مرحلة التعامل مع الأزمة – مرحلة ما بعد الأزمة (6).
مفهوم إدارة الأزمات وا لتخطيط لمواجهتها
إن مفهوم إدارة الأزمات وهو ما يعرف حالياً بعلم إدارة الأزمات مفهوم قديم وليس وليد اليوم أيضاً فالتعامل مع الأزمة وكيفية مواجهتها وجد منذ عصور بعيد حيث دعت الحاجة الإنسانية وظروف الطبيعة إليه فكان مظهراً من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة التي واجهها الإنسان منذ أن جوبه بتحدي الطبيعة، والفرق الوحيد بين التعامل مع الأزمات قديماً وحديثاً ان ذلك التعامل مع الأزمات لم يكن يعرف بإدارة الأزمات وإنما كان موجوداً بمفهومه العملي ثم تطور بعد ذلك تحت مسميات كثيرة مثل الحنكة الدبلوماسية أو براعة القيادة أو حسن الإدارة.. الخ.
كما أن عملية التخطيط لمواجهة الأزمات والكوارث هي عملية وضع ضوابط عملية يتم إعدادها بشكل مبكر بقدر الأمكان لمواجهة الأزمة المحتملة والتصدي لها حال حدوثها والعودة للوضع الطبيعي بعد إنتهائها .. وترتبط عملية التخطيط بشكل وثيق بالسياسة العامة للدولة وتتم في ظل محدداتها وتوجيهاتها (7).
وتشكل عملية التخطيط الركيزة الرئيسية لأية إدارة فعالة للأزمات المشار إليها سابقاً بصرف النظر عن نوعياتها، حيث يمكن تطبيق أسس عملية التخطيط على أي نوع من أنواع الأزمات المحتملة.
ويرتبط جوهر عملية التخطيط أولا بعملية التنبؤ بالأزمات المحتملة وأطرافها والظروف المحيطة بها وتحديد الأطراف الرئيسية لإدارة الإزمة عند نشوبها وكذلك تحديد الأسس الإستراتيجية التي تتم من خلالها معالجة الأزمة مثل محاولةة التعرف على كافة المخاطر والتهديدات المحتملة التي يمكن أن تصاحب حدوث الأزمة وتقييم تلك المخاطر وتحديد ا لأولويات طبقاً لأهميتها وأيضاً الجهات والمؤسسات التي ستشترك في إدارة الأزمة وأدوار كل منها، ثم يتم تحديد أسلوب التنفيذ للخطة الموضوعة حالة وقوع الأزمة والتصرف وفقاً لهذه المفهوم.
وتعتمد إدارة اية أزمة على الخطة العلمية والعملية والمدروسة لمواجهتها والتي تتضمن تحديد كافة البدائل الممكنة التي يتم التوصل إليها من خلال جمع البيانات والمعلومات وتحليلها وتصنيفها وإستعراض تجارب الشعوب المتقدمة في التعامل مع مثل تلك الأزمة وتدريب الفريق المختص أو المكلف بالإشراف على إدارة الأزمة بنجاح، ويحتاج ذلك كله إلى وضوع خططة ثابتة يقوم المركز المختص بإدارة الأزمة بوضعها للتعامل مع الأزمة في مراحل مبكرة وقبل حدوثها إعتمادا على عنصري التنبؤ والتوقع، كما يحتاج إلى تحديد الأطار العام لها والظروف الملابسة لها وإمكانية تشابهها مع مثيلاتها من أزمات سابقة وإستخلاص النتائج والعبر منها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى فريق متخصص ومؤهل على إدارة الأزمات ومدرب على تنفيذ الخطط أو تعديلها عند وقوع الأزمات.
قرار الأزمة والمعلومات
ان أية أزمة محلية أو دولية بحاجة عند نشوئها إلى معالجة تكفل عدم تفاقمها والتقليل من أضرارها وتحجيم إحتمالات إتساعها، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلى من خلال قرارات فورية وعاجلة تهدف إلى إحتوائها ووقف تداعيتها، وقد يحتاج الموقف إلى إتخإذ أكثر من قرار تبعا لظروف الأزمة وتعقيدات المواقف المترتبة عليها وهي قرارات يطلق عليها المختصون بشئون الأزمات قرارات الأزمة وما يميزها من غيرها من القرارات العادية إنها تتصف بالسرعة نظراً للظروف الإستثنائية أو الطارئة التي تحتم صدورها في أقصر وقت ممكن لمواجهة أمر لم يكن متوقعاً ولم تكون أبعاده واضحة المعالم (8).
وتعريفات قرار الأزمة كثيرة ومفاهيمه متعددة طبقاً لرؤى المفكرين والباحثين في هذا المجال وقد أنطلقت أراؤهم لتعبر عن رؤى فلسفية أو سياسية محددة تشعبت إلى مداخل ومناهج ونظريات في صناعة القرار. وما يهمنا في هذا الأ تجاه هو كيفية إتخإذ قرار الأزمة الذي يمثل في النهاية إختيارا من بين بدائل عدة لمواجهة مشكل طارئة.
ويختلف قرار الأزمة وفقاً لهذا المنطلق إختلافاً كبيراً وجوهرياً عن القرار العادي وإن كان لا يختلف كثيراً في طريقة صنعه من حيث ضرورة توافر شروط أساسية فيه كجمع البيانات والمعلومات الكافية عن المشكلة وتحليل هذه المعلومات واستخلاص البدائل المتاحة منها والمفاضلة بينها تمهيداً لوضعها أمام متخذ القرار لأختيار البديل الأفضل الذي يتناسب مع ظروف وطبيعة ونوع الأزمة.
ويصاحب قرار الأ زمة عناصر كثيرة تتسم با لخطور أحياناً وفقاً لطبيعة الموقف وتقدير صانع القرار ومن بين هذه العناصر:
- عنصر المفاجأة .
- عنصر ضيق الوقت.
- عنصر الشعور بالخطر الداهم(9)
وتسهم هذه العناصر المصاحبة لحدوث الأزمة عادة في خلق قدر كبير من التوتر وأشاعة جو من الأضراب والخلل في أجهزة المؤسسة المختصة بصنع القرار... كما إنها تؤدي إلى زيادة الأرهاق ينعكس بدوره فيؤثر سلبياً على قدرة صا نع القرار في الالمام بابعاد الموقف الحقيقية واعطائه الفرصة الكافية لتقييم جميع احتملات الموقف التي يترتب عليها اتخإذ مثل هذا القرار المفاجئ.
الا أن ذلك لا يعني أن مؤسسة صنع القرار، وهي تتعامل مع الأزمة وتداعياتها تكون عاجزة تماماً عن التصدي لعملية صنع القرار بل إن بعض تلك المؤسسات يحقق نجاحاً غير متوقع في اتخإذ قرارات فاعلة في إدارة للازمات ويحقق انفراجاً لها أو حلا ناجحاً لمعضلاتها.
ولا يرجع هذا النجاح – في اغلب الاحيان – إلى صانع القرار وحده بل يشاركه في ذلك النجاح المراكز المتخصصة لادارة الأزمات المزودة باحدث الاساليب العلمية والكفاءات والقدرات ذات التخصصات المتعددة التي كان صانع القرار قد انشأها للاستعداد للازمات قبل حدوث ها بوقت كاف فذو القرار الرشيد يعلم أن تجنب الأزمات والكوارث أمر شبه مستحيل وإنما عليه العمل على التقليل من خسائرها والحد من أضرارها عند وقوعها، وهو الأمر الذي يتحتم عليه إنشاء مركز أو أكثر لإدارة الأزمات والكوارث يتمثل عمله الرئيسي بصفة عامة في إستقبال المعلومات من مصادرها المختلفة ثم تقييم هذه المعلومات وتحليلها وإيجاد البدائل إزراء المواقف المتحددة ثم إصدار ا لقرارات المناسبة في وقتها المناسب إنطلاقا من مبدأ أن صدور قرار تتراوح نسبة صحته بين (50-60%) في وقتها المناسب أفضل من صدور قرار سليم (100%) بعد فوات الآوان، إذ أن تقييم رشد القرار والحكم على صحته، معناه في هذه الحالة هو أن يكون القرار أقرب ما يمكن إلى الواقع الذي يتعامل معه.
ويتوقف نجاح مركز إدارة الأزمات على توافر شبكة إتصالات كاملة للإستقبال والتوزيع ومكان مخصص للخرائط يعكف عليها مختصون لمتابعة الموقف وتوضيحه أولاً بأول لصاحب القرار ورؤساء الأجهزة المعنية الذين يساعدونه في إتخإذ قراره.
وتتوقف أهمية الحصول على المعلوما على مدى الأستفادة منها وإستخلاص ما بها من دلائل، وهو ما يتطلب وجود فريق متخصص في تحليل المعلومات تحليلاً علمياً دقيقا فربما يشير تصريح في إحدى الصحف لمسئول في دولة معادية إلى تصعيد في الظاهر وليونة بين السطور، أو تراجع تعبر عنه كلمة من الكلمات أو تصرف من التصرفات الأمر الذي يحتاج إلى قراءة متمعنة للتصريحات التي يدلي بها المسؤولون في الجانب الآخر أو للتقارير التي تم الحصول عليها من خلال قنوات خاصة.
ويقوم أولئك المختصون بالتفرقة بين الأخبار والمعلومات لأن المعلومات عبارة عن أخبار مؤكدة أما الاخبار فهي معلومات أولية تحتمل الصدق والكذب ولا يمكن إعتبارها معلومات يستفاد منها إلا بعد إستقائها من مصادرها المؤكدة ثم غربلتها والتأكد من صحتها بشتى الطرق.
وتتطلب مواجهة أية أزمة صدور قرار أو قرارات عدة لإحتواء هذه الأزمة و الحد من تفاقمها ولا يمكن لهذا القرار أن يكون ناجحاً إلا حينما تتوافر معلومات دقيقة تبني عليها قرارات الأزمة، فالمعلومات هي القاعدة الاساسية التي يتم على ضوئها التوصل إلى قناعة بإتخإذ قرار يحكم عليه في النهاية بانه قرار سليم أو غير سليم، مع عدم إغفال عناصر اخرى منها البيئة السياسية المحلية والدولية التي يتم إتخإذ القرار فيها ومدى تجاوب المجتمع مع صانع القرار وحسن تقديره للظروف والملابسات التي استدعت اتخإذ قراره، وهذه امور تختلف باختلاف الأنظمة السياسية وطبيعة تكوينها والتقاليد الراسخة في مجتمعاتها فقد تختلف ردود الفعل تجاه قرار دولي معين من دولة لأخرى بإختلاف الظروف التي تحدث فيها الأزمة إذ أنه لا مجال للحكم المطلق على ردود فعل الدول مهما بلغت درجة التقارب بينهما.
ويحتاج قرار الأزمة نظراً لخصوصيته إلى نظام للمعلومات يتسم بالسرعة والدقة العالية في معالجة البيانات، وإلى مستوى متطور الأداء ليتلاءم مع طبيعة الأزمة التي لا تخلو من ثلاث خصائص ( التهديد والمفاجأة وضيق الوقت) لذا فان التركيز في جمع المعلومات يقتصر على مصادر التهديدات والنخاطر وتتبع تطورات الأزمة التي ت رى مؤسسة صناعة القرار أنها وشكة الحدث ثم توصيل تلك المعلومات بسرعة فائقة ومتدفقة إلى الفريق المختص بإدارة الأزمات حتى يتمكن من وضع تقييم سليم للتعامل مع الأزمة وإعداد الخطط السريعة لمواجهتها.
وترتبط المعلومات إرتباطاً وثيقاً بمراحل تطور الأزمة ابتداء من الإستعدادات التي يتم إتخإذها خلال فترة ما قبل حدوثها وأثناء ذلك وتمتد حتى فترة ما بعد إنتهائها وتعد مرحلة ما قبل حدوث ا لأزمنة من المراحل المهمة نظرا لعلاقتها المباشرة بإتخإذ القرار لمواجهة الأزمة ويعتمد نجاحه عليها، وإذأن الأزمة حينما تبدأ في التصاعد تصبح أكثر تعقيدا ويسود التوتر العام جميع أرجاء مؤسسة صنع القرار نتيجة الضغوط التي يشكلها ضيق الوقت وقرب حدوث الأزمة، والتي تمثل عنصراً مهماً وحيوياً في تخطي حاجز الصدمة والمفاجأة وعنصر عدم التوقع للحدث (10) ذلك لان تهيئة الظروق المناسبة المبنية على المعلومات الأكيدة قد تحدد من عنصر عدم التوقع ومن ثم جعل الحدث في إطار يسهل التعامل معه ويقطع الطريق عليه قبل بلوغه مرحلة الازمة الكاملة، وعلى هذا الأساس فإن المقصود بالمعلومات والبيانات السابقة لمرحلة ما قبل الأزمة هي تلك التي تتنبأ بنوع الحدث وطبيعة ووقت ومكانن حدوثه وتحديد الأطار العام وتوضح ما قد يلابس هذا الأطار من ظروف قد تتشابه بقدر كبير مع أمثاله في الظروف الأخرى، وكلما كانت المعلومات صادقة ومعبرة عن واقع الأزمة كان إستخلاص النتائج منها سهلاً وإيجابياً.
وتبدأ المرحلة الثانية في التعامل مع الأزمة بعد تجمع المعلومات حيث يتم تصنيفها وتبويبها تمهيداً لإستخلاص نتائجها لصياغة الأدوار المحددة لفريق التعامل مع الأزمة، فعلي سبيل المثال عندما تتعرض الدولة لأزمة إرهاب محلية فإن عملية جمع المعلومات تبدأ بالتركيز على التعرف على الظاهرة من جوانبها المختلفة بدءا من تحديد مصادرها الداخلية أو إرتباطها الخارجي وكذلك العناصر المحتمل قيامها بتنفيذ هذه الأعمال الإرهابية، ثم تمتد عملية جمع المعلومات إلى محاولة التعرف على أهداف تلك ال عناصر واسلوب تنفيذ جرائمهم والمواقع المحتمل ا ن يباشروا فيها أنشطتهم وجهات تمويلهم.
أما بالنسبة للأزمات الدولية الحادة أو تلك التي يخشي التورط فيها بأعمال عسكرية فإن المعلومات حينئذ تتركز على تغليب جانب الحرب، من ثم يهتم المختصون بجمع المعلومات عن كل ما يتعلق بالموقع الجغرافي للطرف الآخر في الأزمة واستراتيجيته وقوة تسليحه وعددد قواته العسكرية ونوعية التسليح والأزمات الإقتصادية والأجتماعية التي يغني منها.
وتتنوع المعلومات بصفة عامة طبقاً لتنوع الأزمة وطبيعتها فهناك المعلومات الخاصة بالنواحي الأمنية وكذلك العسكرية والأقتصادية ... الخ.
الا أ نه ليس ضرورياً أ ن يكون نوع واحد فقط من هذه المعلومات هو الذي يخدم الأزمة بل قد تتطلب بعض الأزمات التنوع والتعدد في مصادر المعلومات ونوعيتها وفقاً لمجرياتها.
وهناك ايضا مرحلة أخرى مهمة تمثل المعلومات فيها الركائز الأساسية والمهمة في صنع القرار وهي المرحلة التي قد تستجد فيها معلومات أ و بيانات آخرى قد تتفق أو تغاير ما تم الحصول عليه من معلومات سابقة أو قد تتخد الأ زمة ساراً جديداً أو تنطعف إنعاطافاً حاداً مختلفاً ع ما تم توقعه في المرحلة السابقة مما يترتب عليه في كثير من الأحيان تعديل ا لمخطط المعد لمواجهة الأزمة بما يتفق ويتلاءم مع الأوضاع الجديدة. وغالباً ما يصاحب هذه المرحلة تدفق هائل في المعلومات التي تتواكب مع تطورات الموقف وتفرض على متخذ القرار إستبعاد كثير من المعلومات السابقة التي تم بناء عليها صياغة القرار المراد إتخإذه أو تحتم عليه صياغة قرارات جديدة مغايرة تماماً لما تم اختيارها سابقاً، وهنا تحدث المعلومات الجديدة ارباكاً في مؤسسة صنع القرار إن لم تكون مستعدة لاستقبالها والاستجابة لها استجابة فورية وفقاً لما تقتضيه ظروف الازمة وطبيعتها.
ولا يتوقف دور المعلومات وأهميتها بإنتهاء الأزمة بل يمتد إلى ما بعد ذلك، فهي وان كا ن دورها الرئيسي هو مساعدة مؤسسة صنع القرار في التوصل إلى بدائل وخياراتت واختيار انسبها لمواجهة الأزمة والتوصل إلى ما يسمي بقرار الأزمة بالنسبة للأزمة القائمة، الا ان لها دوراً مهماً في التخطيط المستقبلي إذ أن المرحلة التي تمر بها الأزمات ليست مرحلة محددة وإنما هي سلسلة متكررة ومتشابهة ومرتبطة بوجود الدول وعلاقتها مع بعضها إلى جانب أ ن التعامل مع الأزمة يخلف دائما تجارب مفيدة، وقد يتخلل ذلك العامل جوانب قصور أو مستجدات مفاجئة، فإذا ما تم إسترجاعها بجدية فإن من شأن ذلك أن يمكن القائمين على إدارة الأزمة من الأستفادة من ذلك في التعامل ع الأزمات المقبلة أو على الأقل تفادي ما قد حدث من اخطاء.
فتجميع المعلومات في هذه المرحلة يهدف إلى التعرف على كل التطورات التي صاحبت الأزمة السابقة وا ثارها والنتائج التي اسفرت عنها والاستفادة منها في اعاداد خطط مستقبلية لمواجهة الأزمات.
وفي هذه ا لحالة تعد هذه المعلوماتالتي ت م تجميعها عن الأزمة بمثابة توثيق لكل مجريات الأزمة السابقة حتى يمكن الرجوع اليها عند حدوث أزمات اخرى مماثلة أو شبيهة بتلك الأزمة التي حدثت.
أجهزة المعلومت ودورها في التنبؤ بالأزمات
على الرغم من اهمية المعلومات في صناعة قرار الازمة الا أنه لا يمكن الجزم بإنها تؤدي في جميع الأحوال إلى التنبؤ الدقيق الذي لا يرقي إليه الشك وخاصة في العلاقات الدولية، لأننه لا يمكن التنبؤ بالسلوك ا لمستقبلي لدولة أو مجموعة من الدول بل إن ذك لالمطلب يعد أمرا مستحيلا لان حجم المتغيرات ليست من نوع العلاقات الحتمية أو التي يمكن ت حديدها بدقة.
وهناك بعض الأمثلة التي تؤكد صحة هذا الرأي ففي الولايات المتحدة الأمريكية تطورت أجهزة رصد المعلومات تطور كبيرا وأصبحت تمتلك إمكانيات ضخمة سواء في ما يتعلق باجهزة جمع المعلومات أو أجهزة تحليلها وتفسيرها وبات لديها العديد من المراكز البحثية المتخصصة التي تمتلك احدث الاساليب العلمية بالاضافة إلى عدد هائل من الباحثين المتخصصين ذوي الكفاءات العلمية النادرة، ومع ذلك لم تستطع الولايات المتحدة ان تتنبأ باحداث كثيرة تقع فيها او خارجها في الماضي القريب فقد اساءت تقدير قدرة الشعب الفيتنامي على مواصلة القتال وحجم الدعم الذي يمكن للفيتناميين ان يتلقوه من الاتحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية وكذلك أساءت تقدير جغرافية مسرح القتال وفعالية حرب العصابات في مواجهة جيش نظامي، كما إنه وهو الأهم اساءت كثيرا مما يجب، وفي وقتنا الحاضر لم تتمكن من التنبؤ بدقة بما ستؤول اليه الأمور بعد الاتفاق الفلسطيني – الاسرائيلي في اوسلو والمتعلق بالتوصل إلى حل سلمي للمشكلة الفلسطينية إذ غاب عن صناع القرار فيها مكر الاسرائليين وقوة الشريحة المتطرفة منهم التي لا ترغب في السلام العادل بل ترد فرض السلام المهين، خاصة و انهم يشعرون بانهم سادة العالم كله من مشرقه إلى مغ ربه كما فشلت في التنبؤ باقدام الهند على اجراء تجاربها النووية في مايو 1998م وكذلك في هجمات 11 سبتمبر عليها.
اما الاتحاد السوفيتي السابق فقد كانت له اخطاؤه الكثيرة ايضا فقد انطوي قراره التدخل في افغانستان عام 1979م على سوء تقدير لعدم استطاعته تقييم مدى قوة وامكانيات المقاومة الافغانية او حجم التأييد المادي والمعنوي الذي يمكنها الحصول عليه من الولايات المتحدة الامريكية وكذلك من الدول الاسلامية مما كلفه كثيراً وجعله يبحث عن مخرج مشرف له ثم انسحابه في النهاية، كذلك اخطأ ورثته الروس في التنبؤ مرة اخرى حينما هاجموا الشيشان لاخضاع شعبها فدفعوا ثمن ذلك غالياً.هذه الامثلة وغيرها تؤكد ان عملية التنبؤ بردود ا فعال الاطراف الدولية الاخرى تكتنفها صعوبات كبيرة بل تجعل من المستحيل امكانية التنبؤ بها على وجه الدقة.
كذلك فإن مصادر ا لمعلومات قد تعلب دوراً سلبياً في التعامل مع الأزمات، فمن المعروف ان هناك مصادر رئيسية تعتمد عليها الدول في جمع المعلومات المتنوعة كالمصادر الاولية التي تتمثل في الاجهزة المعنية المختصة والمصادر الثانوية التي تتمثل في ما تنشره وسائل الاعلام المختلفة او الندوات وغيرها، إلى جانب وسائل اخرى يمكن الاعتماد عليها في جمع المعلومات كالسفارات والقنصليات و الاجهزة الممثلة للدولة في الخارج او اجهزة اخرى سرية تكلف بجمع المعلومات(11).
الا أن وصول المعلومات إلى صانع القرار مبتورة يسئ إلى فهم الحدث الذي يعالجه أو يدفعه إلى التسرع في اتخإذ قراره اخرى، وقد وقع ا لرئيس الامريكي الراحل ايزنهاور في مثل هذا الخطأ عام 1959- حينا نقل إليه تصور بان الرئيس اللبناني السابق كميل شمعون يواجه مؤامرة سياسية يقوم بتدبيرها له الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة انذاك فحدثت ازمة سياسية كادت ان تؤدي إلى نتائج وخيمة لجميع الاطراف، الا انه وبعد انفجار تلك الازمة تبين للرئيس ايزنهاور ان المعلومات التي نقلت اليه كانت مشوهةو لا تمت للحقيقة بصلة فسارع إلى تعديل موقفه ومساندته للرئيس اللبناني كميل شمعون ووافق على اقتراح عبدالناصر بانتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية اللبنانية (12) ولنا ان نتصور مدى الضرر الذي يلحقه هذا التشويه في وصول المعلومات في الماضي و الحاضر على صناع القرار عند اتخإذ قرارته.
الابعاد العلمية لادارة الأزمة
لايعتبر موضوع ادارة اللاىزمات شيئا جديداً في حد ذاته سواء على مستوى الفرد أو على مستوىى المؤسسات ا و مستوى الدولة، ولكن الجديد هو ان البا حثين بدأوا يولونه الاهتمام اللازم لأنهم شعروا ان تطور العلوم فتح لهم آفاقاً جديدة في التعامل مع الأزمات بصورة اكثر فاعلية، أي أن موضوع او علم إدارة وتحليل الأزمات بدأ يظهر نتيجة لان التطور العلمي والتكنولوجي بدأ يعطي وسائل وادوات للتعامل مع الأزمات وتحليلها وإدارتها بشكل افضل من ذي قبل، فعلي سبيل المثال مع الفارق فلقد بدأ ظهور علم الفضاء يأخذ زخماً عندما بدأ العلم يتيح لنا امكانية ارتياده واكتشافه وهو – أي العلم- بدأ يعطينا الان حاسبات ذات قدرة عالية ووسائل للتحليل والتقييم، وقدرات هائلة للاتصالات ونقل المعلومات، كما يوفر لنا وسائل حديثة للتعامل مع المشكلات الصعبة او المعقدة كما في الذكاء الصناعي مثلا، ويتيح كل ذلك امكانية التعامل مع الأزمات وحلها باقل حجم ممكن من الخسائر، ويعني ذلك أنه دون النظر إلى الابعاد العلمية المختلفة وتوظيفها في إدارة وتحليل الازمة فإنه من الصعب امكلانية تقديم حلول فعالة تساعد في اتخإذ ا فضل القرارات في الوقت المناسب.
من ناحية آخرى يصعب وضع اية ازمة تحت تصنيف ثابت، إذ ان لكل ازمة بعدها الاجتماعي والاقتصادي والامني، كما تجدر الاشارة إلى ضرورة توضيح الفرق بين مفهوم إدارة الازمة ومفهوم تحليل الازمة فإدارة الازمة عبارة عن سلسلة متكررة من :
أ- جمع وتحليل المعلومات.
ب- صياغة البدائل الممكنة.
ج- اتخإذ القرارات المناسبة.
د- تحديد اساليب ووسائل التنفيذ.
هـ- متابعة رد الفعل واعداد ا لاجراءات المضادة.
ويتم ذلك في وقت حدوث الازمة فقط ا ما التحليل فيشمل:
أ- دراسة وتحليل الأزمات السابقة.
ب- تقييم اساليب حل الأزمات.
ج- التنبؤ بالأزمات المحتمل مواجهتها.
د- تحديد افضليات وبدائل الحلول الممكنة .
هـ ـ تقييم ردود الافعال للازمات المحتملة.
وتتم عملية تحليل الأزمات بصورة مستمرة سواء وقت حدوث الازمة واثناء التحضير لها غاو بعد الانتهاء منها.
ويتضمن الاسلوب العلمي لادارة وتحليل الأزمات ما يلي:
أ- الابلاغ بحدوث الازمة
ب- نقل موقف الاحداث
ج- اعداد التحليل الابتدائي
د- الاستعلام، والاستفسار عن البيانات أو المعلومات الاضافية
و- تقييم وتحليل البدائل.
ز- اتخإذ القرار المناسب.
ويتطلب كل من هذه المكونات توافر بعض العناصر الاساسية التي يمكن تخليصها فيما يلي:
أ- اتصالات سمعية
ب- اتصالات مرئية.
ج- اتصالات رقمية
د- بيانات تاريخية
هـ - بيانات حالية.
و- معلومات اضافية
ز- معلومات عن ازمة مماثلة
ح- بدائل ازمات سابقة
ط- بدائل متاحة للازمة
ي- حصر البدائل الممكنة
ك- معايير تقييم للبدائل
ل- اسلوب تحديد للافضليات
م- اختيار افضل البدائل
ن- اسلوب اتخإذ القرار
ص- اسلوب متابعة التنفيذ
وتتطلب هذه العناصر الاستعانة بالمجالات العلمية و التكنولوجية المتعلقة بالآتي:
أ- شبكات ا لاتصال ا لسلكية واللاسلكية
ب- قواعد البيانات
ج- النمإذج العلمية
د- اجهزة الحاسبات ( معدات وبرامج)
وحيث تشتمل الوسائل العلمية الحديثة المستخدمة في الاتصالات السلكية واللاسلكية على شبكات الميكرويف وشبكات الحاسبات والاقمار الصناعية الخ، كما تشتمل النظم التطبيقية للحاسبات على قواعد للبيانات ونمإذج علمية وعلى استحداث نظم دعم اتخإذ القرار ونظم الخبرة ونظم المعرفة كما تشمل أجهزة إمكانيات الايضاح وظهور لغات وحاسبات الجيل الخامس... الخ.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن تطور الحاسبات ونظم الخبرة وقواعد المعرفة، إذ ان العصر المرتقب يعرف بانه عصر صناعة المعروف، وهو عصر تمثل فيه المعرفة الثروة القوية الجديدة للامم، فالمعرفة قوة تعمل الحاسبات على مضاعفتها، وسوف نحاول تعريفنظم المعرفة ودورها المرتقب في الارتقاء بالفكر البشري وذلك بتوضيح تطور الحاسبات الالية وظهور ثورة المعلومات ثم التطرق إلى الذكاء الصناعي ودوره في تحويل المعلومات إلى معارف.
ا- لقد تطور الحاسب اليوم إلى جيله الرابع الذي صغر فيه حجم الحاسب بشكل ملحوظ وزادت امكانياته بقدرات فائقة وبذلك انتشر الحاسب في مختلف انشطة الحياة اليومية في كل مكان، ولقد بدأ اليابانيون منذ أوائل الثمانينات مشروعا طموحا لتحقيق جيل خامس من الحاسبات يشمل تغيرات كمية في سرعة الحاسبات وتوفير القدرة على الاستنتاج المنطقي، كما يهدف إلى جعل الانواع الذكية من الحاسبات قادرة على مناظرة الانسان بلغاته القومية وفهم الكلام والصور وكذلك القدرة على التعلم وعمل الاستنتاجات واتخإذ القرارات والتصرف بالطرق التي نعتبرها جزءا شاملا من التفكير المنطقي المؤدي إلى استنتاجات العقل البشري.
ب- أدت ثورة المعلومات إلى توفير كم هائل من المعلومات المتباينة المصدر والنوعية نتيجة لحواسب ووسائل الاتصال الحديث بشكل منهجي مرتب وفي ثورن معدودات، الأمر الذي يدفعنا إلى الحديث عن انفجار المعلومات.
ج- تتطلب وفرة هذه ال فيض من المعلوماتت إلى وجود ذكاء اصطناعي قادر على تحويل المعلومات إلى معارف، إذ ان المعلومات تكون بلا فائدة إذا لم تكن هناك قدرة على استشفاف كل المعلومات الخام والربط الذكي في ما بينهما وتمحيصها لاستبعاد الزائف والذي يفتقر إلى مضمون ذي مغزي وهكذا فإن استخدام تعبير الذكاء هنا يصبح نوعا من العلم التطبيقي لأنه يمثل المهارة في تطبيق عدد من المبادئ والاسس في التعامل مع موقف معين. ويمكن تعريف الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة على أنه جمع المعلومات وهضمها لتأخذ شكلا ونطاقاً يمكن استخدامه في مساندة جهود مؤسسة ما وتحقيق اهدافها سواء كانت دولة أم جيشاً ام منشأة صناعية.
د- تختلف وجهات النظر نحو " الذكاء الاصطناعي، فبعض العلماء يعتبرونه وسيلة للقيام بالعمليات الذهنية حيث وجودت بينما ينظر اليه البعض الاخر كاسلوب لحل مسائل علمية وتطوير اجهزة قادة على القيام باعمال يقوم بها الانسان مثل ت عرف الاله على الاصوات او القيام بتشخيص خلل في جهاز معقد او مرض في اسنان.
هـ- هناك فرق شاسع بين المعلومات والمعارف فمعظم المعارف استنتاجيه اكثر منها حسابية أو بيانية أي أن ما تحتويه الكتب من معلومات وجوال احصائية وبيانية امر يختلف عن استيعاب تلك المعلومات واستغلال مادتها في تحديد المشكلة وحلها، فالمعروف والخبرة عبارة عن حصيلة الامتزاج الخفي لثالوث المعلومة وا لخبرة والحكمة البشرية، ورغم وضوح حقيقة انها اي المعرفة أهم موارد الفكر الانساني على الاطلاق الا أنها في وضوعها الراهن مبعثرة ومبددة بين ثنايا الوثائق وا لكتب او في ا ذهان ذوي المعرفة و الخبرة والذين هو عرضة للاصابة بالنسيان او الموت، وعلى الرغم من كل ما نسمعه ونراه من انجازات هائلة الا أن موارد المعرفة الانسانية ما زالت مهددة بدرجة كبيرة وقد باتت في امس الحاجة إلى اساليب فعالة وعملية لتصونها وتنميها وتحسن استغلالها، ومن هنا فكر العلماء في ا خضاع ا لمعرفة لعملية السيطرة الهندسية والتوصل إلى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي ليمثل احد الركائز الرئيسية لحاسب الجيل الخامس ولتصبح البديل الارقي لقواعد المعلومات ولتصبح وعاء لذخيرة المعارف وشبكة العلاقات والتفاعلات التي تربط بينهما (13).
كيان ادارة الأزمات
يتضح مما سبق ان إدارة الأزمات بأبعادها الثلاثة والمتعلقة بالتهديد للقيم العليا أو بالمفاجأة في ال توقيع أو الوقت القصير المتاح لاتخإذ القرار تحتاج إلى توافر مجموعة من الوسائل والادوات المتقدمة للتحضير لعملية إدارة الأزمة وكذلك لضمان استمرارية إدارتها بنجاح وكفاءة مع الاخذ في الاعتبار بعض الامور الاساسية مثل:
1- نوعية مشاكل الأزمات وصعوبة التعامل معها.
2- ضرورة توفير وسائل للرد على الاستفسارات والاستعلامات بشكل مباشرة وفوري.
3- إدارة الازمة في ظروف عدم وجود وقت كاف للدراسة والبحث عن حلول مناسبة.
4- ضرورة إشراك خبراء ومتخصصين نظراً لتشعب المجالات المتعلقة بالا زمات.
لذا نجد ان عملية إ دارة الأزمات تحتاج إلى انشاء كيان مستقل تتوافر فيه اطقم خاصة ومؤهلة تأهيلاً علمياً عالياً على درجة من العلم والخبرة والمهارة مع اتباع اساليب إدارة غير روتينية في محاولة للسيطرة على الأزمات والتحكم فيها وتوجيهها، كما يتجاوز تشكيل هذا الكيان الهياكل التنظيمية المألوفة مع مراعاة ما يلي:-
1- تنظيم الكيان طبقاً للمستويات ( مستوى قومي أو مستويات قطاعية ) مع ضرورة التنسيق بين هذه المستويات.
2- توفير قاعدة بيانات ومعلومات.
3- توفير إمكانيات الاتصال مع مختلف الجهات.
4- توفير إمكانية التخطيط والتنبؤ بالأزمات المستقبلية .
5- التدريب المستمر لأطقم الإدارة.
كما يتطلب إنشاء هذا الكيان استحداث كيانات فرعية مساندة مثل:
1- كيان فرعي للتحليل والتقييم يقوم بأنشطة التحليل والتقييم والتنبؤ واعداد السيناريوهات للازمات المحتملة .
2- كيان فرعي للبيانات والمعلومات يقوم بانشطة اعداد البيانات المحلية والخارجية مثل:
بيانات عامة يمكن الاستفادة منها في مختلف الأزمات
بيانات خاصة تتعلق بنوعية الازمة.
بيانات عسكرية (القوات تنظيمها وتسليحها والاسلحة وقدرتها ومواصفاتها)
بيانات سياسية ( داخلية وخارجية)
بيانات جغرافية (صورة وخرائط ومواقع مهمة)
بيانات اقتصادية ( سلع استراتيجية وكمياتها المخزنة)
بيانات اجتماعية ( تركيب سكاني وميول واتجاهات).
3- كيان فرعي لإدارة الازمة يقوم ب التنسيق و عرض مواقف الازمة و بمراقبة ومتابعة مسرح الاحداث، وكذلك يتولي انشطة التدريب على إدارة الأزمات، ويعمل هذا الكيان مع متخذي القرارات من خلال غرفة الأزمات.
4- كيان فرعي للحاسب الالي ويقوم بأنشطة التشغيل والصيانة وتصميم واعداد البرامج والنمإذج العلمية اللازمة للعمل مثل:
- نمإذج اتخإذ القرارات" شجرة القرارات ونمإذج المخاطرة ونمإذج عدم التأكيد ونمإذج القرارات متعددة المعايير".
- وبعد فهذا هو – بأختصار – مفهوم الازمة، وهذه هي مراحل تطورها ومفهوم ادارتها واهمية المعلومات المتعلقة بها والابعاد العلمية لإدارتها واخيراً التصور المبسط العام لانشاء كيان إدارة الأزمات، وبقي ان نقول إن الأزمات تتنوع وتتعدد اشكالها من حيث كونها داخلية أو دولية ومن حيث نطاقها الجغرافي أو الزمني ومن حيث كونها خاصة أو عامة ومن بين هذه الأزمات أزمات تصيب المجتمع بأكمله أو أحد قطاعات الاجتماعية أو الاقتصادية أو العلمية وغيرها، وقد اخترنا أن نستعرض في هذا الجزء بعض أنواع هذه الأزمات، وتحديداً الأزمات الأمنية وأزمات الإرهاب الدولي كإحدى الأزمات الداخلية كما نستعرض أزمة الصواريخ الكوبية كمثال كإحدى الأزماته الدولية واخيراً سنتطرق للكوارث والأزمات الاقتصادية كأزمات داخلية وخارجية.
- مع ملاحظة ان هذا الاختيار لا يعني ان الأزمات الأخرى أقل أهمية بقدر ما يعني أن الأحاطة بجميع أنواع الأزمات أمر غير يسير لأن الأزمات متجددة ومتنوعة وتحدث بشكل يومي يصعب معه وضعها في دراسة واحدة، ومع ملاحظة أن تقسيم الأزمات إلى داخلي وخارجي هو في حقيقته تقسيم مجازي ولا يعني وضع حد فاصل بين الأزمات الداخلية والخارجية أو غيرها لأنه يكن تشبيه الأزمات بالعائلة الواحدة التي تتباعد فروعها ولكن تنتمي إلى اصل واحد.
هوامش الفصل الأول
(1) أمين هويدي – إدارة الأزمات في ظل النظام المراوغ- مجلة السياسة الدولية- العدد -112-ص177- مركز الدراسات السياسية و التسترتيجية – الأهرام – القاهرة.
(2) د. محسن عبودي- نحو استراتيجية علمية في مجال إدارة الأزمات- ص10- دار النهضة العربية – القاهرة – 1993م.
(3) د. عباس رشدي العماري- إدارة الأزمات في عالم متغير – ص18- مركز الأهرام للترجمة والنشر – القاهرة – 1993م.
(4) د. محسن العبودي – مصدر سابق – ص22-23.
(5) د. أحمد إبراهيم بخيت- الكوارث والاستعداد لمواجهتها والتخفيف من آثارها- المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات – ص4-5 جامعة عين شمس – القاهرة- اكتوبر 1996م.
(6) سمير أحمد السيد- لويس كامل بشاري- الكوارث الطبعية وكيفية مواجهتها- المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات – مصدر سابق – ص4-5.
(7) د.محسن العبودي – مصدر سابق – ص40.
(8) د.فاروق عمر العمر- صناعة القرار والرأي العام – ص160-170 الطبعة الأولي – الكويت – ص.ب 2503- رمز 13026.
(9) عادل السالوس- إسرائيل والقرار السياسي في ا لسياسة الخارجية – مجلة السياسة الدولية – العدد 57-ص93 يوليو 1979- الأهرام – القاهرة .
(10) William j . Petak and Arthur A. Atkisson, Natural Hazard Risk Assessment and public: Anticpaiting the Unexpected, (New-York, Spinger- Verlag 1982) PP.2-4.
(11) صالح محمد حسني الحملاوي- دور نظم المعلومات ونظم الخبرة وتدعيم قرار الأزمات في الصناعة المصرفية – ص9-15- المؤتمر الأول لإدارة الأزمات – مصدر سابق.
(12) مذكرات وزارة الخارجية الأمريكية – مجلة اعلوطن العربي – ص35-37 باريس- العدد 1068- 22/8/1997م.
(13) آلان بونيه- الذكاء الاصطناعي واقعة ومستقبله – ترجمة د.علي صبري فرغلي- عالم المعرفة – العدد 172 ابريل 1993- ص11-24 – الكويت – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
(14) محمد راشد الحملاوي – إدارة الأزمات تجارب محلية وعالمية – الطبعة الثانية – ص194-198 – جامعة عين شمس – القاهرة -1995م.
الفصل الثاني
الأزمة الأمنية
تمهيد
تعتبر الأزمات الأمنية من أخطر التهديدات التي تواجه الدول نظراً لأنها تمس كيانها الداخلي وتهدد أمنها القومي وتؤدي بطريق مباشرة إلى خلق ما يسمي باستراتيجية الإسقاط من الداخل، وقد يختلف التهديد وتعدد مصادره واتجاهاته من دولة إلى أخرى وفقاً لاعتبارات كثيرة منها الموقع الجغرافي والاهداف والمصالح والإمكانيات والمعتقدات الأيديولوجيه والسياسة والدور الذي تلغبه الدولة في دائرة الصراع الدولي.
والمعتقدات الأيديولوجيه والسياسة والدور الذي تلغبه الدولة في دائرة الصراع الدولي.
وإذا كانت التهديدات الخارجية التي ت واجه دول ما تعود بالدرجة الأولى إلى مطامع وأهداف الآخرين وتتم بأدواتهم ووسائلهم المباشرن فإن الأزمات الداخلية ترجع أحياناً إلى ن فس تلك القوى الخارجية التي تسعي إلى تحقيق مخططاتها عن طريق غير مباشر عبر أدوات داخل الدولة نفسها مستغلة طبيعة المناخ والظروف السياسية المحيطة، كما أنها ترجع في أحيان أخرى إلى حدوث تمزق شديد في النسيج الاجتماعي داخل الدولة، بحيث تشعر فئة من فئاته بالرغبة الشيديدة في الاضرار بالمجتمع الذي تعيش فيه، فتلجأ هذه الفئة أو تلك إلى أعمال التخريب التي تضر بأمن الدولة وتهدد سلامتها أو القيام بالأعمال الإرهابية وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة وتدمير البيئة و تلويث المياه وإضرام الحرائق وإبرام صفقات المخدرات وغسيل الأموالوتنظيم المظاهرات العدائية للدولة أو خطف الطائرات وخطف الشخصيات السياسية المهمة، إلى جانب أعمال التخريب الداخلي والاغتيالات و أعمال الإرهاب والإهمال المتعد الذي يترتب عليه أضرار كبيرة، وهذه الصور تعد من أبرز الأنشطة التي تهدد بوقوع أزمات أمنية، ومثل هذه السلوكيات تخلف حدتها ارتفاعاً وانخفاضاً من دولة لأخرى، كما يختلف نوع الأزمة الأمنية من عهد إلى عهد حسب الطبيعة الإجتماعية والنشاط الإقتصادي والاتجاهات السياسية في هذه الدولة.
ولعلنا نلاحظ أننا ابتعدنا في هذا الفصل عن الجرائم العادية، كجرائم السرقة والقتل وغيرها لأنها تحدث بشكل يومي ولا تؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمة، كما نلاحظ أننا نركز على الأزمات الأمنية السياسية.
أزمات الإرهاب الدولي
يعتبر الإرهاب الدولي شكلاً من أشكال الممارسةغير المشروعة لتي يرتكبها شخص أو جماعة أو دولة ويتسم بالعنف ويتخذ من القوة المسلحة أداة ومن الضغط النفسي وبث الرعب أسلوباً لتحقيق أغراض أو أهداف على غير رغبة وإرادة المجتمع.
ولقد أصبح الإرهاب الدولي ا لمعاصر أحد أساليب الصراع بين الدول، وتمارسه الجماعات السياسية وا لحكومات بهدف التأثير على خصومها لتحقيق أهدافها السياسية، كما أنه أصبح يستخدم كبديل للحرب التقليدية لكونه أكثر حركة وأقل كلفة.
ويتخذ العمل الإرهابي العديد من الأشكال والأساليب مثل عمليات الاغتيال وتصفية وزرع المتفجرات وخطف الطائرات والسفن واقتحام السفارات أو المكاتب الدولية بالخارج والداخل وإحتاجاز الرهائن والمساومة على حياتهم وذلك بهدف الضغط على السلطات الشرعية للقبول بمطالب معينة أو التنازل عن مبادئ أو توجهات محددة.
يقول الأستإذ السنوسي بلالة في كتابة "منهج الإرهاب" : " إن منهج الإرهاب يقوم – وبصفة خاصة- على مبدأ إثارة الغوغائيين، وسيطرتهم أو تحكمهم في المصادر الرئيسية والمرافق الحيوية التي تغذي البلاد، لتهديد أمنها وحياتها، مثل السيطرة أو الإستيلاء على مناطق ومحطات توليد الكهرباء، والمصادر الخاصة يضخ المياه، والقاء القنابل وإشعال النار في أماكن العبادة، ودور السينما والمسرح، والمدارس والجامعات، ومحطات السكك الحديدية والأسواق، إضافة- وهذا الأهم- إلى تعطيل أية قوانين أو دساتير أو شرائع سارية في البلاد، مما يجعل هذه الفئة القليلة العديد التي قامت بهذه الأعمال الإرهابية، متحكمة في منطقة كبيرة شاسعة، من قبل مئات الآلاف من الإرهابيين الذين يقومون بهذه الاعمال، بينما نجد أن عدد الإرهابيين في واقع الامر، أو رؤسائهم قد لا يتجاوز العشرات من الأفراد.
وبعد أن تتكامل سيطرة الإرهابيين على البلاد، ويتسلمون زمام قيادتها، يستمرون في مواصلة المسلسل الإرهابي- بين الفينة والأخرى- لفرض طاعتهم على الناس، وتخويفهم، وبث الرعب في نفوسهم، وذلك بالقيام بعمليات إلقاء القبض على المواطنين في ساعات متأخرة من الليل، والساعات الأولى من الصباح، والتحقيق معهم بطريقة مرعبة، وإفتعال وتلفيق التهم الباطلة، ومحاولة إلصاقها ببعض المواطنين الأبرياء، وكذلك القيام باختطاف المواطنين والاعتداء عليهم بالضرب والإهانة والقتل أحياناً، بغرض بث الخوف في قلوب بقية المواطنين الآخرين، ومنعاً للاستقرار والصفاء الذهي الذي يدعو إلى التفكير والإستقرار والنفقد والمواجهة ثم المطالبة بالتغيير.
ويعتبر "نيتشاييف" الروسي هو أول من قرر لهذا المنهج تصوراً عملياً تطبيقياً في العصر الحديث وقام بشرحه وتقنينه ووضع أصوله وذلك في ك تابه المسمي "دليل الثوري" عام 1869م. وعلى الرغم من تشبعه بفكر "ماركس" إلا أنه تفوق عليه في منهج الإرهاب الذي صاغ خطواته بعد ذلك وحددها ليحقق بها ما يريد، ولتصبح هذه الصياغة لذلك المنهج هي المبادئ الأساسية التي ابتكرها والتي يسير على نهج توجيهاتها معظم الإرهابيين في شتى البلدان، وإستمر على ذلك حتى قبض عليه بتهمة التدبير لإغتيال القيصر "نيكولا الثالث" وقد استطاع نيتشاييف توزيع ذلك الكتاب الرهيب "دليل ا لثوري" موضحاً فيه مذهباً منهجاً شاملاً للإرهاب والتخريب والإستهتار بقيم ونظم المجتمع، وقد مات في الثالث من شهر سبتمبر عام 1882م.
أما عن أساس ومنطلقات التكنولوجيا الخاصة بمنهج "نيتشاييف" في الارهاب فقد جاءت من خلال النقاط الأساسية المنشورة في ذلك الكتاب وا لتي يبلغ عددها ستاً وعشرين نقطة، وقد أوضح في المقطع الأول من كتابه المذكور أن الواجب يقتضي التخلي عن جميع المصالح سوى مصلحة وا حدة هي الثورة التي يجب في سبيل تحقيقها- القضاء على جميع المضرين بها أو بتنظيمها الثوري، وأن نموذج الثورة الوحيد الذي ينفع الناس، هو ثورة كاملة تقضي على الدولة قضاء تاماً حتى جذورها وتقضي على كل أ ثر للنظام القائم في روسيا- بتقاليد كل مؤسساته، وقيمه الدينية والأخلاقية، وقد جاء من ضمن تعاليمه أنه "لابد من الاتحاد مع اللصوص وقطاع الطرق وهم الثوار الوحيدون الأصلاء- في روسيا- لأنهم خارجون عن القانون ". ويختتم ذلك الكتاب بالنقطة السادسة والعشرين ليقول: "إن مهمتنا هي إدماج الشعب كله في قوة و احدة ومخربة لا تقهر... ذلك هو هدفنا، وتلك هي مؤامرتنا ومهمتنا".
وقد عمد نيتشاييف من خلال ما تقدم عرضه إلى تبني وتقنين وإقرار منهج الإرهاب، مرتكزاص على النقاط الرئيسية سالفة الذكر ليكون منهجاً فعلياً ونقطة مهمة لبداية عصور إرهابية جديدة تهدد حياة الإنسانية وتطورها، وتتسلل من روسيا إلى بلدان ومنظمات أخرى (1).
إلا أن الصعوبة في مواجهة الإرهاب الدولي تكمن في أن هذا المنهج الإرهابي الذيب نظر له " نيتشاييف" في العصر الحديث وأمثاله من أتباع مذهب العدمية والفوضوية والعصابات الصهيونية الإرهابية وغيرهم تصطدم بالأهداف السامية التي يضطر المحاربون من أجل حرية أوطانهم إلى اللجوء إليها، مما أدي إلى اختلاف معايير التقييم للعمل الإرهابي نفسه وانقسام الضمير السياسي العالمي تجاهه طبقاً لموقفه منه مؤيداً أو معارضاَ. فمازالت بعض الممارسات التي توصف بالإرهابية ينظر إليها على أنها صورة من صور الكفاح المسلح، والأمثلة على ذلك كثيرة فالعنف السياسي يمكن اعتباره ثورة إذا نجح في قلب السلطة القائمة وأخذ يمسك بمقاليد الحكم كما حدث في روسيا عام 1971م، ويكون إرهاباً إذا ما فشل في ذلك كما حدث في بعض دول أمريكا اللاتينية.
كما يمكن وصف الحكومات القمعية بالإرهاب حينما تتخذ من قهر الشعوب مبرراً وأسلوباً لفرض سيادتها عليهم، وحينما توجه أجهزتها القمعية لانتهاك حقوقهم التي أقرتها مبادئ حقوق الإنسان بحجة مهاجمة قواعد الإرهاب وتحت شعار الادعاء بشرعية هذا الفعل تحقيقاً لنظريات الأمن كما يحدث حالياً في الأرض العربية المحتلة في غزة والضفة الغربية لفلسطين.
ومن أبرز صور الحدث الإرهابي الذي يشكل أزمة فعلية للدول هو ذلك الحدث الذي تسعي من خلاله مجموعة ارهابية إلى احتجاز رهائن والمساومة بهم على قيم سياسية أو مادية. وعادة ما تخلق هذه الأزمة وضعاً خاصاً تنخفض فيه مجموعة البدائل المطروحة للمعالجة إلى مجرد بديلين لا ثالث لهما، إما التسليم بقبول مطالب الإرهابيين أو التضحية بحياة الرهائن. وقد يعتبر قبول البديل الأول حلاً وقتياً للأزمة إلى أنه يبقي على جذور الخلاف ويشجع على المزيد من هذه الأفعال على المدى البعيد، بينما يعتبر قبول البديل ا لثاني بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب في بعض الأحيان.
وقد تتعدي أزمة إختطاف الرهائن أ و احتجازهم النطاق المحلي للدولة إذا ما اشتملت مجموعة الرهائن على مسئولين دوليين أو شخصيات من جنسيات متعددة، الأمر الذي يتطلب معالجة خاصة لإحتواء الأزمة والعمل على عدم إنتقالها من النطاق ا لمحلي إلى النطاق العالمي، مما يهدد بدخول أطراف أخرى في الأزمة وما يصاحب ذلك من تبعات.
إدارة الازمة الامنية
المقصود بإدارة الأزمة الأمنية هو السيطرة على وضع مفاجئ يهدد أمن الدولة العام أو أرواح مواطنيها والمقمين فيها وممتلكاتهم ثم الامساك بكل الخيوط المتعلقة بذلك الوضع بهدف ارساء اسس علمية وعملية لضمان عدم تكرارها في المستقبل. وتختلف ادارة الازمة الامنية عن إدارة الأزمات الأخرى وذلك لأهميتها ولكونها ذات طبيعة خاصة ولتشابك خيوطها وتنوع ادواتها. وتبدأ ادارة الازمة الأمنية من مرحلة تحجيم الازمة وإحتوائها ومن ثم تفهم حقيقتها وإدراك ابعادها ومراميها وحصر العناصر الرئيسية المحركة لها والجهات الداعمة لها داخلياً وخارجياً، والإحاطة بهذه الامور وحصرها يساعد على التعرف على أسباب استفحالها والعوامل التي هيأت لظهورها ونجاحها.
ولا يقصد بإدارة الأزمة الأمنية مجرد الاكتفاء بالتعامل مع الوضع الطارئ أ و الوقوف عند حد تحجيمه والحيلولة دون استفحاله فحسب وإنما تتجاوز ادارتها ذلك كله إلى ضرورة حسن تفهمها تفهما كاملاً والإحاطة بكافة ما سهم في نشأتها عن عوامل وما ساعد على ظهورها من اسباب، ويتطلب هذا ضرورة الحصول على اكبر قدر من المعلومات ابتداء من المعلومات التي تستطيع اجهزة الامن جمعها عن طريق مصادرها المختلفة وإنتهاء بما تظهره التحقيقات التي تجريها وكشف حقيقة العناصر الأجرامية ا لمتورطة في الأحداث . وتعد هذه المعلومات مهمة جداص وتمثل الركيزة الأساسية للعمل الأمني بصفة عامة كما إنها تعهد الاساس المرشد في خضم تلك الأحداث المتكاثرة والتحديات الكبيرة ومواجهة الأساليب المذهلة التي شهدتها الجريمة في الا ونة الاخيرة، ويتوقف نجاح أي عمل امني على مدى إستفادة القائمين على الأمن من تحليل هذه المعلومات للوقوف من خلالها على طبيعة الاحداث ومجرياتها.
وقد شهدت المعلومات الأمنية تطوراً كبيراً في ظل تلك الثورة الهائلة في عالم المعلومات والاتصال التي شهدتها الأعوام الأخيرة مما سهل مهمة الأجهزة الأمنية في رصد هذه المعلومات والوصول اليها، ولكنه في نفس الوقت صعب من مهمة رجال الامن بسبب استفادة العناصر الاجرامية ايضاً من من معطيات تلك الثورة المعلوماتية بنفس قدر استفادة الاجهزة الامنية منها، وهو الامر الذي خلق تحدياً كبيراً بين الاجهزة الامنية من جهة والعناصر الاجرامية من جهة أخرى في مجال رصد المعلومة الأمنية(2).
توقع الحدث ومسئولية الاجهزة الامنية
أن توقع الحدث عند رجل الأمن أمر مهم جداً ويتم إكتسابه من الخبرات الطويلة في الساحة الأمنية والإحتكاك المباشر بالظواهر الإجرامية والمتابعة المستمرة لحوادث الإجرام المحلية والدولية وتنوع مظاهرها، والمقصود بالتوقع هو التنبؤ بملامح الحدث وابعاده قبل حدوثه بوقت كاف سواء كان عاجلاً ام آجلاً ويعتمد هذا على اسس مؤكدة وثابتة يتم رصدها من الواقع وليس من احتمالات أو فرضيات يتم طرحها لمجرد التحوط أو التخوف من تحمل المسئولية.
ويعد التوقع الأمني او التنبؤ من اهم ركائز خطط مواجهة الأزمات الأمنية والفاصل بين الخطر المتوقع قبل حدوثه والخطر الواقع بعد حدوثه هو فاصل يعتمد بالدرجة الأولى على الحس الأمني أو استشفاف ما سيقع من أحداث أو ما يمكن تسميته بالحدث الأمني... الا أن ذلك الحس او الحدث الامني ليس مسألة تخمين ذاتي او تنبؤ عشوائي او توقع خيالي لا اساس له من الواقع او يخلو تماماً من أية معطيات تؤكد احتمال وقوعه وتدل على اقتراب حدوثه، وانما يعتمد في الحقيقة على معطيات موضوعية لها اساس من الواقع تنبئ به وتدل وترشد على رجل الامن الواعي والحريص على التعرفعلى مكمنه والوصول إلىمصدره وإستشعار وجوده قبل تحوله من توقع مستقبلي إلى واقع حاضر(3).
والمحصلة النهائية لما تقدم هو أن التعرف على احتمالات وقوعالخطر قبل تحوله إلىواقع فعلي والتعامل معه ومواجهته بأقصي درجات الحسم الامني امر في غاية الضرورة لتلافي الخطر والتقليل من مخاطره والسيطرة عليه، ولذلك يمكن القول بأنه لو تم توقع الخطر الاجرامي والتعامل معه بجدية تامة بأعتباره يمثل درجة عالية من الخطورة تقتضي ضرورة مواجته بأقصي درجات الحسم ا لامني لكن ذلك بحد ذاته انجازاً كبيراً للأجهزة الأمنية في اي بلد كان.
لقد اختفت من عالم اليوم الاساليب القديمة في معالجة الأزمات الامنية والتي تعتبر الحدث الامني مجرد عارض لا علاقة له بغيره من العوارض الاجرامية الاخرى فأصبحت مراكز المعلومات الالية المزودة بأحدث أجهزة الكمبيوتر والبرامج المصممة خصيصاً للتعامل مع القضايا الأمنية هي اساس العمل الامني، وعادةة ما ترتبط تلك المراكز بالسلطات العليا المسؤولة عن الأمن وبغرف العمليات الامنية التي تعمل على توفير المعلومات اللازمة لإمكان مواجهة الأزمة الأمنية والتعامل معها، وتعتبر هذه المراكز عنصراً مهماً وحاسماً وفعالاً في حسن إدارة الازمة، فالمعلومة الصادرة عن تلك المراكز هي المخزون المساند لإحاطة اجهزة الامن بابعاد الازمة والتعرف على اهم الشخصيات المؤثرة في نشأتها وتصنيفها بالاضافة إلى ما تحققه من امكان منع وقوع الازمة والحيلولة دون تكرار حدوثها.
فإذا ما تعلق الأمر بمواجهة مجموعة إرهابية مثلاً فإنها تقوم بتوفير قاعدة إساسية من المعلومات الصحيحة والدقيقة المتعلقة بحجم الازمة ومناطق تمركزها واهدافها ووسائل تحقيقها وخطة وبرنامج عمل القائمين على تنفيذها ومعرفة افكارهم ومعتقداتهم والاشخاص الموكل اليهم عملية النفيذ وجنسياتهم وقادتهم ومصادر تمويلهم واسلوب تعاملهم ووسائل اتصالهم وانتقالاتهم وخطوات تحركاتهم ومنهجهم المتبع في تحديد أهدافهم وطريقتهم في رصد حركة المجتمع .. إلى غير ذلك ومن المعلومات الرئيسية التي يجب أن تكون مرتكزة على معرفة حقيقة بعيدة عن أسلوب التخمين والظن(4).
ومن هنا فإن من الضرورة بمكان توافر الاجهزة والكوادر الامنية القادرة على حسن التعامل مع تلك الأدوات واستخدامها بفهم واستيعاب واع وقدرة على تحليل هذه المعلومات وحسن توظيفها للتعرف من خلالها على الاسباب الحقيقة لنشأة الازمة.. إذا أنه من غير توافر تلك الاجهزة والكووادر ذات الكفاءة العالية في التعامل مع تلك المعلومات، فإنها أي هذه المعلومات التي تمجمعها تصبح عديمة الجدوى وخالية من اية فائدة او قيمة وفاقدة لقدراتها في توجيه القيادة الامنية الوجهة الصحيحة لاتخإذ القرار الامثل في عملية مواجهة الازمة واحتوائها بشكل حاسم وفعال.
ولايعني ذلك غمط باقي الأجهزة الأمنية حقوقها او واجباتها وخاصة تلك الاجهزة التي تعمل في مجال تحري المعلومة وتحليلها والتأكد من صحة مطابقاتها للواقع، لأن ذلك الرصيد الأمني السياسي الاجتماعي الشامل للأحداث السابقة أولاً بأول رصدا موضوعياً وتحليل نتائجها تحليلا محايدا وكذلك إسترجاع مشاهد المواجهة التي تمت والاساليب التي استخدمت سواء بالسلب او الايجاب يسهل على الاجهزة الأمنية التعرف على عوامل نشأة الأزمة وإستفحالها وبوادر ظهورها وتحديد إحتمالات تكرارها، وهو الأمر الذي يساهم في وضع خطط للعمل الامني مستقبلاً من شأن تنفيذها أن يحول دون تكرار مثل تلك الأزمات السابقة، وان يكفل بالتالي عدم استمرار إحداثها او إستفحال نتائجها.
كما أن هدف تلك الأجهزة الأساسي في التعرف على جذور الأزمة الأمنية ومحاولة التنبؤ بها قبل وقوعها وإستفحالها يتطلب ضرورة التعرف أولا على العوامل او الاسباب المؤثرة في الأزمة الأمنية، وكذلك محاولة ربطها بالنتائج التي أفرزتها. وتعتمد عملية الربط هذه على النظرة الشاملة للأمور الاساسية التي تعتبر بمثابة معطيات رئيسية يستحيل تحقيق اي نجاح دون الأستعانة بها وحسن توظيفها توظيفاً متكاملا يحقق الربط المطلوب، ومن شأن ذلك الربط الصحيح تجنب الأخطاء التي تقع فيها الحكومات عند معالجة أزماتها الأمنية كأن تقوم بالحكم على حدث ما من وجة نظر ضيقة وبعيدة عن أسبابها الحقيقية أو الجهاتالتي تقف وراءها، إذ أن بعض ازمات الارهاب التي تواجهها الدول يكون منشأها بعيدا عن مركز حدوثها وتكون يد مسببيها ملطخة بدماء الجريمة ولكنهم يقفون خلف الستار يحركون مجرياتها بشكل مستتر، وتخطئ الدولة حينما تواجه موجة إرهاب فتكتفي بالقمع وتصفية القيادات المشاركة في الداخل او وضعهم في السجن على اعتبار أن ذلك حدثا داخليا دون تحليل كاف لأبعاد الأزمة التي تعيشها دولتهم أو وضع خطة لمواجهة الدول المتواطئة أو الجهات الخفية التي تقف وراء ذلك الارهاب، أما بالأساليب الدبلوماسية أو باساليب اخرى رادعة.
ومن ناحية اخرى ونظراً لما تتسم به الازمة الامنية من الخطورة نتيجة للاضرار التي تلحق باامن والاستقرار بصفة عامة، فإن مسئولية كبري تقع على عاتق القائمين على ادارتها، وتتمثل تلك المسئولية في التخطيط والتنظيم والتوجيه وإصدار القرارات ومتابعتها بشكل يحقق الاهداف المرجوة منها.
ولا يقتصر فريق إدارة الأزمة الأمنية على الجهات الأمنية فقط وإنما هو فريق شامل يجب أن يكون أعضاؤه من جميع مؤسسات الدولة الرئيسية مثل الجهات التي يتعلق عملها بالشئون العسكرية والاعلامية والصحية والانقإذ واعمال المفرقعات وكافة التخصصات الاخرى التي تستوجبها طبيعة الأزمة على أن يكون القطاع الأمني على رأسها وتسند إلى هذا الفريق مهمة الوصول إلى القرار الرشيد القادر على تحقيق اقصي قدر من التوازن المقبول بين كافة المصالح المتداخلة والتي تفرضها طبيعة تلك الازمة والقدر الذي تمثله من الخطورة.
ويعتمد إختيار هذا الفريق على عنصر الكفاءة والمقدرة الشخصية بالدرجة الأولى، كل في مجال تخصصه، حتى تتوافر لأفراده في النهاية مقومات الرشد المطلوبة في القرار الذي سيتم اتخإذه وخلوه من جوانب النقص أو القصور الذي يعيبه ويحول بالتالي دون وصوله إلى هدفه الحقيقي الذي جاء القرار من ا جله.
وحتى يكون ا لقرار الذي يتخذه فريق الازمة رشيدا او على الاقل يغلب عليه جانب الرشد فإن هناك عدة عناصر لابد من توافرها مثل العنصر التنظيمي لاتمام إ دارة الأزمة وهو الجانب المتعلق بالتخطيط والتنظيم والأتصالات والتوجيه واسلوب التنفيذ ليتلاءم مع احداث الأزمة على أرض الواقع، ومثل العناصر الفنية المتعلقة بفهم مضمون ما احتوته الخطة موضوع التنفيذ والأحاطة بكيفية التصدي لما ينجم عنها من مشاكل اخرى تابعة لها، وهذا يتطلب ضرورة المام كل المشاركين في عملية التنفيذ بدورهم ووعيهم الكامل بكافة الجوانب المختلفة والسيناريوهات المعدةو التصدي لها(5).
وإلى جانب ذلك، هناك العنصر الأقتصادي الخاص بعملية التكلفة المالية الناتجة عن قرار حل الأزمة الأمنية وكل ما يترتب عليه من م كسب وخسارة ومقارنته بغيره من البدائل الأخرى مع تحديد كلفة كل البدائل المترتبة على القرار الذي سيتم اتخإذه لمعالجة الأزمة، فمثلاً عند وضع خطة إقتحام إحدى الطائرات حالة خطفها لتخليص رهائنها من ايدي المختطفين، فإنه يتعين على فريق إدارة الأزمة ضرةرة حساب تبعات الخسارة ومقارنة ذلك بالبدائل الاخرى لتحديد:-
1- حجم عدد الضحايا ا لناجم عن عملية المواجهة والأقتحام وكذلك تقدير الخسائر الاقتصادية التي تنجم عنها أضرار في اجزاء الطائرة ومحتوياتها او حتى نسفها نهائياً.
2- مردود ذلك البديل على الشعور الامني لدى الأفراد ومدى تقدير الرأي العام ايجابا او سلبا لعملية المهاجمة ثم مقارنة ذلك كله في النهاية مع أهم البدائل المتاحة الأخرى وفي مقدمتها عملية التفاوض مع الخاطفين.
ولا ننسي ايضاً ان من العناصر المهمة في عملية رشد القرار الامني الاخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي والسياسي اللازمة.
إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الجماهيرية المترتبة على القرار الأمني المنوى إتخإذه لحل الأزمة وإنعكاساته السلبية والإيجابية وكذلك الاثار المترتبة على اتخإذ ذلك القرار على الصعيد الداخلي والخارجي حتى يصدر القرار بشكل لا يتجاوز في حجمه الوزن الحقيقي للحدث أو الأزمة الأمنية فيساء تفسيره على إنه جاء لمراعاة مصالح سياسية تهم جماعة أو جهة أو دولة على حساب أطراف اخرى.
وهناك عنصر اخرى مهم يجب وضعه في الاعتبار وهو قيام رجال الامن بالمساعدة في عمليات انقإذ المصابين ونقلهم للمستشفيات بمجرد وقوع الازمة سواء كانت كارثة طبيعية أو غير طبيعية او اي نوع اخرى من الأزمات التي تمت الاشارة إليها سابقاً، وكذلك تطبيقهم للخطة المعدة لمواجهة الأزمات سلفا لمواجهة ذلك الحادث بالتنسيق والتعاون مع الفرق الاخرى المشتركة معهم في إدارة الأزمة، وهذا هو دور التخطيط المسبق في تقدير الإحتياجات والإشرراف على عمليات الإنفإذ من حيث الكفاءة والعدد ومدى الحاجة للإستعانة بالفرق الأخرى في أجهزة ومؤسسات الدولة، وكذلك المساعدة الأجنبية التي تعرضها الدول الصديقة إن احتاج الأمر لذلك، سواء في ما يتعلق بالفرق الخاصة بالأزمات أو الأستعانة بالخبرات الطبية الخاصة بعمليات الإسعاف العاجلة وكذلك حفظ الأمن الداخلي والخارجي بسبب الفوضي واختلاف الأمن وعدم إحترام القانون الذي ينتج عادة عن حدوث الأزمات، واستغلال المجرمين لتلك الظروف للقيام بأعمال السلب والتخريب والاعتداءات على حرمات الناس والأموال العامة.
فضلاً عن ذلك فإن من مسئوليات الأجهزة الأمنية في موقع الكارثة أو الأزمة والتي يجب أخذها في الحسبان عند ا لتخطيط مسؤولية المساعدة في حصر الخسائر بالنسبة للارواح والممتلكات التي يتم على اساسها تقدير قيمة التعويضات المناسبة التي قد تمنحها الدولة لضحايا هذه الأزمات، كما تقع على عاتق جهاز الامن ايضاً مهمة توزيع المعونات المحلية التي تقدمها الدولة بمؤسساتها المختلفة او ال جهات الخيرية فيما او تلك التي تقدمها ا لهيئات الدولية بمعرفة هيئات الاغاثة اضافة إلى تقديم المساعدات الصحية بالتنسيق مع الاجهزة المعنية والحفاظ على الشخصيات المهمة والاجانب إذا كان في منطقة وقوع الازمة شخصيات مهمة بالدولة او ممثلين لهيئات دولية او خبراء، وفنيين، وكذلك استقبال مندوبي الدول الصديقة التي تأتي بقصد تقديم الخبرات أو المشاركة الفعلية لتقدير ما يمكن أن تقدمه هذه الجهات من مساعدات فنية أو معونات مادية (6).
ولا شك أن حماية هؤلاء الاشخاص تقع بالدرجة الأولى على الجهاز الأمني وفيما يتعلق بأساليب الجريمة وفنونها، فإنه لا بد من الاشارة إلى اهمية وضع استراتيجية متكاملة وفعالة تهدف إلى مواجهة هذه الأزمات الأمنية بالقدر الذي يحد منها خاصة، بعد ان اصبحت ظاهرة تهدد دولا باسرها وترتكز هذه الاستراتيجية على جانب نظري يهدف إلى وضع الدراسات والنظريات المواكبة للتطورات العصرية المعاشة أمام فرق إدارة الأزمات الامنية، وذلك للارتقاء باسلوب معالجتهم للاوضاع علميا وعمليا بحيث تستطيع الاجهزة المعنية ا لنهوض بمسئولياتها كاملة، ولا يتأتي ذلك إلا عن طريق إدخال مادة علم إدارة الأزمات ضمن العلوم التي تدرس بمعاهد ومؤسسات وكليات الشرطة إلى جانب استحداث دورات تدريبية منظمة ذات مستويات عالية لافراد الجهاز الامني بمستوياته ووظائفه كافة، ويتم تنظيمها وفق احدث التقنيات العالمية، وكذلك اعداد النشرات الامنية الداخلية التي تعرف رجال الامن بالأزمات وانواعها وابعاد المخاطر التي يحتمل وقوعها واساليب التصدي لها ومن ثم توزيع تلك النشرات على مختلف المؤسسات الامنية لتوضيح هذه المشكلات والتعرف على احجامها الطبيعية وكيفية التصدي لها أو التغلب على عنصر المفاجأة عند حدوثها.
كما أن هناك امرا حيوياً مهما وهو وجوب تشكيل فرق متخصصة يتم تدريبها واعدادها اعدادا جيداً على عمليات إدارة الأزمات بحسب انواعها بحيث تكون تخصصة تخصصا دقيقاً في كل أزمة بشكل منفصل(7).
تلك هي- في عجالة سريعة وعامة – اهم الملامح المميزة لخطة موجهة الأزمات الامنية والتي تعتمد بالدرجة الأولى على ضرورة توقي اسبابها واخذ كل الاحتياطات الملائمة لمواجهتها وبالتالي ضرورة استنفار الجهات الامنية وغير الامنية كافة لمواجهة الاضرار الناجمة عنها.
هوامش الفصل الثاني
(1) السنوسي بلالة – منهج الارهاب- ص24-32 دار الانقإذ للنشر والاعلام- امريكا شيكاغو 1991م.
(2) لواء ماهر جمال الدين- التخطيط لإدارة الكوارث- ص33"بحث" مركز بحوث الشرطة – القاهرة – يناير 1993م.
(3) لواء د. احمد ضياء الدين- ادارة الازمة الامنية – المؤتمر السنوي الال- مصدر سابق ص5.
(4) خالد قدري السيد – التخطيط لمواجهة الكوارث – المؤتمر السنوي الاول- مصدر سابق- ص7.
(5) د. محسن العبودي – نحو استراتيجية علمية في م جال إدارة الأزمات الامنية – بحث مشترك – ص5 إلى 25 مطبعة كلية الشرطة – القاهرة 95/1999.
(6) لواء د. عمر حسن عدس ولواء د. احمد ضياء الدين – إدارة الأزمات الأمنية – بحث مشترك – ص25-25 مطبعة كلية الشركة – القاهرة 1995- 1996.
(7) د.محمد رشاد الحملاوي – إدارة الأزمات – ص3 إلى 8- مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية – سلسلة محاضرات الامارات – 1997.
الفصل الثالث
الأزمات الدولية
مفهوم الأزمة الدولية
يتطلب العصر الحديث بمتغيراته السريعة وايقاع الأحداث المفاجئة في العالم من الدول المختلفة متابعة وقوع الأزمات الدولية من حيث كونها تطور سريع في العلاقات الدولية يشبه الدوامة التي تحدث في مياة البحر او النهر فتبتلغ في اعماقها من لم ينتبه إليها او يتجنبها.
فالأزمة الدولية عبارة عن موقف ينشأ نتيجة قيام إحدى الدول بعمل مفاجئ من شأنه تهديد الأهداف الحيوية لدولة ما أو عدة دول ويترتب عليه وجوب قيام الدولة أو الدول المهددة بتصرف معاكس وسريع.
والأزمة الدولية هي عبارة عن ظاهرة سياسية عرفتها العلاقات بين المجتماعات الإنسانية حتى قبل أن تأخذ هذه المجتمعات شكل الدول، وقبل ان تسمى الأزمات التي تطرأ على علاقاتها بأنها ازمات دولية.
وقد تعددت تعريفات الازمة الدولية بتعدد اراء الباحثين والمدارس ا لفكرية والنفسية والاجتماعية والسياسية حيث عرفها " فوالتر ريموند" مؤلف قاموس المصطلحات السياسية تعريفا واسعاً عندما حدد مفهومها على انها حدوث خلل جسيم في العلاقات الطبيعية بين الدول ذات السيادة بسبب عجزها عن حل نزاع ققائم فيما بينها مثل ازمة الشرق الاوسط، وفي رأيه ايضا ان الازمة قد تتمثل في النشاط او الانشطة الرامية إلى تهديد وجود الدولة او مصالحها الحيوية.
اما " اوران يونغ" الكاتب السياسي فوصفها بانها تداع سريع للاحداث يؤدي إلى تنشيط عناصر عدم الاستقرار في النظام الدولي او في نسقه الفرعية على نحو غير مألوف بشكل يزيد من احتمالات اللجوء للعنف(1).
اما الكاتب السياسي استير بوتشان فقد جمع في تعريفه الازمة وإدارتها معاً حينما وصفها بانهما حدوث تحد متعمد يقابله رد فعل مدروس، وفي هذه العملية يسعى كل من طرفي النزاع على توجيه الاحداث لصالحه ويمتد النطاق الزمني للازمه من فترة حدوث التحدي وصدور القرار اللازم لمواجهته وتأثير هذا القرار على الخصم ورد فعله عليه.
من ناحيتها عرفتها كورال بيل بانهاوصول عناصر الصراع في ع لاقة ما إلى المرحلة التي تهدد بحدوث جذري في طبيعة هذه العلاقة مثل التحول من السلم إلى الحرب في العلاقات الطبيعية بين الدول والتفسخ في علاقات التحالف والتصدع في تماسك المنطقة الدولية(2).
اما "وليم كوانت" فقال عنها بانها مزيج من المفاجأة والخطر وعدم اليقين.
واخيراً عرفها مجمع سلوك الازمة الدولية بانها تعبر عن موقف ناجم عن حدوث تغيير في البيئة الخارجية او الداخلية للقرار السياسي، ويتسم هذا القرار بثلاث خصائص رئيسية في تصور السلطة العليا لصناع القرار السياسي:
1- قيام ت هديد للقيم الاساسية للمجتمع .
2- ترجيح الدخول في مواجهة عسكرية.
3- ادراك ان هناك وقتا محددا للرد على هذا التهديد(3).
وهناك من المدارس من حاول الجمع بين هذه التعريفات لتغطية جوانبالنقص التي إنتهجتها كل مدرسة، وهو ما عرف بالمحاولة التوفيقية التي إرتكزت في تحديدها لمفهوم الأزمة الدولية على مزايا التعريفات المختلفة التي تناولتها هذه المدارس.
وقد تزعم " مايكل بريتشر" هذا الاتجاه التوفيقي في تعريف الازمة الدولية فقال عنها بأنها عبارة عن تدهور خطير في العلاقات الدولية بين دولتين أو اكثر نتيجة تغير في البيئة الخارجية أو الداخلية لاطراف الأزمة وهو تدهور يخلق لدي صانع القرار ادراكا بأن هناك تهديداً خارجياً لقيمه وأهدافه الرئيسية وسياست بلاده الخارجية ويزيد من إحتمالات تعرض الدولة لإعمال عدائية في وقت ضيق قد لا تسمح له بالرد على ذلك التهديد(4).
والأزمة من منطلق ذلك المفهوم هي عبارة عن موقف تتوافر له الشروط الضرورية الكافية لوقوعها والمتمثلة في حدوث تغيير في البيئة الخارجية أو الداخلية الموجة للنظام العام في الدولة، سواء كان في صورة اتهامات كتلك ا لقائمة بين تركيا واليونان أو التهديد بالهجوم العسكري كما حدث بين الولايات المتحدة من جانب والحكومة العراقية من جانب اخر رداً على طرد الأخيرة المفتشيين الدوليين الامريكيين، او اتهام دولة بالتدبير بالاعداد للهجوم العسكري، مثل الازمة التي كانت قائمة بين السودان من جانب وارتريا واثيوبيا من جانب آخر.
وقد تكون هذه التحركات في صورة اعمال سياسية مادية ملموسة مثل سعي احد الخصمين او كليهما إلى تكوين احلاف او قطع العلاقات الدبلوماسية او انتهاك التزامات جوهرية في معاهدات موقعة، وهذا ما ينطبق على تركيا في سياستها الموجة ضد سوريا في سعيها لإقامة حلف مع إسرائيل وفي الوقت نفسه إخلالها ببعض بنود الاتفاقية الموقعة بينهما بشأن المياة، وهذا ما ظهر جلياً في التصريحات التي تبادلتها القيادة السياسية في كلا البلدين خلال الفترة من يناير إلى اغسطس 1997م.
وقد تتمثل هذه التهديدات في تطبيق او تزعم جبهة لتوقيع عقوبات اقتصادية كالحصار والحظر الاقتصادي وتأميم املاك دولة ما او رعاياها كما هو الحال في موقف امريكا ضد ايران او ليبيا او العراق او كوبا، وقد تكون ايضا في صورة تحركات عسكرية ع نيفة- وهذه اخطرها – مثل المناورات العسكرية غير العادية وتعبئة الاحتياط وتحريك القوات بالقرب من الحدود وتغيير الوضع العسكري من الوضع الدفاعي إلى الوضع الهجومي والاستعداد لاختراق الحدود كما حدث بين الصين وتايوان وبين كوريا الشمالية والجنوبية عام 1996م، او قد تكون لفظية مثل التهديد الموجه للنظام الحاكم او التحريض على العصيان واستخدام وسائل الإتصال الجماهيرية في تقويض شرعية الحكم، او قد تكون تحديات ملموسة مثل التحريض على القيام بانقلاب وتخريب المنشآت الحيوية واثارة الفتن واعمال التمرد والمظاهرات والاغتيالات السياسية .... الخ.
ونخلص من ذلك إلى ان الأزمة الدولية هي الفعل أو ا لحدث ا لذيي تهدف من ورائه دولة ما إلى إحداث تغيير حاد ومفاجئ في الوضع الدولي الراهن مما يشكل تهديداً مباشراً او غير مباشر للأمن القومي لدولة اخرى او مجموعة دول، وينتج عنه ردود افعال قد تؤدي إلى حدوث صراع مسلح او تخلق شعورا قوياً باحتمال حدوث الحرب.
وحقيقة الأمر أن مصطلح الأزمة في العلاقات الدولية هو مصطلح نسبي فقد يصف بعض المراقبين علاقة ثنائية بين دولتين بأنها تمر بأزمة بينما قد لا يصفها البعض الآخر بهذا الوصف اعتقاداص منهم بأه مبالغ في ردود الأفعال، أو لأنهم يرون في هذا الوصف للعلاقة بين الدولتين المتنازعتين تصعيداً للوقف من شأنه أن يؤثر عليهم أو يورطهم في أزمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وهنا تبرز أهمية التغييز بين مصطلح الأزمة في السياسة الخارجية لدولة ما، ومصطلح الأزمة الدولية عامة وذلك لما يعكسه هذا التمييز في الواقع من إختلاف في مناهج البحث العلمي.
فبينما نرى أن أزمة السياسة الخارجية لدولة ما تعود أساساً إلى منهج وأسلوب صنع القرار في هذه الدولة، نجد أن الأزمة الدولية عادة ما ترجع إلى المنهج الخاص بتحليل النظم السياسة الدولية بصفة عامة. والأزمة في الحالة الأولى هي عبارة عن موقف يواجه صانع القرار في دولة ما ويري فيه تهديداً للقيم والمصالح العليا لدولته وينطوى على عنصر المفاجأة، وتتلخص المشكلة بالنسبة له في كيفية مواجهة هذا الموقف في أسرع وقت ممكن. أما الأزمة في الحالة الثانية فقد تشترك فيها أكثر من دولة وتتم إدارتها أحياناً بإرادة خارجية وفقاً للظروف الدولية المحيطة كما حدث في حرب الخليج الثانية.
ويختلف مفهوم الأزمة الدولية عن مفهوم الصراع الدولي، خاصة وأن كلمة الصراع غدت شائعة في العلاقات بين الدول وأصبحت تطلق على أوضاع كثيرة وغدت كذلك تقترن بإعتبارات مرتبطة بالإحساس بالخطر تفتعله الدول أحياناً لتحقيق مكاسب أو أهداف سياسية.
وظاهرة الصراع هي إحدى حقائق العلاقات الدولية منذ فجر التاريخ، فلا غرابة أن تمثل قضية السيطرة على الصراع أو ضبطه هي الأخرى أزمة الوجود الإنساني على مدى الدهور، وخاصة في الوقت الحاضر في ظل رعب الأسلة النووية والكيماوية والجرثومية، وذلك حظيت الدراسات الخاصة بالصراعات الدولية بإهتمام كبير وإن اختلف الباحثون حول الهدف والمناهج والنظريات.
ولا توجد حتى يومنا هذا نظرية متكاملة للصراع في مختلف فروع العلوم الإنسانية، إذ إن كل فرع منها يبحث في جانب من جوانب الصراع، ويسهم بقدر كبير في فهم هذا الجانب أو ذلك وتقييمه وفقاً لمعايير محددة وطريق بحث خاصة ويمكن كذلك القول- بصفة عامة – إن مفهوم الأزمة يختلف عن مفهوم الصراع مثلما يختلف مفهوم الأزمة عن مفهوم التنافس- فقد يقوم التنافس بين طرفين للحصول على موارد معينة ولكن دون أن يعمل أحدهما على منع الطرف الاخر من تحقيق أهدافه، إما لعدم إدراكه لهذا التنافس، أو لعدم مقدرته على تصرفات منافسه.
ولا يتحول التنافس إلى مرحلة الأزمة إلا عندما يتجه أحد الأطراف إلى تقوية مركزه ومنع ا لأطراف الأخرى من ذلك، أي إخراجها من نطاق المنافسة.
كما يختلف مفهوم الأزمة الدولية عن مفهوم التوتر الذي يتضمنه الشعور بالعداء أو الخوف أو التشكك، إذ أن التوتر حالة نفسية تنتج عن إدراك لاختلاف المصالح بين طرفي أو أكثر، أما الأزمة الدولية فتتجاوز ذلك لتأخذ شكل معارضة صريحة وفعلية. وبعبارة أخرى فإن التوتر يسبق الأزمة ويظل دائماً مصاحباً لها، وعادة ما يبقي محصوراً في نطاق الإدراك والوجدان، ولكن ليس بالضرورة انعكاساً لأزمة أو مؤدياً إليها لأنه لا يتعارض دائماً مع التعاون، فمثلاً قد تمر العلاقات داخل تحالف معين بحالة من التوتر لإختلاف وجهات النظر بين أعضائه، ولكن هذا التوتر قد لا يتبلور حتماً في صورة أ زمة. وإذا ما بلغ التوتر درجة من الحدة، فقد يكون عاملاً من عوامل حدوث الأزمة حيث إنه يؤثر على عملية اتخإذ القرار.
كذلك يجب التمييز بين مفهوم الأزمة ومفهوم النزاع، فلفظ نزاع هو لفظ تقليدي ارتبط بمفهوم قانوني يتعلق بحقوق والتزامات الدول. أما مفهوم الأزمة فهو أوسع نطاقاً لأنه يتعلق بقوة أحد أطراف الأزمة وقدرته على فرض رأيه بصرف النظر عن التكييف القانوني لموضوع الخلاف، فالفارق بين النزاع والأزمة هو الفارق نفسه بين الحق والقوة.
صناعة الأزمة
بقراءة عامة لأسباب الأزمات الدولية نجد أن من أسوأ السيناريوهات المطروحة و التي لا يتمنيى المجتمع الدولي حدوثها هو سيناريو لجوء دولة ما للتهديد باستخدام القوة أو إصدار بيانات باحتمالاللجوء إليها ضد دولة أخرى لحل مشاكل عالقة بينهما، مما يؤدي غلى خلق أزمة دولية، خاصة إذا واكب ذلك جوء الدولة البادئة بالأزمة إلى أساليب تصعيدية كحشد القوات المسلحة على الحدود أو إجراء مناورات عسكرية أو إعلان حالة الطوارئ أو حدوث إشتباكات عفوية أو محددة قد تشعل حرباً لا يدرك أي من الطرفين مدى أبعادها.
وحينما تلجأ هذه الدولة أو مثيلاتها إلى هذا الأسلوب العدواني، فإنها تتوخي الحصول على نتائج سريعة وتحقيق مكاسب تعجز الوسائل الدبلوماسية عن تحقيقها، مما يدفعها إلى تخويف الطرف الآخر وإرغامة على تقديم تنازلات لم يكن يرغب فيها.
وقد يعمد ا لطرف المسبب للأزمة وهو في سبيله إلى تحقيق مآوبه إلى نقض الإنتفاقيات ومعاهدات عدم اعتداء مع دول يخشي أن تساند الدولة التي بيت النية لإشعال فتيل الأزمة معها كي يستفرد بضحيته فلا تجد من يساندها. أما الدولة الضحية فإنها غالباً ما تلجأ إلى أسلوب التهدئة وإستصراخ دول العالم لمساندتها، خاصة تلك الدول القوية المرتبطة معها باتفاقيات أو مصالح مشتركة، أو أنها قد تلجأ في مرحلة من مراحل اليأس إلى تقديم بعض التنازلات لعلها تدفع بذلك ضرراً واقعاً لا محالة.
أما أسلوب صناعة الأزمات فهو يبدأ في التبلور حينما تسعي دولة متنمرة سعياً حثيثاً لصناعة أزمة، وذلك حينما يسيل لعابها طمعاً في استعمار غيرها وإغتصاب ما لديها من ثروات أو خيرات أو مواقع استراتيجية متميزة، فتسعي إلى اختلاق أزمة للإيقاع بها في شراك تكون هيأتها في وقت سابق. وعادة ما تقوم بالتمهيد للأزمة عن طريق إطلاق سيل من الإشاعات والأكإذيب ال موجة للدولة الأخرى أو قادتها وتشويه المواقف وتفسير الحقائق التاريخية والسياسية تفسيراً يخدم أغراضها ويزعزع ثقتها بنفسها، ثم تنتقل في صناعتها للأزمة بعد ذلك إلى مراحلة جديدة هي مرحلة تكثيق الضغط علي صانع القرار في الدولة الخصم وتأليب دول أخرى ضده ومحالة التضييق عليه لكسب دولة مؤيدة لصانع الأزمة ولتتسع الجبهة التي يواجهها خصمه، فيتكاثر أعداؤه ويحار في أمره وتضعف قدرته على المقاومة، وهو ما يحاول " شارون" أن يفعله مع "عرفات" الآن.
ثم يلجأ صانع الأزمة بعد ذلك إلى أسلوب التخفيف من حدة الضغط ليعود بين الأمل واليأس والترقب والإحباط، أو يدفعه ذلك الأسلوب إلى ا تخإذ قرارات طائشة غير مدروسة تجعل منه هدفاً لمنافسيه السياسيين في الداخل.
وأخيراً يقوم صانع الأزمة بجر عدوه إلى فخ كان قد أحكم نصبه فيفتعل حادثاً يتم التوقيت له توقيتاً مناسباً لا يجد ذلك العدو المستهدف فراراً منه إلا بالرضوخ لإبتزاز صانع أزمته أو الدخول معه في مواجهة غير مضمونة النتائج.
وبعد أن يتمكن صانع الأزمة من الحصول على مكاسب أولية كإحتلال بعض أراضي الخصم أو سلب بعض الأمتيازات منه يقوم مرة أخرى بتهدئة الأوضاع وتخفيف حدة التوتر وربما الإستجابة لبعض المطالب الهامشية لشعب الدولة الخصم وذلك لإمتصاص النقمة ولتجاوز شعوره بالخسارة والإهانة ولفرض أمر واقع على الأطراف الخارجية، وبعد ذلك يقوم بتنفيذ المرحلة الأخيرة من مخططاته وهي مرحلة امتصاص ثروات الدولة الضحية، أو دمجها كلياً أو جزئياً في كيانه إذا وسعه الأمر ذلك.
وهذا الأسلوب الجائر هو أسلوب قادة إسرائيل المدروس في صناعة الأزمات مع العرب الذين استعاروه من هتلر والذي قلد فيه طغاة التاريخ وبغاته، فقد عمد هتلر في عام 1939م إلى تصوير غزوه لبولندا على أنه حالة دفاع عن النفس، بينما كانت في ح قيقة الأمر تحاول اتقاء شره. ولكن هتلر مضي في خطوات صناعته للأزمة مع بولندا إلى أن وصل إلى مرحلة الحادث المفتعل الذي سبق ذكره آنفاً، فأخذت قواته في الليلة السابقة لغزوة 12 سجيناً بولندياً من معسكر إعتقال ألماني وألبستهم ملابس عسكرية بولندية ثم ألقت بجثثهم على مقربة من الحدود البولندية حتى يتم تصوير الأمر وكأنه محاولة عسكرية بولندية لإختراق الحدود الألمانية، ولكن تم إحباطها بواسطة القوات الألمانية.
ثم قامت قوات ألمانية خاصة ترتدي الزي العسكري البولندي بمهاجمة إذاعة ألمانية كانت تبث برامجها من مكان قريب من الحدود البولندية، فقتلت الحراس الألمان الذي كانوا يحرسون الإذاعة ولن تذر منهم إلا حارساً واحداً مثخناً بجراحه ليروي لوكالات الأنباء العالمية والمحلية كيف قتلت القوات البولندية زملاءه، ولم تكن تلك القوات في حقيقة الأمر إلا قوات ألمانية ترتدي ملابس عسكرية بولندية هاجمت الإذاعة وتركت في موقع الحادث أسيراً بولندياً تم إصطحابه من المعتقل إلى موقع الحادث ليذيع بياناً يعلن فيه بداية غزو بولندا للحدود الألمانية ثم يقتل بعد ذلك. وكانت تلك الحادث المفتعلة التي وقعت ليلة 1/9/1939م هي مبرر هتلر للهجوم على بولندا، والتي جرت وراءها الحرب العالمية الثانية (5).
إن مفهوم صناعة الأزمة الذي تجيده بعض الدول لتحقيق توسع عسكري أو الحصول على منافع أخرى يشبه مفهوماً آخر هو الإدارة بالأزمات، وهو أسلوب يلجأ إليه بعض ساسة الدول للهروب إما من أزماتهم الشخصية أو من أزمات دولهم عن طريق إشعال فتيل أزمات أخرى للآخرين... فما هو مفهوم الإدارة بالأزمات؟
صناعة الأزمات والإدارة بالأزمات
قد يكون مفهوم الإدارة بالأزمات غريباً لكن بعض الدول تلجأ إليه لحل أزماتها المستفحلة. وقد يثار تساؤل هو كيف يمكن لدولة أن تحل أزمتها بإشعال أزمة أخرى ..؟ إذ العكس هو المتوقع حدوثه، فالكل يسعي للحد من تصاعد الأزمة وتفاقمها واللجوء إلى كافة التدابير و الخطوات الدبلوماسية وممارسة الضغوط التي من شأنها إجبار الخصم على القبول بالحلول المطروحة.
والواقع أن بعض الدول تلجأ لافتعال أزمة لحل أزمة أخرى وذلك حينما تشعر أنها بحاجة إلى تعزيز وضعها الداخلي أو إشغال الرأي العالم المحلي ومحاولة صرف أنظاره وإبعاده عن التفكير في أزمة الحقيقة، وهذا ما فعلته حكومة صدام حسين في العراق بعدما ضاقت بها السبل بسبب محاولتها التملص من تطبيق قرارات الأمم المتحدة بعد غزو الكويت مما جعلها في أزمة دائمة مع الأمم المتحدة، فحاولت اختلاق أزمة جديدة مع المفتشين الأمريكيين العاملين ضمن فريق التفتيش الدولي لصرف الأنظار عن الأزمة الحقيقية من ناحية ولحمل الشعب العراقي على كره عدو بديل ( أمريكا) بعيداً عن عدوه الحقيقي ( نظام حكمه) من نحاية أخرى.
وقد تلجأ بعض الدول الأخرى – في سعيها لتحقيق مصالحها القومية – إلى إفتعال أزمة والتخطيط لها ومحاولة تصعيدها، خاصة عند شعور تلك الدولة بالغبن أو محاولة فرض أمر واقع عليها مثل احتلال أراضيها بالقوة، وأقرب مثال على ذلك الخيار الذي طرح على الرئيس المصري الراحل " أنور السادات" عقب حرب 1967 وقبل حرب 1973 حيث إقترح عليه القيام بحرب عسكرية محدودة لا تهدف إلى إستعادة الأراضي ولكن لمجرد تحريك الأمور بحيث تثير الرأي العام العالمي بدرجة تجبره على القيام بجهد جديد وفعال لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط (6).
ولكي ينجح أسلوب الإدارة بالأزمات فلابد من توافر شروط مهمة وضرورية أهمها:
1- وجود تفاوت كبير في ميزان القوى لصالح مدبر الأزمة حتى يتم إجبار الطرف الآخر على التسليم تجنباً لصراع يعرف هذا الطرف أنه ليس في صالحه، وهذا أمر شائع تحاول الدول العظمي فرضه على الدول الصغري ليقينها أنه لا مفر أمامها في النهاية إلا الإذعان والقبول بمعظم الشروط إن لم يكن كافتها.
2- إقتناع الطرف الأضعف في الأزمة اقتناعاً تاماً بأن الطرف الأول سيكبده خسائر فادحة- حالة تنفيذه لتهديده وعدم إذعانه لشروطه، إلا أن الأمور قد تنقلب رأساً على عقب فتنتكس الأحوال إذا أكتشف الطرف الآخر في الأزمة أن غريمه ليس جاداً في تهديده، أو ليست لديه القوة الكافية لتنفيذ هذا التهديد وهذا ما حدث في يونية 1967م حينما تأكدت لإسرائيل أن الحشود المصرية في سيناء لم تكن سوى تهديد فقط وأن عبدالناصر لم يكن يعتزم الدخول في حرب معها فبادرت بشن الحرب، وهو الأمر الذي أكده فيما بعد مناحم بيغين رئيس الورزاء الإسرائيلي الأسبق بنفسه حينما قال في أحد تصريحاته: يجب علينا أن تكون أمناء مع أنفسنا وأن نعترف بأن الحشود المصرية في سيناء عام 1967 لم تكن دليلاً على أن عبد الناصر كان يرغب حقيقة في غزونا، ولكن نحن الذين قررنا القيام بهجوم ضده وأننا كنا نعرف يقيناً أن حشد القوات في سيناء ليس إلا عملاً استعراضياً" (7).
خلاصة القول إن الإدارة بالأزمات وإن كانت فعلاً متعمداً من أحد اطراف الأزمة بهدف تغيير مسار الأزمة الحقيقية إلا أن ذلك لا يعني نجاحه ، إذ قد تنحو مسارات الأزمة وتطوراتها منحي آخر عكس ما هو مخطط ومرتب لها، وقد تفلت كل الأمور من يد صانع القرار وتنقلب عليه وتكون ذريعة يستغلها الطرف الآخر في الأزمة، ومن ذلك مسلسل الأزمات التي افتعلها "هتلر" في الثلاثينيات مما أقنع بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي بنوايا النازية الحقيقية فشكلت تكتلاً في قوة واحدة ضد " هتلر" وكانت أحد الأسباب الرئيسية في هزيمته في هذه الحرب.
بداية دراسة ظاهرة الأزمات الدولية
بدأت دراسة ظاهرة الأزمات الدولية دراسة جدية في عصرنا الحديث مع نهاية أزمة الحرب العالمية الأولى التي انطلقت شرارتها الأولى في البوسنة عام (1908-1909) وكانت تلك الحرب قد بدأت عندما خشيت امبراطورية النمسا والمجر وقتئذ من تنامي مطالب القوميات الراقدة تحت عباءتها بالاستقلال، مما شكل في نظرها تهديداً خطراً لكيانها وتماسكها، فحرصت على عدم التهاون والوقوف بصلابة شديدة أمام مطالب الصرب خاصة بعد أن تعهدت ألمانيا للنمسا والمجر بمساندتهما إذا ما تدخلت روسيا لصالح الصرب، ومن نحاية أخرى فقد أبدت فرنسا وإنجلترا مخاوفهما من تنامي قوة الأسطول الألماني إلى الحد الذي يمكنه من تهديد سيادة بريطانيا على البحار. ثم جاء مصرع ولي عهد النمسا في مدينة " سراييفو" ليمثل الشرارة التي دفعت بهذه الأزمات جميعاً إلى التلاحم محدثة انهيار النظام الدولي الذي كان قائماً في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، وهو الوضع الذي يطلق عليه مصطلح تداعي الأزمات. وكانت تلك هي بداية اكبر أزمة آنذاك وهي أزمة ما قبل اندلاع تلك الحرب عام 1914 بين ألمانيا والنمسا والمجر والامبراطورية العثمانية من جهة، وإنجلترا وفرنسا وروسيا وبلجيكا وصربيا والجبل الأسوط واليابان من جهة أخرى.
واستمرت وقائع الحرب إلى أن قامت ألمانيا بإحتلال بلجيكا ثم تقدمت نحو باريس، واستمرت حرب خنادق بعد ذلك إلى عام 1916، ومن ناحية أخرى هاجم الالمان الروس وهزموهم في معركتي " تاننبرج" و"بحيرات مازور" وفي عام 1915م تحالفت بلغاريا مع ألمانيا وتحالفت إيطاليا مع الحلفاء ثم انضمت إليهم البرتغال ورومانيا في عام 1916، كما حارب اليونانيون إلى جانب الحلفاء ضد الالمان في معركة "سالونيكا" وكان ا لالمان قد أغرقوا سفينة أمريكية عام 1915م، فأعلنت أمريكا الحرب على ألمانيا عام 1917م ودخلت قواتها فرنسا ولكنها لم تشترك في القتال إلا في عام 1918 في معركة " شاتو تيري" وفي ا لسنة نفسها التي أعلنت فيها أمريكا الحرب على ألمانيا قامت ثورة عربية ضد تركيا حليفة ألمانيا عام 1916م فسقطت بغداد وبيت المقدس، وفي تاريخ 11/11/1918م اعلنت كل من تركيا والنمسا والمجر وبلغاريا الإستسلام وقامت ثورة في ألمانيا فوقعت هدنة في " كومبين" ثم تلت تلك الهدنة عدة معاهدات مثل معاهدة " فيرساي" و"سانت جرمين" و" تريانو" وغيرها بعد فقدان أكثر من عشر ملايين قتيل و20 مليون جريح، وكذلك بعد تغيير حدود بلدان كثيرة في أوروبا وآسيا، فأنشئت عصبة الأمم حتى لا تتكرر تلك الحروب والكوارث والأزمات الدولية، ثم بدأت البحث في ظاهرة الأزمات " الدولية" والاهتمام بها بصورة واضحة، وذلك لتفادي الأهوال التي أسفرت عنا هذه الحرب. وحاول الباحثون البحث عن أسباب الصراع الدولي بغية إستئصالها حتى لا تتكرر مرة أخرى. وبدأ التفكير جدياً في ما يسمي بالسلام العالمي ووضع نظام أو دستور تلتزم به الدول في سلوكياتها وعلاقتها في ما بينهما على نحو يكبح جماح التطلعات غير المشروعة والسلوك غير المسئول الذي قد ينجم عنه حدوث صدامات مسلحة.
ولكن تلك الدراسات والمحاولات من ناحية وإنشاء عصبة الأمم بعد الحرب من ناحية أخرى لم تؤدي إلى نتائج ملموسة في تحقيق السلام ، بل إن تلك الجهود أصيبت بإنتكاسة أخرى حينما بدأت تظهر ملامح أزمة عالمية جديدة باتت تلوح نذرها في الأفق، وكانت تلك بداية الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت المانيا في تحقيق أطماعها التوسيعة مرة أخرى منذ عام 1938م، وإجتاحت جيوش هتلر " تشيكوسلوفاكيا" وأعلن هتلر قيام تحالف نازي سوفيتي تقوم بموجبه الدولتان بتقسيم بولندا بين روسيا وألمانيا، فأعلنت بريطانيا وفرنسا بعد إحتلال النازيين لبولندا الحرب على ألمانيا، فما كان إلا أن تقدمت الجيوش الألمانية نحو أوروبا في 10/6/1940م، ووقع هجوم ألماني كاسح على فرنسا لم يستمر سوى أسبوع واحد إنهزمت بعده فرنسا ووقعت اتفاقية هدنة مع ألمانيا. وقد أديى ذلك إلى اختلال ميزان القوى وأصبح الخطر الألماني يهدد انجلترا ويلوح من بعيد ليجتاح روسيا بعد ذلك.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الهادي نجد صورة أخرى حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على جزر الهاواي والفلبين وعلى بعض دول أمريكا اللاتينية بينما كان الهولنديون يسيطرون على منطقة جزر الهند الشرقية التي تعرف اليوم بأندونيسيا ، وكان الفرنسيون يسيطرون على الهند الصينية التي تعرف اليوم بكمبوديا الديموقراطية وفيتنام ولاوس ، وفي حين أن البريطانيين كانت لهم السيطرة على الهند وبورما وهونج كونج وماليزيا إلى جانب سيطرتهم مع الفرنسيين على أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى فقد غمرت اليابانيين في تلك الفترة نزعة توسعية تهدف إلى القضاء على الرجل الأبيض في آسيا، بينما كانت روسيا ضعيفة آنذاك، ليست لديها أطماع سياسية أو توسعية، فوجد اليابانيون فرصتهم بعد هزيمة فرنسا أمام الألمان وانشغال بريطانيا في الحرب ضد " هتلر" فاتجهوا إلى جنوب شرقي آسيا ولكنهم لم يفلحوا في حربهم مع الصين فلجأوا إلى خيارات أخرى في الهند الصينية وشنوا هجمات على سنغافورة والفلبين وأندونسيا، كما وقعوا معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي الذي كانت يستعد لصد الهجوم النازي في صيف 1940م، كما لجأ اليابانيون إلى توقيع ميثاق دفاع ثلاثي بينهم وبين الألمان والأيطاليين يلتزمون فيه بمساندة بعضهم إذا ما تعرض أحدهم لهجوم خارجي.
وفي أبريل 1941م، غزت جيوش " هتلر" روسيا ووصلت القوات الألمانية إلى أبواب موسكو مما دفع ا لولايات المتحدة الأمريكية إلى التحرك بعد أن كانت إلى أبواب موسكو مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحرك بعد أن كانت إلى تلك الفترة بعيدة بعض الشئ عن الدخول في مواجهات مباشرة مع ألمانيا أو اليابان، فقامت باحتلال أيسلندا وهو الأمر الذي مكن القوات البريطانية من التفرغ لمواجهة الألمان في الشرق الأوسط. وهكذا دخلت أمريكا الحرب بعد أن أنهكت تلك الحرب بريطانيا وروسيا اللتان دفعتها ثمناً باهظاً نتيجة صمودهما أمام " هتلر" ويكفي أن نذكر هنا أن روسيا فقدت عشرين مليون رجل من جنودها وما يقرب من نصف طاقتها الانتاجية.
وقد أصرت الولايات المتحدة من ناحية أخرى على إنسحاب اليابانيين من الصين، ولكنهم تجاهلوا التحذير الأمريكي فقامت أمريكا بتجميد لاأرصدة اليابانية في بنوكها مما أدى إلى حصار اليابان إقتصادياً وشل قدرتها على شراء البترول أو السلع الضرورية. ولم تجد اليابان للخروج من هذا المأزق إلا خيارين هما: إما عقد اتفاقية مع أمريكا مقابل الإنسحاب من الهند الصينية أو الدخول في حرب مع أمريكا.
وقد أختار اليابانيون في بداية الأمر التوصل لحل وسط مع الأمريكيين ولكنهم فشلوا في مسعاهم، فلم يجدوا منفذاً لهم إلا الحرب حيث هاجموا " بيرل هاريير" في 7/12/1941م، وكذلك شنوا هجوماً على الفلبين وماليزيا وتايلاند وأندونسيا في 8/12/1941م، فأعلنت أمريكا وبريطانيا الحرب على اليابان.
وفي غمرة إنهماك الدولتين في القتال مع اليابانيين أعلن " هتلر" في تاريخ 11/12/1941م الحرب رسمياً على الولايات المتحدة التي رمت بثقلها لمواجهة الألمان واليابانيين في آن واحد، وإستخدمت أمريكا لأول مرة في تاريخ العالم السلاح النووي ضد اليابان رداً على هجمومها على " بيرل هاربر" وأسدلت بذلك الستار على الحرب العالمية الثانية (8).
وما يهمنا من هذا العرض التاريخي الموجز لأحداث الحرب العالمية الثانية هو أن دول العالم عادت إلى الإقتناع مرة أخرى بأن هذه الفوضي العالمية التي ما إن تخرج العالم من أزمة حتى تولجه في أزمة أخرى ستؤدي في النهاية إلى فناء البشرية إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه، وإذا ما استمر تكديس الأسلحة وتطويرها، وخاصة أسلحة الدمار الشامل، فاجتمعت كي تضع حداً لتلك الأزمات وتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة لتخلف عصبة الأمم التي لم تكن قادرة على درء الحروب، وازدهرت الدراسات التي تركز على ظاهرة الأزمات الدولية ومسبباتها وسبل الحد منها أو جعلها في أضيق الحدود (9).
وشهدت هذه الفترة وما بعدها اختفاء ما كان يسمي بظاهرة تداعي الأزمات بمعني أن حدوث أزمة في إحدى دول منطقة دولية معينة يستتبعه حدوث أزمات أخرى في باقي دول المنطقة. ويعود السبب الرئيسي في اختفاء هذه الظاهرة في تلك الفترة وما بعدها إلى ظهور الرادع النووي الذي تم استخدامه خل الحرب العالمية الثانية لأول مرة مما حدا بجميع الأطراف الدولية إلى التفكير جدياً قبل الإقدام على أية مغامرة غير محسوبة، ليقينهم التام بفداحة ثمن مثل هذا التصرف الذي لا يقل عن الدمار المحقق. وبناء على هذا فإن أبرز ما يميز سمات الأزمات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية أنها أزمات مدروسة ومحسوبة العواقب سواء في تصعيدها أو في إدارتها، كما أصبحت حرية الأطراف في تصعيدها على المستوى العالمية أو الإقليمي غير مطلقة.
وجاء عام 1962م لتبرز معه بوادر أزمة دولية جديدة وهي أزمة الصواريخ الكوبية" التي ترجع جذورها إلى تدخل الأتحاد السوفييتي في كوبا عام 1961م ومساعدتها إقتصادياً وعسكرياً وذلك لإضعاف سياسات الأحتواء وتدابيير الحظر الاقتصادي التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد كوبا، وشاركتها في ذلك الدول الحليفة للولايات المتحدة مستهدفة إسقاط نظام " فيديل كاسترو" وبالتالي تصفية قاعدة تصدير الشيوعية في منطقة أمريكا اللاتينية.
وقد أشتملت المساعدات العسكرية السوفيتية لكوبا على إقامة قواعد لإطلاق الصواريخ داخل الأراضي الكوبية وإرسال مجموعة من الفنيين العسكريين السوفييت الذين انيطت بهم مهمة تشغيل تلك القواعد. وقد أحدثت المبادر السوفييتية رد فعل عنيف تركيب قواعد للصواريخ النووية في كوبا من تهديد خطر ومباشر للأمن القومي الأمريكي.
وفي أغسطس عام 1962م – وكرد فعل على مضاعفة السوفييت لشحنات الاسلحة إلى كوبا- قامت الولايات المتحدة بتصعيد مواجهتها للسوفييت محددة خياراتها في ما يلي:-
1- القيام بهجوم مباشر ضد كوبا على أ، يسبقه هجوم جوي لتدمير قواعد الصواريخ وقإذفات القنابل السوفييتية .
2- الاكتفاء بتدمير هذه القواعد السوفييتية دون أ، يمتد الأمر إلى الهجوم الشامل.
3- فرض حصار بحري حول الشواطئ الكوبية والإستمرار في ذلك إلى أن يتخذ الرئيس السوفييتي آنذاك " خروتشوف" قراراً بسحب الصواريخ من كوبا.
وإنتهي الأمر بقبول الزعيم السوفييتي " خروتشوف" العرض الأمريكي بسحب الصواريخ السوفييتية من كوبا وترحيب أمريكا في المقابل بقبوله ذلك العرض، وهكذا تبددت إحتمالات المواجهة وزال شبح الرعب النووي ا لذي خيم على العام بأسره طوال تلك الفترة العصيبة التي استغرقتها الأزمة.
وبدأ معها موضوع دراسة اللأزمات الدولية بنحو نحواً علمياً منهجياً في جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية أكثر من أي وقت مضئ، فكانت هذه اللأزمة بمثابة بداية عصر دراسة الأزمات كعلم وفن، وذلك لما أبرزته من مفاهيم جديدة لم تكن واضحة من قبل ، حيث أكد نجاح حل هذه الأزمة على الأهمية الفائقة لدور الاتصالات في إدارة الأزمات وعلى ضرورة فتح قنوات للاتصال المباشر والفوري لحل الأزمات الدولية، وهو الأمر الذي قامت به كل من واشنطن وموسكو حين فتحتا خطأً ساخناً بين العاصمتين، وهو الخط الذي أثبت فاعليته فيما بعد في تجاوز أزمات عديدة ووقف تصعيد الموقف بينهما مثلما حدث أثناء أزمتي الشرق الأوسط في عامي 1967 – 1973.
وقد حظيت أزمة الصواريخ الكوبية هذه باهتمام بالغ لدى الباحثين في الأزمات الدولية باعتبارها النموذج الأمثل لإدارة الأزمات ، ونظروا إليها على أنها إشارة البدء لانطلاق الج=هد الأكاديمي نحو تأصيل مبادئ إدارة الأزمات، وبها تؤرخ تاريخ دخول هذه المصطلح إلى قاموس العلاقات الدولية حينما أطلق " روبرت ماكنمارا" وزير الدفاع الأمريكي في إدارة الرئيس الأسبق كندي جملته الشهيرة " لم يعد هناك بعد الآن – مجالاً للحديث عن الاستراتيجية وإنما عن إدارة الأزمات فقط.
وقد جاء تعقيب " ماكنمارا" هذا نتيجة لنجاح الجهود الدبلوماسية في إدارة هذه الأزمة ، وليؤكد على أهمية دور إدارة الأزمات في تجنب ويلاتها، وما كان يمكن للإخفاق في إدارة هذه الازمة أن يتسبب في دفع العالم إلى هاوية الدمار النووي.
حيث قدرت الخسائر البشرية المحتملة لحدوث هذه الكارثة ما بين (32-50% ) من تعداد سكان المعسكرين المتنازعين، ناهيك بالخسائر الأخرى.
كما تراوحت فرص النجاح في إدارة هذه الأزمة ما بين (27- 50%)، إلا أن النجاح في إدارتها أنقذ البشرية من ويلات نوييه كانت واقعة لا محالة ومن عواقب وخيمة كان يمكن أن تترتب على الفشل في التوصل لحل لها، مما يدل على حاجة كل دولة مهما كانت متخلفة إلى الوقوف على كل ما يتصل بإدارة الأزمات من القواعد والاستراتيجيات والحورات حتى تجنب نفسها وغيرها من الدول عواقب الطريق المسدودة.
إدارة الأزمة الدولية
لا يمكن تحديد مواصفات معينة أو إتباع منهج علمي شامل لتطبيقه على جميع الأزمات الدولية، فالأزمات الدولية تختلف باختلاف أسبابها أو تفاصيلها الخاصة بها إلا أن ذلك لا يمنع من وجود سمات مشتركة تشترك فيها الأزمات مع غيرها مما يؤدي إلى وجود تشابه في أساليب معالجتها.
ومن ناحية أخرى فإن ما يميز أزمات ما قبل انتهاء الحرب الباردة عن أزمات لفترة التي تلتها هو أن لأزمات تلك الفترة قواعد وأسساً وضوابط ألتزم بها القطبان الكبيران وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً، كما ألتزمت بها منظمة الدول التي تدور في فلكهما وكذلك دول عدم الانحياز ودول العالم الثالث.
أما فترة ما بعد الحرب الباردة والتي نعيش أيامها الآن فقد غيرت روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي سياستها وبالتالي أسلوبها في معالجة الأزمات وانشغلت في حل أزماتها الداخلية ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية خصمها اللدود بل الشريك في حل الأزمات العالمية وحتى الداخلية.
وفي ذلك السياق حدد الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف سياسة بلاده الجديدة حينما أصدر تعليماته للقيادة السوفيتية عام 1987م بتغيير إستراتيجيتها من مواجهة حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية إلى إستراتيجية الاكتفاء بقوة ع سكرية للدفاع عن الاتحاد السوفييتي.
إلا أن ذلك الانفراج في التوتر بين القطبين أدي من ناحية أخرى إلى بروز ظاهرة جديدة هي أحساس منظمة الدول التي كانت مرتبطة بالاتحاد السوفيتي وأخذت تلك الدول تشعر بحرية أكبر في اتخإذ قراراتها وتحديد أصدقائها وأعدائها ومصالحها الخاصة بعيداً عن القطب الذي كانت تسير في فلكه، مما أدى إلى وأد أزمات سابقة وإحياء أزمات ماضية.
وإذا كا ن الوضع الجديد ساهم في تخفيف حدة التوتر بين القطبين الكبيرين وابعد عنهما وعن العالم شبح حرب نووية لا تبقي ولا تذر إلا أن مخاوف جديدة بدأت تبرز على الساحة العالمية وتقلق صناع القرار في العالم وتنذر بحدوث أزمات لا يمكن السيطرة عليها، ومن ابرز تلك المخاوف ا لخوف من امتلاك دول عديدة لأسلحة الدمار الشامل وهو الخوف الذي دفع الدول الكبرى إلى الحث على توقيع اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
وبدأت الدراسات المتعلقة بإدارة الأزمات تولي موضوع أسلحة الدمار الشامل والأزمات الدولية المتعلقة بها اهتماما بالغاً خاصة وان الهدف المرجو من توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لم يتحقق وان الجهود المبذولة لمنع الحكومات من امتلاك الخبرة الكافية لإنتاج مثل هذا السلام الفتاك لم ت حقق شيئاً، بل أخفقت حتى الآن في منع دول من السعي للحصول عليه أن لم يكن امتلاكه فعلاً، ويرى أولئك الباحثون ذلك واضحاً في محاولات بعض الدول مثل كوريا الشمالية والعراق ناهيك بدول أخرى ممتنعة عن التوقيع على تلك المعاهدة كإسرائيل وغيرها.
وكان الجنرال " جيمس كلاير" مدير الاستخبارات في وزارة الدفاع الأمريكية قد توقع ان نهاية القرن العشرين يمكن ان تشهد امتلاك بلدان عديدة قدرات على تجهيز رؤوس القذائف الكيماوية او الجرثومية أو النووية، وتعتقد وزارة الدفاع الأمريكية أن بعض الدول لديها القدرة على تصميم رؤوس نووية تفجر تلقائياً فتحدث أضراراً هائلة، وقد زاد خوف الباحثين من وقوع هجمات إرهابية تستعمل فيها أسلحة الدمار الشامل إذ أنه أصبح من السهل على الأسلحة الكيماوية والجرثومية والنووية أن تنفذ عبرة حدود أية دولة إذا ما أحسن إخفاؤها كما أن حدوث عمليات إرهابية مثل محاولة نسف المركز التجاري العالمي الأولى في نيويورك، وإطلاق الغز الخانق في نفق قطارات طوكيو يشير إلى أن الجماعات المتظرفة تستخدم أسلحة غير تقليدية أفدح خسارة واشد فتكاً.
ومن دواعي قلق مراكز إدارة الأزمات أن تحصل جماعة إرهابية على مادة مشعة لا لصنع قنبلة نووية وإنما لتركيب قنبلة تقليدية قذرة تلوث منطقة واسعة في حالة تفجيرها، خاصة وان إعداد قنبلة كهذه لا يحتاج إلى تفجير نووي، بل إلى انتشار المواد النووية، وفي تقدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن نحو عشرين دولة تحاول تطوير أسلحة كيماوية أو جرثومية في الوقت الحاضر، ولقد اتفق معظم الخبراء على أن بعض الدول أصبحت تمتلك القدرة النووية مثلها مثل باكستان والهند (10) وكذلك إسرائيل المستمرة في خرق الحظر النووي والتي أنتجت سراً ما يقدر بالمئات من القنابل النووية، ومثل العراق الذي كان على بعد سنوات من امتلاك السلاح النووي حين دمرته عاصفة الصحراء، ولا يعتقد سوى قلائل أن صدام حسين قد تخلي عن طموحاته النووية، ومثل كوريا الشمالية التي ربما تكون قد صنعت قنبلة أو اثنتين، وكذلك حال بعض بلدان أخرى مثل تايوان وكوريا الجنوبية.
ومن جانب أخر فإن الباحثين يركزون في دراساتهم على الجهود الوقائية لمنع إنتشار تلك الأسلحة الفتاكة ويعكفون على سبل منع الدول من تطوير تلك الأسلحة الصعب إدارة أزمات هذا الوضع الا بتقديم تضحيات بشرية يكون الخاسر فيها أطرافا دولية عديدة، ويتضح من دراسة قامت بها مؤسسة راند للأبحاث مدى صعوبة الحد من انتشار هذه الأسلحة إذ أنه لا يمكن تصور قيام الدول الكبرى بمواجهة الترسانات النووية الصغيرة الناشئة عن طريق شن هجوم على المنشأة النووية التابعة لها لأن ذلك يعتبر عملاً استفزازيا وأنه سيؤدي إلى نتيجة سلبية، كما أن العواقب السياسية والتدميرية بدءا من أثارة الرأي العام إلى احتمالات انتشار الغبار الذري المتساقط على بلدان الحلفاء يعتبران من أهم المخاطر الداعية إلى رفض فكرة الهجوم المفاجئ لردع دولة ما والحيلولة بينها وبين استخدام قدراتها النووية، ويشير بعض المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة أثناء حرب الخليج أرسلت معظم معداتها العسكرية إلى هناك إلا أنهم يعقبون على ذلك بقولهم لو أن صدام حسين كان يملك ثلاث قنابل نووية لاستطاع تدمير قدراتنا الحربية تماماً، وتعرض مؤسسة راند في دراسة لها في هذا المجال بدائل تتفاوت بين إستراتيجية معتدلة دفاعية تقوم في معظمها على أساس الخطط والبرامج المعمول بها حالياً وبين وضعية هجومية مضادة للانتشار النووي وتشمل عدد كبيراً من القوة الضاربة ووسائل الدفاع الصاروخية، وما يزيد الأمر صعوبة في نظر الباحثين هو السهولة النسبية في الحصول على التكنولوجيا النووية ا لمهمة في إنتاج السلاح النووي ووجود معدات متقدمة تستخدم لحفر الأنفاق مثل الحفارات الضخمة التي استعملت في شق القناة تحت بحر الشمال وتخبئتها في الأعماق بحيث يصعب تدميرها دون استخدام أسلحة مدمرة فتاكة ومتطورة وهذا كله يعني أن إجراءات منع انتشار السلاح النووي ليست مضمونة النتائج ولا يتبقي سوى أمل واحد من وجهة نظرهم وهو أن تنجح خشبة الردع ضد الدول النووية الجديدة مثلما نجحت أثناء الحرب الباردة، ولكن أحد الخبراء في الحكومة الأمريكية يشير إلى أن بلاده تعرف عن كوريا الشمالية وإيران وغيرها اقل مما كانت تعرفه عن الاتحاد السوفيتي وإنها تجد صعوبة في الوصول إلى أسرار هذه البلدان النووية (11).
ويخلص الباحثون إلى أن المخاطر التي ينطوى عليها الانتشار النووي في عالم ما بعد الحرب الباردة دفعت أعداد متزايدة من المتشددين والمعتدلين في العالم
إلى المطالبة بنزع السلاح النووي، إلا أن الصعوبة تكمن في كيفية القيام بذلك.
وإذ كان الرعب النووي واستخدام أسلحة الدفاع الشامل التي جئنا على ذكرها يشكل حيزا كبيراً من تفكير مراكز إدارة الأزمات الدولية في العالم فإن لدول العالم مشاكلها وأزماتها الأخرى التي ت عمل على التصدي لها ولإدارتها ويحاول صناع القرار إيجاد مخارج لها ويعكف الباحثون في مراكز إدارة الأزمات في تلك الدول على متابعتها رغم أنها أقل خطورة من أسلحة الدمار الشامل إلا أنها أكثر حدوثاً ونقصد بذلك النزاعات والصراعات التي تؤدي في النهاية إلى إنها أكثر حدوثاً، ونقصد بذلك النزاعات والصراعات التي تؤدي في النهاية إلى حدوث أزمات دولية وعادة ما يتدرجون في تخطيطهم لمواجهة الأزمات الدولية متبعين ثلاثة بدائل مهمة سنتطرق إليها في الصفحات التالية التي تحمل عنوان أسليب إدارة الأزمات الدولية.
أساليب إدارة الأزمات الدولية:
تعتمد الدول في إدارة أزماتها على أساليب عدة بغية الوصول إلى مخرج لحل أي أزمة تواجهها، ومن أهم تلك الأساليب أسلوب التساوم التوفيقي وأداته هي الدبلوماسية فإذا ما احتاج الأمر إلى وسيلة أخرى اشد تأثيراً، فإن ا لدول القادرة تلجأ إلى أسلوب التساوم الإكراهي ووسيلته هي دبلوماسية القوة، وإذا ما فشلت في ذلك فليس هناك من بديل آخر سوى التنازل أياً كان حجمه أو المواجهة العسكرية وهو الخيار الصعب الذي لا تتمناه أية دولة حتى وأن كانت النتيجة هي النصر، لآن ذلك سيكون معناه بالنسبة للدولة كلفة اقتصادية وبشرية، كما أنه يجعل الدولة في وضع قتالي مستمر مما يجرها إلى استنفار جميع طاقاتها على حساب ممارسة دورها الاعتيادي محلياً ودولياً.
لذلك فإن الدول الواعية تبادر إلى اللجوء إلى الإقناع أو الإكراه بعيدا عن القوة العسكرية تاركة هذا الخيار الصعب في مؤخرة البدائل المطروحة، وسوف نتحدث عن الأساليب الثلاثة المهمة التي عادة ما تحاول الدول حل أزماتها الدولية بواسطتها هي:
a. أسلوب التساًوم التوفيقي (الدبلوماسية)
b. أسلوب التساوم الإكراهي ( دبلوماسية القوة)
c. أسلوب الحل العسكري.
1- أسلوب لتساوم التوفيقي (الدبلوماسية):
هو مجموعة التحركات ( التصريحات أو الأفعال ) التي تسعى إلى التوفيق ما بين مصالح أطراف الأزمة من خلال الحل الوسط أو التنازلات المتبادلة بهدف الوصول إلى معالجة سلمية وتسوية مرضية لجميع الأطراف وبما لا يلحق أضرارا جوهرية بمصالح أي طرف، وعادة ما يعزز كل من أطراف الأزمة مصداقيته ورغبته في إتباع هذا النموذج عن طريق التصريح بذلك أو إتباع خطوات فعلية تدل عليه ويستخدم هذا الأسلوب في الحالات الآتية:-
1- إذا ما حققت الدولة هدفها من الأزمة.
2- إذا ما شعرت إنها ستفشل في تحقيق أهدافها عن طريق تصعيد الأزمة.
3- إذا ما شعرت أن تكلفة التصعيد في الأزمة أكثر مما تتحمله إمكانيات الدولة.
4- إذا ما حدث تغيير في البيئة المحلية أو الدولية للازمة مما يجعل استمرار تصعيدها أمراً غير مرغوب فيه.
ويجب عند استخدام هذا النموذج البدء بتحركات توفيقية صغيرة كتقديم تنازلات صغيرة ومحدودة وغامضة بحيث تحقق تلك التنازلات التسوية المرجوة مع مراعاة الحد الأدنى من الخسارة للمصلحة القومية وفي حالة ما إذا لم يحقق التنازل المحدد هدف الوصول إلى التسوية أمكن تقديم تنازلات أخرى أكبر نسبياً دون إلحاق ضرر جوهرية بمصالح الدولة المتنازلة، إلا إنه في بعض الأحيان يعتبر القيام بتقديم تنازلات كبيره في بداية ألازمه كالتسليم مثلا بمطالب الجانب الأخر تهديدا لمصالح الدولة العليا مما يؤدي إلي حدوث أضرار وخسائر جوهريه ويبقي علي جذور الصراع دائما مشتعلة ويشجع علي تكرار مثل هذا النوع من الأزمات كما هو ملاحظ في اغلب عمليات الإرهاب الدولي بالرغم من انه قد يبدوا وكان إتباع هذا الأسلوب قد حقق تسويه سريعة وحاسمه للازمه وتعتبر الدبلوماسية من أهم أدوات هذه المرحلة كما هو واضح في الصفحات
التالية 000
لقد مر بنا إن الدبلوماسية هي أهم أداه من أدوات لتساوم التوفيقي.وهي لم تكن وليده هذا العصر وإنما 0
مع بداية عصر النهضة وقد تصورها تدارس رويتر في كتابه فن الدبلوماسية فقال بان الأصل في نشاه الدبلوماسية تقوم علي افتراض مؤداه إن قبيلتين اقتتلتا زمنا طويلا حتى أوشك الفناء إن يبيدها معا وفي هذه اللحظة الحرجة من تطور الانسانيه ينشط الذكاء العاطل وتتفتق القريحة الخاملة عن حلول عبقرية تحت ضغط الحاجة إلي تحقيق المعادلة الصعبة وهي تجنب الفناء وتجنب الهزيمة في إن واحد فاختارت احدي القبيلتين من بين أبنائها أكثرهم حكمه واربطهم جاشا وأوسعهم حيله وأوفدتهم إلي القبيلة
أخري في أول مهمة سلام عرفها الإنسان كان هذا الوفد يرتدي ملابس مزركشة زاهية الألوان وقد تجرد أعضاؤه من الاسلحه التي اعتادوا حمل ها وارتسمت علي وجوهم ابتسامات ودوده مسالمة فأحجم أفراد القبيلة الاخري عن الانقضاض عليهم وتهشيم رؤوسهم بهراواتهم الحجرية وأدركوا إن هؤلاء القادمين يختلفون عن غيرهم من المحاربين ليس بالزى والملامح فقط وإنما بالنوايا أيضا 0 وهكذا نجحت أول مهمة سلام في التاريخ 0
وما يعنينا في هذا المثال الذي ذكره تشارلس رويتر هو إن الجماعات الانسانيه قد اهتدت في وقت مبكر من تاريخها إلي أسلوب أخر غير أسلوب الصراع البدائي يمكنها من خلاله الاستمرار في تطورها 0
ولفظ الدبلوماسية إغريقي الأصل انتقل إلي ألاتينيه ومنها إلي اللغات الاوربيه الحية ثم إلي اللغة العربية وهو في أصله الإغريقي القديم يعني الوثيقة التي يبعث بها أصحاب السلطة وتعطي حاملها امتيازات معينه 0
وقد استعلمت كلمه دبلوماسيه خلال القرون الوسطي للدلالة علي دراسة الوثائق وترتيبها وحفظها وكانت أول دوله تمارسها هي ايطاليا ثم فرنسا في القرن الرابع عشر وكانت علي نطاق محدود جدا 0 أما في القرن الثامن عشر فقد اتسع نطاقها فظهرت الهيئة الدبلوماسية وعميد السلك الدبلوماسي وفي مؤتمر فبينا عام 1815 م تم الاتفاق علي إيجاد نظام تحديد الاسبقيه بين البعثات الدبلوماسية بما يتفق ومبدأ التساوي بين الدول (12)
ومع تطور الحياة وتغير الظروف الدولية وازدياد الصراعات ازداد الاهتمام بالدبلوماسية علي صعيد دول العالم كما ازدادت معها القضايا المدرجة بين مهامها وأعمالها سواء من حيث مداها أو تعقيدها فلم تعد مهامها قاصرة علي نقل الرسائل بين الحكومات وتوضيحها وجمع المعلومات وحماية مواطني الدولة في الخارج ورعاية مصالحها وتأكيد شرعيتها وإبراز دورها ومكانتها بين دول العالم أضافه إلي تدعيم العلاقات بين ممثلي الدولة المختلفة ولكنها أصبحت تضم خبراء يستعان بهم ويلعبون دورا مهما في القضايا الاقتصادية والتسلي حيه والامنيه والاعلاميه والزراعية والمؤتمرات الدولية 0
وعلي الرغم مما شهدنه الدبلوماسية من تطورات عديدة في وظائفها إلا إن مهمتها الرئيسية تتمثل في تنميه القدرات الخاصة علي مواجهه الأزمات من خلال التجربة الطويلة التي مرت بها قصه الصراع بين الجماعات الانسانيه المختلفة 0
والتاريخ حافل بنماذج لا حصر لها تبرهن علي قدره الانسان علي ابتداع الحلول الخلافة لمواقف الأزمات وذلك عندما تعجز القوه المادية عن دفع الخطر وعندما ينجح الفكر الانساني في تعويض هذا القصور كما إن هذه النماذج من ناحية أخري تثبت حقيقة تاريخيه هي إن أداره الأزمات كانت احدي أساليب أداره العلاقات الانسانيه علي مستوياتها المختلفة منذ فجر التاريخ وان القدرة علي النجاح فيها كانت امتيازا غريزيا خص الله سبحانه وتعالي البعض من البشر بيه دون البعض الأخر وأنها كانت الأسبق وجودا من محاولات الدراسات النظرية التي بدأت في مطلع الستينات تماما مثلما تعلم الإنسان السباحة قبل إن يكتشف قانون الطفو0
وتعد الدبلوماسية الاداه الرئيسية الفاعلة لحل الأزمات أما بقيه الآليات فهي في الحقيقة عوامل ضغط مصاحبه لمراحل استخدام الدبلوماسية ومساعده لإنجاحها وتأثرت الدبلوماسية كغيرها من العلوم والفنون الاخري بالتطورات السياسية والتكنولوجيا المعاصرة وانعكس تطور وسائل الاتصال والتوسع في العلاقات التجارية والثقافية والاعتماد المتبادل بين الشعوب علي الدبلوماسية وادي إلي تعدد مفاهيمها ومهامها وكذلك أساليبها فظهر معارف بدبلوماسيه القمة ودبلوماسيه المؤتمرات والدبلوماسية الشعبية 0
والهدف الرئيسي من الدبلوماسية مهما اختلف أشكالها هو الاتصال وتبادل وجهات النظر إلا انه ينبغي الاشاره إلي عنصر مهم وهو نجاح الدبلوماسية في مجال العلاقات الدولية والحفاظ علي المصالح العليا للدولة عن طريق التفاوض والتفاهم لا يتم بالصور المناسبة دون مسانده حقيقية من قوي الدولة الاخري أما العمل الدبلوماسي في مجال أداره الأزمات فمتنوع وأساليبه متعددة مثل 0
- الاحتجاج لدي الجانب الأخر – علي صعيد المنظمات الدولية
- سحب السفراء أو تخفيض البعثات الدبلوماسية أو التهديد بالقيام بذلك
- قطع العلاقات كمرحله احتجاج قصوى 0
- الخوخ من الأحلاف أو التكتلات إذا كانت الدولة داخله ضمن منظومة دوليه مثلا0
- عقد معاهدات أو أحلاف مع دوله معاديه للجانب المضاد مع مراعاة اختيار الوقت المناسب لتنفيذها (13)0
- والدبلوماسية ليست السياسة الخارجية رغم أنها تستخدم غالبا كمرادف لها فالسياسة الخارجية هي الموقف الذي تتخذه دوله تجاه دوله أخري أما الدبلوماسية فهي أداه من تلك الأدوات المتعددة التي تستخدم لنقل هذا الموقف وصنعه موضع التنفيذ ورغم إن مهام الدبلوماسية وأدوارها متعددة إلا إن من أبرزها عمليه التفاوض التي تتمثل في نقل وجهه نظر دوله ما أو موقفها لدوله أو دول أخري بغيه تحقيق هدف من الأهداف التالية 0
- تحديد نوعيه المصالح المشتركة والاتفاق علي الإجراءات المشتركة التي يتم التنفيذ من خلالها وكذلك رسم خريطة لا ولا ولوياتها0
- التقوض حول قضيه تتقارب فيها المصالح بهدف التوصل إلي تحديد قاسم مشترك بينهما أو التنازل عن مصلحه مقابل مصلحه أخري في نزاع أهم 0
ولكي تنجح عمليه التفاوض الدبلوماسي بصوره عامه فلا بد من توافر حد ادني من الثقة بين الطرفين في تنفيذ كل الوعود التي يتم التطرق إليها من خلال عمليه التفاوض . فإذا متنصل طرف من التزاماته فان ذلك قد يؤدي إلي زيادة اشتعال للازمه وليس إلي حلها وهذا محدث فعلا بين الفلس طنين والاسرائلين في معارف باتفاقات أوسلو ومفاوضات مدريد والتي استمرت شهورا طويلة تم التوصل خلالها إلي عدد من البنود واتفق علي تنفيذها علي مراحل زمنيه محدده ولكن نتيجة لعدم توافر نوايا حسنه عند الجانب الإسرائيلي واعتمادا في إيه مفاوضات مع الجانب العربي علي المراوغة وتحقيق المزيد من المكاسب لم تنجح هذه المفاوضات بل كانت نتيجتها مزيدا من الإحباط والإضراب والعنف 0
ويقوم بأداء هذا العمل الدبلوماسي مبعوثون خصوصيون تصنفي عليهم الدولة الصفة التمثلية وقد يكونوا من السياسيين المحترفين أو من كبار رجال الصناعة والأعمال أو قد يكونوا خبراء في الشئون العسكرية أو الفنية التي ترتبط بسياسة الدولة الخارجية ويتميز هؤلاء المبعوثون بالعلم الدقيق في الموضوعات التي يتم التفاوض بشأنها كما أنهم يتمتعون ناهليه قانونيه تفوضهم للتعبير عن أراده دولتهم في حدود التفويض الممنوح لهم 0 وبناء عليه فان المهمة الدبلوماسية مهمة مؤقتة ترتبط بادئه هدف معين فإذا ماقطعت العلاقات الدبلوماسية بين دولتين فان ذلك لا يعني بالضرورة انتهاء مهمة هذه البعثات 0
وتلجا الدول أولا إلي استخدام الدبلوماسية بأساليبها ووسائل المتعددة العلنية والسرية لحل للازمه إلي جانب الوسائل الاخري مثل المعاملات الاقتصادية وأعمال الجاسوسية والمخابرات والحرب النفسية والدعاية وأحيانا تلجا إلي استخدام هذه الوسائل مجتمعه أو بعضها لحل للازمه 0
إما تحقيق النجاح في أداره للازمه فيعود بالدرجة الأولي إلي مهارة فريق أداره للازمه في استخدام تلك الآليات والتنسيق فيما بينها بحيث تكمل كل أداه منها الاخري وتدعهما بما يؤدي في النهاية إلي نتائج ايجابيه وناجحة لأداره للازمه 0
ولكي تنجح عمليه حل للازمه الدولية عن طريق التفاوض الدبلوماسي فلا بد من إدراك طرفي النزاع أو كليهما للمعطيات التالية 0
1-إدراك كل من طرفي للازمه أو إطرافها حاله تعددهم انه ليس بوسع أيهما أو أيهم تحقيق كل أهدافه مره واحده 0
2-إدراك إن حل للازمه يتطلب مراعاة مصالح الطرفين لان أي حل جائز يجئ علي حساب احدهما قد يدفع الطرف المتضرر إلي اللجوء لاستخدام القوه 0
3-ضروره التدرج في استخدام الخيارات المطروحة التي تم تحديدها وفقا لخطط مسبقة مع مراعاة مستجدات ألازمه انطلاقا من إن عمليه التدرج تتيح لصانع القرار الفرصة لتجربه بدليل أخر حاله فشل البديل الذي تم اختياره 000 كما انه يتيح فرصه للطرف الأخر في ألازمه (الخصم) إن يراجع موافقة التي تبدوا متصلبة ومتعنتة 0
4-التركيز خلال مرحله التخطيط للازمه علي أهميه البحث عن قنوات اتصال مع الخصم المحتمل وضرورة فتح هذا القنوات دون مكابرة والإبقاء عليها مفتوحة بصوره مباشره أو غير مباشره أو غير مباشره خلال مرحله تنفيذ الخطة وهو أمر من شانه تضييق هوة الخلافات بين الطرفين وأزاله عوامل اللبس التي تكون موجودة لديهما وتخفيف حده العداء التي تكتنف ظروف ألازمه 0
2- أسلوب لتساوم الإكراهي (دبلوماسيه القوه ):
هو مجموعه التحركات ( التصريحات أو الأفعال ) التي تقوم بها دوله ما وتهدف من ورائها إلي إظهار الحزم والتمسك بالمصلحة إزاء الطرف الأخر من لازمه وأداتها في ذلك هي دبلوماسيه القوه أي التهديد باستخدام القوه أو التحرك العسكري الذي ينذر باستخدامها بشكل فعلي مع الإصرار علي فرض إرادتها علي أراده الخصم 0
فمن الحقائق الثابتة في علم العلاقات الدولية إن القوه أداه للدبلوماسية وهذا أمر يمثل جانبا مهما إذ إن للدبلوماسية وحدها غالبا مات كون محدودة الفعالية في تحقيق الأهداف التي تتوخاها وترمي إليها 0
وفي هذا السياق قد يثار تساؤل عما إذا كان عنصر الاستعانة بالقوة إلي جانب الدبلوماسية يكون أكثر نفعا في أداره الأزمات أم إن استخدام القوه يمكن إن يعمق الخلافات بصوره خطره قد تدفع إلي حده التوتر وتعميق الازمه ويدفع في النهاية إلي إشعال الحرب
والجواب هو إن التجارب الكثيرة التي مرت بها الدول والنتائج التي تم استخلاصها من الإحداث المشابهة تشير إلي التلويح باستخدام القوه العسكرية وكذلك الاستعدادات اللازمة التي قد تتطلبها طبيعة المواجهة من غير مبالغه في التحركات العسكرية أو البدء بالهجوم الفعلي يساعد الجهود الدبلوماسية المبذولة بل إن تلك الجهود قد لتنجح في أحيان كثيرة إذا لم يشعر الطرف الأخر بأنه لا مناص من القبول بما هو مقبول إذا مااراد تفادي ماهر غير مقبول كما إن نجاح دبلوماسيه القوه يعتمد إلي حد كبير علي طبيعة الموقف ونوعيه ألازمه المطلوب ليجاد حل لها 0
وعاد مايعزز كل طرف من إطراف الازمه مصداقيته بإظهار نماذج القوه المتاحة والمتوافرة لديه بل وبالاستخدام الجزئي لتلك النماذج بدءا من فرض العقوبات الاقتصادية – حشد القوات – الحصار البحري – إنشاء الأحلاف والتكتلات المضادة – تعبئه الرؤى العام العالمي – رفع درجات الاستعداد لبعض الوحدات العسكرية ومنتهيا بالتهديد باستخدام القوه 0 ويتحتم علي كل طرف إن يحاول التأثير علي الطرف الأخر وان يشعره بهميه مصالحه القومية واستعداده للدفاع عنها بالقوة المسلحة كما يحاول أيضا كل طرف إن يوحي للخصم بان استخدامه لقرار الحرب سيكون غالي التكلفة عليه وحني إن كان علي حساب الطرفين فهو أكثر تكلفه واشد تأثيرا عليه ( أي الخصم ) 0
وتفترض أداره الازمه – لكي تحقق الدولة كسبا مضاد الخصم من خلال استخدامها لأسلوب الضغط الإكراهي – اتخاذ موقف حازم قوي مع توفير قدر ملائم من المرونة سواء علي مستوي التصريح ( التهديد باستخدام القوه ) أو علي مستوي الفعل ( الشروع في التحرك العسكري ) حتى لتزيد من عنصر المخاطرة إمام الخصم 0
فالهدف المرجو هو الضغط عليه أو إكراهه علي تقديم تنازلات دون نزال لذلك يجب إبقاء المناورة باستخدام هذا الأسلوب داخل حدود معقولة ومحسوبة وإلا امتد أثره العكسي علي الخصم نفسه وأصبح متمسكا بموقفه مهما ساءت الأمور بحيث تصبح المخاطرة بتصعيد الموقف عنصر ضغط علي طرفي ألازمه علي حد سواء ففي ألازمه الكوبية مثلا كان الخيار الذي اعتمده الرئيس الأمريكي جون كنيدي في أداره اللازمة معبرا عن الحرص علي خلق المخاطرة إمام السوفييت حتى يدركوا إنهم مقدمون علي موقف حازم وقاطع ولكنه بدلا من إن يقوم باتخاذ قرار توجيه ضربه جوية استراتيجيه للصواريخ السوفييتية في كوبا اكتفي بقرار الحصار البحري حول كوبا حيث ابقي المخاطرة داخل حدود محسوبة ومعقولة دون إن يدفع السوفييت إلي رد انتقامي قد يفضي إلي كارثة عالميه 0 بل انه وبرغم الحصار سمحت الولايات المتحدة الامريكيه لأول سفينة سوفييتية بالمرور إلي كوبا كما أصدرت أوامرها بان يتم تأخير اعتراض السفن السوفييتية إلي توقيت أخر بعد إن أعلنت صراحة عن هذه الإجراءات حني تصل إلي سماع السوفييت أخبار مفادها إن كنيدي أعطي السوفييت فرصه لأعاده النظر في قرارهم بوضع الصواريخ في كوبا الآمر الذي أدي إلي تسويه ألازمه سلميا بتراجع الاتحاد السوفييتي وموافقته علي سحب الصواريخ السوفييتية مقابل التزام أمريكي بعدم مهاجمه كوبا وبدون خسائر جوهريه لإطراف ألازمه 0
وتفترض أداره ألازمه أيضا علي مستوي التهديد باستخدام القوه إن تتم دراسة البدائل والخيارات بمنتهي الوضوح والجدية والعمق مع التنبؤ بتبعات الفعل ورد الفعل فالتهديد المتصلب يحقق الحد الاقصي من المصداقية والحزم ولكن يعيبه افتقاد مرونة الحركة حيث انه يلزم الدولة مصدر التهديد بتنفيذ تهديدها إذا لم يمتثل الخصم بتنفيذ شروطها في حين إن التهديد الغامض وان كان يقلل من عنصر ألازمه أي من القوه الضاغطة الاكراهيه للدولة مصدر التهديد إلا انه يضمن لها فيما بعد حرية الحركة في اختيار البدائل الأكثر حده وتصعيدا إذا لم يمتثل الخصم للتهديد الأول 0
كما إن أسلوب التهديد الغامض لا يفرض علي الخصم طابع الاستشارة والاستفزاز من الدولة مصدر التهديد ومن ثم فقد يري الخصم إن الامتثال لمصالح الدولة مصدر التهديد في هذه الحالة لا يعرض سمعته وهيبته ومكانته لضرر واضح 0 وعلي ضوء هذا يتضح موقف كنيدي عندما اعترض علي اقتراح إعلان حاله التعبئة العامة في بداية ارمه برلين 1961 فقد أراد كيديان يستبقي هذا التهديد القوي الواضح إلي مرحله متاجره من ألازمه تبدأ إذا موقع السوفييت معاهده سلام مع ألمانيا الشرقية أو إذا مااغلقوا مدخل برلين الغربية0
ويوضح بعض علماء الاستراجيه هذا النقطة من فن أداره الأزمات بقولهم انه من الأفضل إن تبدأ الدولة بتوجيه التهديد بأعمال عسكريه محدودة بدلا من التهديد بحرب شامله وذلك لعدم استثاره تحرك عدائي مقابل من الطرف الأخر 0
ويكون التهديد غامضا بغموض مكوناته والتي تنحصر في الاشاره إلي مطالب الدولة مصدر التهديد إلي جانب العقوبات المتوقع إن تفرضها علي الطرف الأخر إذا لم تتم الاستجابة إلي مطالبها 000 فبخصوص المطالب قد تكتفي الدولة مصدر التهديد بإعلان عدم رضاها عن الوضع القائم وأنها تنتظر من الطرف الأخر اللازمة عرضا مناسبا ومقبولا في هذا الصدد كما حدث في فيتنام الشمالية عندما طلبت الولايات المتحدة الامريكيه منها إن تتخذ بعض إجراءات تخفيف التصعيد في عمليات القتال إنهاء ضرب هانوي بالقنابل وإلا استمر ضربها ولم تحدد واشنطن إجراءات تخفيف التصعيد بل تركت مطالبها بهذا الشأن غامضة 0
عندئذ كان علي فيتنام الشمالية إن تفكر في اتخاذ إجراءات تحفظ لها كرامتها وفي الوقت نفسه أمكن للولايات المتحدة إن تفسرها علي إنها إجراءات لتنفيذ مطالبها بالرغم من عدم الإعلان تفصيلا عن هذا الإجراءات أي إن غموض المطالبة من جهة وإجراءات التنفيذ في المقابل من جهة أخري كان مفيدا لطرفي ألازمه في هذا الحالة فالدولة مصدر التهديد تستطيع إن تفسر رد فعل الخصم علي انه امتثال لمطالبها بينهما يستطيع الطرف الثاني إن يختار تحركات تحفظ له كرامته وسمعته 0
أما علي مستوي الفعل (التحركات العسكرية ) فهناك خيار البدء بتحركات متشددة مع بداية ألازمه أو البدء بتحركات غير متشددة 0 وهناك فريقان من المفكرين الاستراتيجيين ينادي الأول منهم بأفضليه البدء بتحركات غير متشددة بينما يفضل الثاني البدء بتحركات متشددة ويتجلي منطق الفريق الثاني في اظهارعيوب البدء بتحركات غير متشددة وأهمها أنها تظهر صاحبها بمظهر عدم الحزم وضعف الاراده فضلا عن أنها تعطي للخصم مزيدا من الوقت لاختيار انسب استراتيجيات للمواجهة ودعم جهوده بمسانده أطراف أخري وتتبني مؤسسه الحكم في إسرائيل هذا الرأي في اغلب تحركات أما الفريق الأول فيستند إلي إن الخبرة العملية دائما ماتبنئ بان التحركات غير المتشددة في بداية الازمه هي أفضل وسيله لتحقيق هدف الضغط الإكراهي ولتجنب الكثير من الكوارث كما أنها تبقي المجال واسعا لمزيد من التحركات الاخري الأكثر تشددا اوالتوفيقيه البديلة إذا مااستجاب الخصم للضغوط الواقعة عليه ويعتبر التحرك غير المتشدد في نظر هذا الفريق أكثر فاعليه من أكثر التهديدات تشددا وعنفا في مواجهه الخصم فالحصار البحري الأمريكي في ألازمه الكويتية كان اشد تأثيرا وحزما من أي تهديد أخر للتعبير عن النوايا الامريكيه وكذلك كان اثر التصعد المتدرج في تحرك القوات الامريكيه والبريطانية إبان ازمه المفتشين الدوليين مع العراق عام 1997/1998 واضحا علي مواقف العراق فيما بعد فقد اثبت ذلك التصعيد في احدي مراحل الازمه لصدام حسين إن التهديد غير المتشددة قد تحول إلي هجوم وشيك مما دفعه إلي الرضوخ لدبلوماسيه القوه 0
ويذهب الفريق الأول أيضا إلي انه من الضروري البدء بتحرك حازم غير متشدد في الظروف التي يصعب الحصول فيها علي معلومات سليمة عن نوايا الخصم واستعداده للتصعيد من عدمه وذلك لأنه يعطي الفرصة للتعرف علي طبيعة ردود فعل الخصم وما إذا كان مستعدا للرد علي تحركات تاليه علي أساس سليم بدلا من البدء بتحرك جامد متشدد معتمدا علي التخمين في تقدير رد فعل الخصم ولقد قام السوفييت بإتباع هذا الأسلوب الازمه
برلين فلم يبداوأ ببناء حائط برلين من أول تحرك بل بدءوا باقامه سياج بيه فتحات تسمح بالمرور إلي برلين الغربية وعندما تمثل رد الفعل الغربي في عدم التحركات كان ذلك علامة تشير إلي عدم توقع رد فعل غربي عنيف علي تحركات سوفيتية أكثر تشددا أو عنفا فانتقل السوفييت إلي الخطوة الثانية ببناء الحائط كاملا 0
وأخيرا فلابد لنا إن نضع هذين الأسلوبين اللذين عاده مايسبقان الحل العسكري في ميزان التقييم استنادا إلي الاعتبارات التالية 0
إن سيطرة نموذج واحد من أساليب أداره الأزمات علي تحركات الدولة ينتهي دائما بنتائج سلبيه لذا تفترض الاداره الرشيدة للأزمة إن تقوم الدولة بالجمع ما بين استخدام نموذج التساوم الإكراهي جنبا إلي جنب مع استخدام النموذج التوفيقي بشكل متناسق وغير متعارض بحيث تساند كل أداره 00 الاداره الاخري وتدعمها 0
إن الاقتصار علي استخدام أسلوب التساوم الإكراهي ( دبلوماسيه القوه ) مع التصعيد عاده مايو حي بان الطرف الأخر ليس لديه النية للتعايش والتسوية التوفيقية مما يدفع الخصم إلي مزيد من التشدد غير المرغوب فيه مع استمرار سلسله الفعل ورد الفعل المتصاعد الذي قد يؤدي في النهايات إلي تفاهم الازمه أو إلي انتقالها من النطاق المحلي إلي النطاق العالمي مما يهدف بدخول أطراف أخري في الازمه وما يصاحب ذلك من تبعات 0
إن استخدام الأسلوب التوفيقي في أداره الأزمات دون إن يكون مصحوبا أو مقرونا بأساليب الضغط ليس أيضا بأحسن حال من سابقه بل انه من الصعب تصور نجاح مثل هذا الأسلوب في الممارسات العملية لأداره الأزمات لأسباب عديدة منها – علي سبيل المثال وليس الحصر – الطبيعة البشرية عامه التي ترفض تقديم تنازلات طواعية مالم تكن مكرهه علي ذلك حني مع الحصول علي مقابل ووحده صنع القرار في جميع الدول المتقدمة منها والنامية الكبيرة منها والصغيرة – ماهي إلا مجموعه من البشر ينطبق عليها ماينطبق علي سائر البشر مع الفارق في حجم التنازلات ونوعها 0
إن الجمع مابين أسلوب التساوم الإكراهي والتوفيقي عند أداره الأزمات يعطي صيغه تكاملية متناسقة ينتفي فيها تصور التعارض الطبيعي بين الضغط من ناحية والتوفيق من ناحية أخري 0 بل إنهما يتكاملان في عمليه المساومة أي إن موقف الدولة في عمليه التفاوض لتسويه الازمه اقوي إذا ماسبق ذلك التفاوض أو تواكب معه استعراض للقوه كما إن التصريح أو التلميح أو التلويح ببعض الإشارات أو الدلائل التوفيقية أثناء ممارسه الضغوط يساعد بل ويسرع من خطوات معالجه لازمه 0
إن المشكلة التي تواجه متخذ القرار دائما في إدارته للأزمة هي كيف يبدو حازما ومرنا في آن واحد وهذا مايطلق عليه في فن إدارة الأزمات اصطلاح الرشد ولما كانت الاداره الرشيدة للأزمة تعتمد علي تقديرات وتحليلات وحده صنع القرار فإن درجه الرشد تتحدد بالتالي وفقا للمعلومات المتاحة للدولة عن ظروف الأزمة وإمكانيات الخصم وإمكانيات الدولة في مواجهتها 0 وعلي متخذ القراران يدرس مختلف الخيارات المطروحة أمامه من حيث الأهداف والأولويات والقدرات والتكلفة التي يستطيع كل طرف تحملها ثم يختار مابين البدائل أولي خطوات التحرك في اتجاه إدارة الأزمه 0
وعاده لا تخلو تحركات متخذ القرار من النقاط الثلاث الأتيه:
1- إذا ماأنتهي متخذ القرار في دوله ماالي إن مصداقية دولته لن تتأثر بإتباعها أسلوب التساوم الإكراهي . وإن المخاطرة التي يخلقها ذلك التحرك في مقدور دولته تحملها وان قدره الخصم علي تحمل هذه المخاطر أقل ( أي إمكانياته تفوق إمكانيات الخصم ) فانه يقرر إن يأخذ بهذا التحرك
وعلي العكس من ذلك إذا أدرك إن مصداقية تحرك الخصم سوف تكون مرتفعه كما انه سيخلق مخاطر اكبر مما تستطيع إمكانيات الدولة إن تتحملها فانه يميل إلي اتخاذ تحرك اقل عنفا أو تحركا توفيقا 0
2- إذا أدرك الخصم – وهو طرف رد فعل الأزمة
إن تحرك الدولة الأولي ألتهديدي الضاغط جدي وان بمقدورها تنفيذ تهديدها وأن المخاطرة التي يثيرها هذا التحرك أكبر من إن تتحملها دولته فانه عاده مايلجأ إلي الأسلوب التوفيقي والعكس صحيح في حاله ما إذا أدرك إن تهديد الدولة الأولي عديم المصداقية فانه يتبع التصعيد والتشدد 0
إذا ماادركت كل من الدولتين طرفي الأزمة إن تهديدات الخصم عاليه المصداقية وإنها تخلق مخاطره ذات تأثير يتجاوز ماتتحمله
3- إمكانيات الدولتين فإنهما يتجهان إلي إتباع الأسلوب التوفيقي وتنتهي الأزمة بحل وسط 0 وعلي العكس إذا ماقدرت الدولتان إن مصداقية التهديدات المتبادلة اقل درجه مما تبدو وأن المخاطرة التي تثيرها الدولة الخصم من الممكن تحملها فإنهما تعمدان إلي إتباع التشدد في مسلك تصعيدي متبادل 0
إن سوء التقدير للمواقف أو الخطأ في حسابات أيه مرحله من مراحل الأزمة أو العناد والمكابرة عبارة عن نذر خطر شديد وانزلاق إلي حرب ضروس تنقلنا إلي الأسلوب الثالث في حل الأزمات الدولية وهو الأسلوب الذي سنتحدث عنه في الصفحات التالية 000000
4- أسلوب الحل العسكري
إذا باءت جميع سبل إدارة الأزمة بالفشل توفيقا عن طريق دبلوماسيه القوه وإذا مااستمر كل طرف في تشدد فان الخيار المقيت هو النزول إلي حلبه الصراع لتحسم لغة المدافع ماعجزت لغة الحوار عن تحقيقه وهو أمر يعتمد علي قوه الأطراف المتنازعة ومدي استعداها لدخول الحرب دفاعا عما تعتبره تهديدا لمصالحها المباشرة أو غير مباشر 0 ولا شك إن أصعب قرار يقوم عليه متخذ القرار هو إعلان حاله الحرب لأنه يصنع الدولة أمام اخطر نوع من الأزمات ويتوقف عليه مستقبلها وكيانها وأحيانا وجودها 00 واليتم الإقدام عليه إلا في حاله استنفاذ كافه الخيارات المطروحة والبدائل المتاحة لحل الأزمه0
وإذا ماتركنا جانبا الوسيلة التي تحقق كل دوله بوسطها مأربها العسكري وإستراتيجيتها التي تستخدمها لتحقيق ذلك فان قرار إعلان الحرب واستخدام القوه المسلحة يمكن إن ينتج عنه أزمات أخري لا تظهر للعيان إلا بعد زمجرة المدافع 0
فقرار الأزمة العسكرية يختلف عن غيره من قرارات الأزمات الأخرى من حيث انه يتم تحت قعقعة السلاح وهو ليس قرار واحدا وإنما قرارات فوريه عده تصدر طبقا لتطورات الأزمة وظروفها التي قد تتغير من وقت لأخر لمواجهه مستجدات الموقف علي ساحات القتال بل إن التحركات العسكرية التي يلجأ إليها متخذ القرار لمجرد التهديد باستخدام القوه العسكرية لا تقل خطورة عن قرار بدء القتال لأنه قد يترتب علي ذلك إقدام الطرف الأخر علي إشعال قتيل الحرب فإذا ما استدعت الظروف القاهرة التلميح باستخدام القوه أو فعلا فيجب علي متخذ القرار إن يضع في حسبانه قبل التفكير في ذلك اختبار قدرته العسكرية الحقيقية لان من شأن ذلك إن يشعل حربا عفويه أو إن يدفع الطرف الأخر للمواجهة أو القيام بعمليه عسكريه اجهاضيه أو ردعية 0 فإسرائيل كانت في كل حروبها مع الدول العربية تركز علي كيفيه الرد وإدارة المعركة لصالحها حتى في أحلك المواقف 0 ففي حرب أكتوبر 1973م استطاعت إن ترد وبقوه وتعيد التوازن لقواتها مره أخري علي كلا الجبهتين المصرية والسورية بعد إن كاد زمام الأمر إن يفلت من يديها (14) 0
ويقودنا المثال السابق إلي التطرق لنوع أخر من أنواع الأزمات التي قد تنتشر أثناء الحرب وخلال الصراع المسلح نفسه نتيجة للمتغيرات السريعة والحادة في موقف احد الجانبين المتضادين وعاده متغلب علي تلك الأزمات الصفة العسكرية وتعرف باسم أزمات الصراع المسلح أو أزمات مابين الحروب0
وينقسم هذا النوع من الأزمات من حيث التأثير إلي نوعين هما 0
1- أزمات لها طابع استراتيجي 0
2- أزمات لها طابع تكتيكي 0
ونورد في مايلي مجموعه من العوامل التي قد تحدث تغييرا يؤدي إلي حدوث هذا النوع من الأزمات 0
1- دخول طرف فاعل جديد في الحرب القائمة مثل دخول روسيا حرب الباسفيك عام 1945م والذي اثأر أزمة بالنسبة لليابان في ذلك الحين وكذلك مثل دخول الصين الحرب الكورية في أكتوبر 1950م وكان يمثل أزمة بالنسبة للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية كما كان امتداد الجسر الجوي إلي العريش ما بين الولايات الأمريكية وإسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973م- لتزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات كان يمثل أزمة بالنسبة لمصر بل كان عاملا من العوامل التي دفعت الرئيس السادات إلي قبول نداء وقف القتال في حينه 0
2- خروج طرف فاعل من الحرب القائمة مثل خروج فرنسا من الحرب ضد ألمانيا في يونيو 1940 كان يمثل أزمة لبريطانيا والحلفاء 0
3- التطور التكنولوجي للاسلحه والمعدات أثناء الحرب كاستخدام أسلحه لم تستخدم من قبل ذات فاعليه عاليه مثل استخدام الولايات المتحدة الأمريكية الاسلحه النووية لوقف الحرب الأمريكية اليابانية في أغسطس 1945م (قنبلتي هيروشيما ونجزاكي) وظهور الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات مع جندي المشاة المصري في حرب أكتوبر 1973م أثناء الحرب مع إسرائيل 0 كما إن استخدام العراق الصواريخ طويلة المدى في ضرب المدن الإيرانية في حرب الخليج عام 1988م كان يمثل أزمة بالنسبة لإيران وأتضح أنه كان يشكل أحد العوامل الرئيسية التي دفعت إيران إلي الموافقة علي مطالب وقف الحرب 0
4- الهزيمة في المعركة أو التغير السريع والحاد في مجريات الصراع المسلح والتي يدرك صناع القرار درجه أهميتها وتأثيرها علي مستقبل واستمرارية الحرب مثل هزيمة ألمانيا في ستالينجراد والعلمين أثناء الحرب العالمية الثانية وأيضا الهزيمة في ديان بيان فوفي مايو 1945م كانت تمثل أزمة بالنسبة لفرنسا أثناء الحرب الفيتنامية الأولي 0 كذلك حدوث الثغرة في حرب أكتوبر 1973م وعبور القوات الأسرائيليه للضفة الغربية من قناة السويس كان يمثل أزمة لمصر 0
5- إدراك احتمال دخول طرف فاعل ذي ثقل في الحرب أو التهديد بذلك مثل التهديد السوفيتي بدخول الحرب عام 1956 لوقف العدوان الثلاثي علي مصر كان يمثل أزمة بالنسبة (15)0
وبعد فهذه الأزمة الدولية وهذه هي أساليب التعامل معها بشكل موجز فكم من أزمة دوليه عاشتها امتنا ودولنا دون الإست فاده
من عبرها أ دراستها دراسة موضوعيه بعيده عن الارتجال أ, حاولت إدارتها بروح العلم الحديث 00 إن هذه التساؤلات كفيله بأن تقدح زناد فكرنا للتعامل مع عالم يحس صناعه الأزمات أو إدارتها أو تجنبها 0
هوامش الفصل الثالث
(1)د0مصطفي علوي-التعريف بظاهرة الازمه الدوليه – مجله الفكر الاستراتيجي العربي ص 150-170-يناير1987م0
(2) Coral bell:convetion of crisi Autudy in diplomatic managent London oxford university press 1971 p 134
( 3) د0عبدالرحمن رشدي الهواري-ادارة الازمه الامنيه من وجهه النظر العسكريه-ص55- 57- اكاديميه ناصر لسكريه العليا – القاهرة 1995 م0
د0عباس رشدي العماري – اداره الازمات في عالم متغير – مصدر سابق ص 26
(4) عقيد طيار عبدالله حمد سلطان – مقترح تنظيم مركز اداره الازمات لدول مجلس التعاون الخليجي – المؤتمر الاول للاداره الازمات – مصدر سابق ص 3
(5) د0محسن احمد الخضري – اداره الازمات – ص 13 مكتبه مدبولي – القاهره – الطبعه الثانيه .
(6) اسماعيل فهمي – التفاوض من اجل السلام في الشرق الاوسط – ص 38 – مكتبه مدبولي – القاهره – الطبعه الثانيه .
(7) د 0 عباس رشدي العماري – مصدر سابق – ص 7-ص 50.
(8) ستيفن.اي . امبروز – الارتقاء الي العالميه – ترجمه ناديه محسن الحسيني ص 18 – 50- المكتبه الاكاديميه – القاهره – 1994م .
(9) د 0 حسن نافعه – الامم المتحدة في نصف قرن – (عصبه الامم ص 18-43)و (كيف تشكل التحالف الدولي المنشئ لامم المتحدة ص 52-58 ) عالم المعرفه – المجلس الوطني للثقافه والفنون والاداب – العدد 202- اكتوبر 1995م.
(10) اقدمت الهند علي اجراء تجارب نوويه في 13/5/1998م افصحت بعدها باكستان انها تدرس اجراء تجارب نوويه ردا علي ذلك ويعتبر التنافس بين الهند والباكستان احد فصول الصراع بينهما منذ انشائهما بعد ان كانتا كيانا واحد وللوقوف علي مزيد من التفاصيل حول الاسباب التي ادت الي انفصالهما يرجي الرجوع الي كتابنا "محمد علي جناح سفير الوحده وقائد الانفصال " ص 21- 71- الكويت – مطابع صوت الخليج – 1997م.
(11) مركز الدراسات الاسترتيجيه – سريه انتاج الاسلحه النوويه – ص 3 -7-دوله الكويت – نوفمبر 1997م.
(12) الموسوعه السياسيه – ص 645 – جامعه الكويت 1994م.
(13) عقيد طيارعبدالله حمد السلطان – مقترح تنظيم مركز اداره الازمات لدول مجلس التعاون الخليجي – مصدر سابق – ص 22- 24.
(14) د0 عباس رشدي العماري – مصدر سابق – ص 108 – 110.
(15) لاستزاده في هذا الموضوع يرجي مراجعه كتاب مستلزمات الردع – مفاتيح التحكم بسلوك الخصم – ديفيد جارنم – مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيه – دراسات استرتيجه – العدد 2 – الطبعه الاولي 1995 .
الفصل الرابع
الكوارث والازمات الاقتصاديه
اذا كانت الازمات الامنيه والدوليه تشكل ارقا للدول وتجعلها تحبس انفاسها انتظارا بما تسفر عنه نتائج اداره تلك الازمات , فان دواعي الحيرة والقلق لا تقتصر علي هذين النوعين من الازمات او غيرها ، بل ان هناك نوازل تلم بالدول والمؤسسات والجماعات البشريه وغير البشريه فتحدث ارباكا في الحياه العامه والخاصه للافراد وتجعلهم يعيشون وضعا ماساويا لا طاقه لهم به ،وتلك هي الكارثه التي سنحاول التفريق بين مفهومها وبين بعض المفاهيم القريبه منها والتي تختلط بها .
ونبدا ذلك فنقول بان الكارثه تختلف عن الحدث ، اذ ان الحدث شئ بالغ الاهميه ولا يتكرر كثيرا ، ويقع بفعل الانسان في البيئه الطبيعيه او تلك التي اوجدها الانسان ،ويؤثر حدوثه عكسيا او سلبيا علي الحياه البشريه و الممتلكات والنشاطات الي الحد الذي قد يصل الي التبب في الكارثة
أما الظاهرة فهي عبارة عن حدث ينشأ بفعل الطبيعية وقد يكون ظاهره مناخيه اومائيه ولكنها لا تتحول إلي كارثة إلا إذا نتج عنها خسائر في الأرواح أو الممتلكات أو البيئة المحيطة فقد تحدث ظاهره طبيعيه ولكنها لتشكل تهديدا بالنسبة للبشر أو الممتلكات مثل زلزال كبير يضرب منطقه خاليه من السكان أو سيول تحدث في الصحراء أو انهيارات تحدث في المناطق الجبلية غير المسكونة أو فيضانات الأنهار ولكن الظاهرة قد تتحول إلي كارثة إذا توافرت لها ظروف معينه مثل وجود بشري أو حيواني أو نباتي في موقع حدوث الظاهرة خاصة إذا لم يكن هناك استعداد لمواجهتها آما نتيجة لعدم توقع حدوثها أو لوجود قصور في الإمكانيات المحلية أو علي مستوي الدولة لمواجهه الكارثة ونفرق كذلك بين الكارثة والواقعة في إن الواقعة شئ حدث وأنتهي ولم يترك اثر كوقوع خطأ في مكون أ وحده أو نظام فرعي مثل ذلك حدوث خلل في احد الصمامات الخاصة بأنظمة احد المفاعلات النووية لكن لم يترتب علي ذلك الخلل حدوث تهديد لنظام المفاعل الكلي (1)
ومن الجدير بالذكر أن هناك علاقة تبادليه بين الكوارث والأزمات فقد يؤدي حدوث أزمة دوليه إلي وقوع كارثة بشريه فاندلاع حرب كالتي حدثت في (رواندا) بين 0التوتسي والهوتو أو كالتالي حدثت في البوسنة والهرسك بين المسلمين والصرب والكروات وبدأت بأزمات عرقيه ودينيه ثم انتهت بكوارث أصابت المدنيين بالهلع وبموجات من الهجرات البشرية نتيجة لسياسة التطهير العرقي
وتكاد تلك الصورة البشعة تصاحب معظم الأزمات المحلية أو الخارجية التي تنتهي بصراعات مسلحه فما أن تدفع الأزمة الأطراف المتنازعة إلي أتون الحرب حني تخلف كوارث لا حصر لها وتحصد في طريقها القتلى والجرحى والمعاقين والثكالي والأيتام بل نجد أطفالا في عمر الورد ينشئون في ظل الحروب كالتي وقعت منذ عام 1945م ولوجدناها تربو عن 400 حرب – بين حروب كبيره ونزاعات محدودة – وقد أشترك في بعضها مالا يقل عن 200 ألف طفل جندوا كميليشيات عسكريه – وفق تقديرات الأمم المتحدة – وقد أجبرت في بعضها فتيات صغيرات علي الانخراط في صفوف المقاتلين وهن يتعرض للاستغلال والاغتصاب أو تقديمهن للجنود كزوجات
ونورد في هذا المجال احصائيه حديثه قدمها الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر ضمن تقديره لعام 1997م عن ابرز الكوارث التي تعصف بعالمنا المعاصرة وقد جاء فيها
- بلغ عدد اللاجئين عام 1996م نحو 14527400 لاجئ
- بلغ عدد النازحين ضمن حدود دولهم عام 1996 نحو 1919500نازح
- بلغ متوسط عدد السكان المتضررين من الكوارث خارج مناطق النزاعات نحو 13668844 متضررا سنويا خلال الربع الأخير من هذا القرن
- بلغت قيمه المساعدات الدولية الإنسانية للمنكوبين خلال عام 1995م ما يقرب 306299 مليون دولار أمريكي ( عدا المساعدات الغذائية التي بلغت في أنحاء العالم نحو 9905 مليون طن )
- وكذلك فإن حدوث كوارث كالمجاعات والفيضانات وتفجير الطائرات تجعل الوضع الدولي في حاله تأزم وتزعزع استقراره كما حدث في قضيه انفجار طائره الركاب الأمريكية فوق منطقه (لوكي ربي) في (اسكتلندا)والتي لا تزال تداعياتها ماثله أمامنا حني بعد انقضاء فتره زمنيه علي حدوثها
وقبل الحديث عن الأزمات الأقتصاديه سنقوم بتقسيم الكوارث بصفه عامه إلي نوعين رئيسيين طبقا لطبيعة مسبباتهما
النوع الأول .
هي الكوارث الطبيعية التي تحدث نتيجة لتغيرات جيولوجيه مثل البراكين والتشققات الأرضية والزلازل التي تعتبر من أهم الظواهر التي تتسبب في إحداث الكوارث وذلك نتيجة لوقوعها بصوره مفاجئه تعجز أجهزه الرصد عن التنبؤ بموعد أو مكان حدوثها بشكل دقيق بالرغم من التقدم العلمي المذهل في هذا المجال إلي جانب كوارث أكثر شيوعا وتحدث بفعل المياه مثل الانهيارات التحتية والمد والجزر البحري والسيول والفيضانات
وهناك كوارث تحدث بفعل الرياح وهي التي تعرف بالأعاصير وتختلف مسمياتها بحسب مناطق حدوثها 00 كما توجد كوارث طويلة الأجل مثل المجاعات والأوبئة وكوارث احرث قصيرة الأجل نسبيا كاحتباس المطر لفترة زمنيه محدده وتعتبر دول العالم الثالث أكثر تعرضا من غيرها لويلات تلك الكوارث نظرا لطبيعتها الجافة من جهة ولظروفها السياسية المتقلبة من جهة أخري كما هو الحال في بعض الدول الأفريقية والأسيوية وهناك من الكوارث ماهو نادر الحدوث كسقوط النيازك والشهب علي الكره الارضيه
وهذه الكوارث تحدث لأسباب طبيعيه دون إن يكون للنشاط الإنساني علاقة بحدوثها وهي كوارث تنذر بخطر قد يفوق المخاطر الناتجة عن النشاط الإنساني ولابد لنا ان نذكر في مجال التلوث الصناعي تسرب غاز "ايزوسيا نيد"من احد مصانع شركه " يونيون كاربيد" في مدينه " بوهبال " بالهند عام 1984م واصابه مئات الالاف من الاشخاص جراء ذلك الغاز السام .
وكذلك نذكر حادثه النفط التابعه لشركه " اكسون فالديز " التي تسبب تسرب اطنان من الزيت الخام منها الي تلويث والحاق اضرار فادحه بالبيئه وتلويث اكثر 1600 كم من شواطئ " الاسكا " (4)
ومنها ايضا كوارث الطيران والفضاء مثل كارثه انفجتر مكوك الفضاء الامريكي " تشالنجر " ووفاه سبعه اشخاص كانوا علي متنه واهدار مئات الملايين من الدولارات التي صرفت علي برنامج اطلاقه ، وتثر ذلك علي استمراريه برامج الفضاء في الولايات المتحدة بشكل عام . وكذلك سقوط الطائرات بسبب خلل فني كسقوط الطائره الامريكيه "بوينج 737" التى سقطت في جنوبي كرواتيا عام 1996م ومقتل جميع ركابها بمن فيهم وزير التجارة الامريكي "رون براون " . او سقوط الطائرات بسبب فعل تخريبي او بسبب اختطافها كاختطاف الطائرة الاثيوبيه " البوينج 767" وسقوطها قي المحيط الهندي بعد ان اختطفها مجهولون اثيوبيون مما ادي الي وفاه (120) من ركابها و نجاه ( 55راكبا)
اخر ،وكان ذلك في عام 1996م ايضا وهو العام الذي اسماه البعض عام كوارث الطائرات لكثره عدد الطائرات التي سقطت فيه.
ومن الازمات والكوارث التجاريه والاستهلاكيه ظهور مااطلق عليه اسم أنفلونزا الدجاج في هونج كونج عام 1997م والذي ادي الي وفاه بعض الاشخاص نتيجه اصابتهم بذلك الفيروس المعدي والي ذغر العالم من انتشار تلك العدوي مما دفع سلطات هونج كونج الي اعدام الملايين من الدجاج 0 وقد سبقت تلك الكارثه كارثه اخري مشابهه في المملكه المتحده وهي ماسميت بمرض (جنون البقر ) والتي أثرت علي الاقتصاد البريطاني تأثيرا مباشرا وادت الي اعدام اعداد ضخمه من الابقار 0
وفي مجال الاقتصاد والاستثمار والبنوك وشركات توظيف الاموال فان كل عام يحمل معه اسما جديدا او اسماء عده لمؤسسات تعرضت لخسائر فادحه اوافلاس كتلك التي حدثت لبنك الاعتماد والتجاره والذي تضررت من خسائره مؤسسات وافراد عديدون من كل الاقطار العربيه وخاصه دوله الامارت العربيه المتحده 0 ومنها كذلك كارثه اقتصاديه اخري حديث في دوله الكويت عام 1982م وهي ماسميت بازمه سوق المناخ نسبه الي اسم السوق الذي كانت تشتري فيه الاسهم وتباع نقدا او عن طريق البيع الأخر مما ادي الي عجز بعض المشترين عن السداد والي عجز أخرين مرتبطين بهم عن الوفاء بالتزاماتهم الماليه بالتبعيه 0 ومنها كذلك الازمه الماليه التي احاقت بدول جنوب شرقي أسيا او من تسمي (النمور الأسيويه )عام 1997م والتي نتجت عن اخطاء عده في سياستها الاقتصاديه وسوء اداراتها لديون الشركات والارتفاع المبالغ في اسعار العقارات وضعف الرقابه المصرفيه علما بأن الكوارث والازمات الاقتصاديه تصيب الدول المتقدمه كالولايات المتحده الامريكيه وغيرها مثلما تصيب الدول الاقل تقدما وان كانت اسباب حدوثها تختلف من بلد الي أخر 0
واخيرا وليس أخر نذكر الخسائر التي تحيق بقطاعات اقتصاديه متعدده نتيجه اعتماد دولها علي مورد واحد اساسي في دخلها كالبترول او المنتجات الزراعيه او السياحه 00الخ فاذا ماحدث خلل في اداء ذلك المورد او تعرض لمحاربه او انتكاسه فإن ذلك ينعكس سلبيا علي معظم الشركات الحكوميه وغير الحكوميه المرتبطه به 0
واذا مااردنا ان نسترسل في ذكر كوارث الشركات والمؤسسات والافراد الاقتصاديه فان يسعنا لنوفي الامر حقه كتابه كتب وليس صفحات ولكننا مررنا مرورا سريعا علي بعض تلك الكوارث لكي يمكننا تصور الحيره التي يعيشها صناع القرار – الحكوميين وغير الحكوميين – حيمنا تنزل بهم نازله اقتصاديه فوقوع كارثه او حدوث ازمه لمؤسسه اقتصاديه يعني اهنزاو كيانها وحيره صناع القرار فيها بين رجال الصحافه والاعلام الذين يتسابقون لتغطيه الحدث والبحث عن الاسباب والمسببات وحجم الاضرار البشريه والماديه وبين القانونيين الذين يطالبونهم بالصمت حتي لا يؤخذ مايتفوهون به كمستند ضدهم امام المحاكم عند المساءله الجنائيه هذا كله الي جانب همهم الاكبر وهو احتواء الحدث والسيطره علي الكارثه او الازمه واعاده الثقه بمؤسساتهم مره اخري سواء ثقه المستهلكين او المودعين او حمله الاسهم 0
ان كل الدول والمنظمات والشركات والافراد عرضه لنوع من الاخطار التي قد تهدد الارواح والممتلكات سواء كانت هذه الاخطار كما اسفلنا – ناتجه عن فعل قوي طبيعيه او عن فعل الانسان ،الامر الذي يتطلب ضروره التعرف علي كيفيه مقاومه هذه الاخطار للوقايه منها او التخفيف من اثارها واعاده الامور الي طبيعتها بالسرعه الممكنه . وعلي الرغم من ادراك تلك المخاطر فاننا نجد – في بعض الاحيان- قصورا في تعامل النظام الاداري او الاجتماعي مع تلك الكوارث. ويرجع ذلك الي عدم وجود استراتيجيه واضحه للشركات او الي اجراف بعضها وراء المخاطره والربح السريع او الي اهمال هنصر التنبؤ المدروس للاوضاع المحليه والعالميه ، وكذلك الي عدم توافر التكنولجيات المناسبه او الامكانيات الملائمه او لبروز مشاكل اداريه تحول دون استخدامها بشكل مناسب عند مواجهه الكوارث الطبيعيه وتظهر هنا اهميه التخطيط للكوارث وذلك انه في ظل الكارثه تعدد الجهات والمنظمات والهيئات المحليه والاجنبيه التي قد تشترك في مواجهه الكارثه في المجتمع ،واضافه الي ذلك فان هناك العديد من المهام التي يجب القيام بها وكذلك الطاقات والموارد التي يجب تخصيصها لمواجهه الامور الطارئه التي تستجد فتؤثر علي سير الحياه جزئيا او كليا ، وفي الوقت نفسه يجب ان يكون هناك تنسيق وتكامل بين جميع الجهود المبذوله للمواجهه ،وهذا هو دور التخطيط للكوارث ، فالتخطيط للكوارث يلعب دورا مهما في تقليل الخسائر الماديه والبشريه عند وقوعها ووجود تخطيط او خطه معدة اعدادا جيدا تعتبر المفتاح الرئيسي لتقليل الخسائر التي يتعرض لها المجتمع نتيجه وقوع كارثه من الكوارث .ولا يهدف التخطيط المسبق للكوارث الي منع حدوث الكارثه في المقام الاول بل انها يهدف الي زياده فاعليه عمليه المواجهه وتقليل الاثار السلبيه للكوارث علي المجتمع والتخطيط بهذا المفهوم السابق يختلف تماما عن عمليه وضع الخطط المكتوبه للكوارث ، فلا يمكن اعتبار التخطيط علي انه عمليه مستمره لا تتوقف بل يجب تطويرها بما يتناسب مع حدوث العديد من المتغيرات والظروف العلميه والعمليه المستجدة.والتخطيط المسبق لمواجهه الكوارث عبارة عن عمل منسق له مدخلاته التي تتمثل في التهديدات المتوقعه والموارد المتوافره والاحتياجات المتوقعه لمواجهه الكارثه ووضع الاولويات والاستراتيجيات المطبقه في التخطيط،كما ان لهذا العمل المنسق مخرجاته ايضا وهي الخطه الموضوعه والمناسبه لمواجهه الكوارث المتوقعه ،وهذه المخرجات(اي الخطه)يجب ان تاخذ في اعتبارها العنصرالبشري الذي يتم التعامل معه ،اما كضحيه لوقوع الكارثه او كمشترك في الاغاثه منها . وهو عنصر له انماط سلوك مختلفه ومن الصعب وضع خطه شامله تكون مقبوله من جميع افراده ، فلا يوجد شامله يمكن تعميمها بشكل مطلق علي جميع الحالات ، بل يجب ان تراعي الخطه اختلاف المجتمع الريفي عن المجتمع الصناعي والمجتمع الصحراوي عن المجتمع المدني .
وبناء علي ذلك فان التخطيط المسبق للكارثة يمكن إن يقلل من المشاكل المتعلقة بعمليه أداره الكارثة ولكن ليستطيع إلغاءها تماما فعاده مايكون هناك فجوه بين مآتم التخطيط له وبين مايحدث فعلا في معظم الكوارث ومن هنا فان عمليه التخطيط للكوارث تصبح مهمة جدا وذلك لأنه في ظل غياب التخطيط والاستعدادات يمكن للأحداث الصغيرة إن تؤدي إلي تأثيرات كبيره وخطره وتصبح الحوادث كوارث 0
والهدف المنشود من التخطيط لمواجهه الكوارث يتمحور في القيام بعمليه استقراء مستمرة للإحداث المحتملة والتي يمكن إن تؤدي إلي وقوع تهديدات وكوارث في المستقبل بغيه تجنبها أو تحديد كيفيه السيطرة والتغلب علي المشكلات التي تنتج عنها وذلك من خلال التدريب وتوفير الموارد المادية والبشرية اللازمة لذلك 0
فكل كارثة يتولد عنها مجموعه من الاحتياجات التي يجب علي المعنيين الاستجابة لها من خلال عمليات التخطيط المسبق ومن هنا فإنه يتوجب علي المخططين والقائمين علي شئون الكوارث إن يدركوا إن عمليه التخطيط المسبق تحكمها مجموعه من المبادئ العامة التي يجب العمل علي تحقيقها حيث تتحدد بلك المبادئ في التالي 0
-إن يتم تكييف الخطة الموضوعة مع أنماط سلوك الإفراد في المجتمع وليس العكس 0
أن يكون التخطيط عمليه مستمرة وليست نهاية تنتهي بمجرد إعدادها 0
- إن يعتمد التخطيط علي توقعات دقيقه مبنية علي سلوك الإفراد في الكوارث 0
- أن يعتمد التخطيط علي وضع سيناريوهات لما يمكن أن يحدث 0
- إن يقوم التخطيط علي نظام اللامركزية إلي جانب المراقبة والقيادة اللامركزية 0
- ونخلص من هذا إلي ضرورة وجود تكامل بين أنشطه التخطيط للكوارث وأنشطه التخطيط العادية في المجتمع فالتخطيط للكوارث يختلف عن مفهوم أداره الكوارث إذ إن التخطيط للكوارث يشير إلي ألاستراتيجيه الكلية بينما تشير أداره الكوارث إلي التكتيكات التي يجب إن تتخذ في موقف معين 0
- وإذا أخذنا في الاعتبار إن سلوك الإنسان الإداري والاجتماعي والاقتصادي يمكن إن يؤدي إلي تفاقم مشاكل البيئة أو تلوثها أو بسبب سوء استخدام ماهو متاح من موارد طبيعيه وبيئيه فإن الكثير من هذه الكوارث يمكن تجنبها أو علي الأقل التقليل من أثارها والاستعداد لها إذا تم تطبيق المفاهيم الحديثة في التنمية 0
- مواجهه الكوارث
- إن وقوع أيه كارثة يعني وضع النظام العام أي السلطة في الدولة في أزمة تحتاج إلي أليه خاصة للتعامل معها والسيطرة عليها ومعالجه ماينتج عنها من أثار والي جهد كبير في التخطيط لمواجهتها وتوقع حدوثها والتعامل معها 0
- وتتطلب تلك الأليه القيام بحصر الكوارث المتوقعة ومقارنتها بمثيلاتها التي وقعت في دول أخري والاستفادة من الكفاءات العلمية القادرة علي فهم الإشارات التح زيريه وإجراء التحليلات العلمية ثم ترتيب هذه الأزمات المتوقعة بعد حصرها حسب قيمتها الاحتمالية وحجم الخسائر والإضرار ابشريه والمادية الناتجة عنها وتوفيرا لبيانات الكافية عن كل هذه الكوارث بشكل منفصل حني تسهل السيطرة عليها 0 ويكون ذلك الإعداد بمثابة الركيزة التي يمكن من خلالها الإعداد المسبق للتعامل مع إيه كارثة حين وقوعها وذلك علي مستوي كافه مؤسسات الدولة 0
- فإذا ماتعلق الأمر بمواجهه كارثة طبيعيه كالسيول أو الزلازل مثلا فإن الأمر يتطلب الحد من الآثار المأساوية مما يستلزم تعبئه كافه الإمكانيات تعبئه كليه وشامله لاحتوائها والسيطرة عليها وهنا تبرز أهميه الإعداد المسبق في التعرف علي أماكن ومناطق الزلازل والسيول وتحديد وتقدير مدي تعرض كل مناطق السيول للخطر وكثافة الإمطار التي تهبط عليها ثم تحديد عدد السكان والمرافق التي تخدم التنقل بصفه عامه وكذلك مرافق البنية الاساسيه من محطات مياه وصرف صحي ومحطات كهرباء ومعدات إنقاذ ومراكز الإطفاء وإعداد السيارات بها وإعداد المستشفيات والفنيين المختصين ومراكز الإسعاف وغرف العمليات وبنوك الدم 0
- كما تتطلب البيانات المطلوبة توافرها أيضا تحديد الأماكن المفترضة لايوام المنكوبين من مدارس ومراكز شباب وارض فضاء يمكن استغلالها لأقامه معسكرات للإيواء العاجل عليها والخدمات المفترض توفيرها وكذلك الإمكانيات البشرية والفتيه المطلوبة الاستعانة بها وقت حدوث الكارثة من فنيين وسيارات وأجهزه لمخاطبه المنكوبين تحت الأنقاض وسيارات أعاشه ينقل إليها المصابين ومدي الاستعانة بإمكانيات المناطق المجاورة والسرعة المطلوبة لتوفير الخدمات وتحديد التوقيت الزمني التقريبي لوصول أيه سيارة أو معده من هذه الأماكن والاحتياطات المطلوب اتخاذها في حاله انهيار أو تصدع المباني 0000الخ
- ومن اجل الاستعداد لمواجهه الكوارث الطبيعية وما ينتج عنها من إضرار وخسائر أو الحد من أثارها فإن الأمر يتطلب مالي 0
1- علي المستوي المركزي للدولة 0
ضرورة قيام كل وزاره معنية بإعداد خطه مركزيه تستند علي بيانات كاملة لكافه الإمكانيات المتاحة وماهو متطلب منها وتدبيره سواء لسد العجز أو لتوفير المعدات الحديثة التي يمكن استغلالها وقت حدوث الكارثة 0
-ضرورة وجود التنظيمات اللازمة بكل وزاره معينه لكي تقوم علي أداره وتنفيذ ومتابعه هذا العمل المهم والتخطيط الدائم له مع العمل علي تحديث وتعديل المعلومات والخطط 0
-ضرورة وضع سبل الاتصال الدائم بين كل وزاره والجهات المختصة في كل وزاره من خلال اللجان المعينة بهذا الأمر مع تذليل المشاكل والصعوبات لكي يتم تنفيذ الخطط الموضوعة علي المستوي المحلي بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والاداء0
2- علي مستوي المحافظات0
- ضرورة إعداد خطط لمواجهه الكوارث وكيفيه التعامل معها علي ضوء الإمكانيات المتوافرة بالمحافظة من تجهيز سيارات إطفاء وإسعاف ورافعات وعماله فنيه مدربه علي مختلف التخصصات مه الأخذ في الاعتبار مدي التأثير الذي قد يلحق بالمحافظة عند حدوث كوارث طبيعيه 0
-ضرورة قيام كل محافظه بإلاعداد المسبق للخطط مع مراجعتها كل فتره زمنيه ( ولتكن ثلاثة شهور )للتأكد من أمكانيه تطبيقها مع سلامه الإجراءات المحددة لها وأيضا لتحديث بياناتها ولإدخال مايطرأ عليها من تعديلات 0
-ضرورة تكوين لجان في كل محافظه تتولي مسئوليه إعداد الخطط وأدراه الازمه وقت حدوثها وتكون بمثابة حلقه الوصل بين كل من الوزارات المعنية والمحافظات المجاورة للاستعانة بامكانياتهاوالتنسيق المتبادل بينهما عن طريق الاتصال بالوزارات المعنية عند الضرورة 0
بقي إن نذكر في هذا المجال إن الأمم المتحدة أنشأت عام 1972م مكتبا لمساعده الدول في مواجهه الكوارث ويسعي هذا المكتب إلي 0
-إعداد الدراسات اللازمة للوقاية وللتنبؤ بوقوع الكوارث الطبيعية عن طريق أجهزه الرصد والتنبؤ 0
- رفع مستوي التخطيط في الدول لمواجهه الكوارث الطبيعية
تنسيق المعونات الدولية لضمان وصول تلك المعونات العاجلة من الهيئات ومنظمات الاغاثه إلي الدول المنكوبة 0
كما أسست منظمه يطلق عليها المنظمة الدولية الميترولوجيه WMO لمراقبة الطقس العالمي عن طريق إنشاء نظم مبكرولتحديد أثار السلوك الانساني علي المناخ وضبطه ولتطوير اجهزه يمكن بواسطتها اختبار كافه المظاهر الجويه اما اذا اردنا ان نجسد معني الكارثه فإن اقرب ما يتبادر الي ذهننا في هذا المجال كارثة احراق ابار النفط الكويتية التي ستأتي علي ذكرها بشئ من التفصيل:
كارثة إحراق آبار البترول الكويتية:
حرصنا في هذا الباب علي أن نورد كارثة إحراق ابار النفط الكويتية عام 1991م لسببين : أولهما إن هذه الكارثة تارخية لم يسبق للعالم أن شهد كارثة مماثلة لها ، وثانيهما للدلالة بمثال حي علي كارثة لم تحدث لأسباب طبيعية بل من صنع البشر
وقد بدأت قصة هذه الكارثة قبيل أن تمني القوات العراقية بهزيمة عسكرية بعد غزوها لدولة الكويت ، حيث ان الرئيس العراقي ومعاونوه قد أعدو العدة للإنتقام من الشعب الكويتي والعالم لأنهم قاوموا الإحتلال وأخرجوهم من الكويت عنوه بعد أن فشلت جميع الجهود الدبلوماسية لإخراجهم منها بالحسنى .
فأصدروا تعليماتهم للمهندسين العراقيين المختصيين بوضع عبوات متفجرة في ابار النفط الكويتية بحيث لا يسلم أي بئر من التفجير ووضعوا لهذا الغرض شبكات موقوته مرتبطة بكل خمسة ابار مجتمعة تم توقيتها لتنفجر بعد تركيبها علي مدى – (3-6) ساعات ليسهل تفجير عدد هائل من الأبار في وقت قصير
نسبيا وحرصوا علي أن يكون التفجير ف الصمامات الموضوعة علي رأس الابار لأنها تتحكم في الإنتاج.
وإمعانا من القيادة العراقية في إلحاق الضرر الفادح في الابار فقد قامت بتوزيع خطة التفجير علي أفراد عديدين بحيث تتولي وحدة خاصة تفجير كل خمسة ابار حتى تكون نسبة الخطأ قليلة والتدمير أكبر ، وقد تمت عملة التفجير
أما بالكهرباء أو بالفتيل الفوري أو بفتيل متفجر ، كما قامت وحدة اخري من الجيش العراقي بزرع الألغام حول الأبار وذلك لإعاقة عملية إطفائها .
وتسببت هذه التفجيرات في إدرام النيران في أكثر من (700) بئر نفطية مما أسفر عن ثقب ملاين البراميل من البترول فوق سطح مياة الخليج وأدي إلي حدوث كارثة بيئية لم يشهد العالم لها مثيل ، حيث بلغ عدد أبار النفط اليبها تي تم تفجيرها وتخريبها بشكل متعمد (1120) بئرا موزعة علي (11) حقلا وبلغ عدد الأبار المشتعلة منها والتي كانت تنفث سمومها في الهواء (639) بئرا وهذه كانت تشتعل بثلاثة أشكا مختلفة ، فالمجموعة الأول منها كانت تنفث نفطا دون إشتعال والثانية كانت تشتعل وتنفث دخانا أبيض والثالثة كانت تشتعل وتنفث دخانا أسود وهذا التنوع يرجع بالدرجة الأولي إلي كيميائية الإحتراق ونسبة المياة مع النفط ، أما عدد الأبار التي كانت تنزف فقط دون إشتعال فقد بلغ عددها (42) بئرا بينما بلغ عدد الأبار التي تدميرها بشل كامل حوالي (439) بئرا كما بلغت نسبة الأبار التي تم خريبها (72%) من إجمالي (1558) بئرا وهي عدد الأبار الكلية التي تم حفرها في حقول الكويت المختلفة حتى 1/8/1990م ، منها (861) بئرا منتجة.
هذا بالإضافة إلي الكميات الهائلة من النفط التي تم ضخها إلي مياة البحر وقد قدر الخبراء طول البقعة النفطية التي تسربت للخليج بما يقارب 35 ميلا (56 كم) وعرضها عشرة أميال (16 كم) وكانت تتحرك بإتجاة شواطئ المملكة العربية السعودية بسرعة (15 كم) في الساعة ، كما قدرت الكمية التي ضخت في مياة الخليج أيضا بما يذيد علي 11 مليون برميل نفط ، ويعد التلوث بمياة الخليج نتيجة تلك البقعة الضخمة من الزيت التي تسربت قبالة الشواطئ الكويتية أكبر تلوث من نوعة في التاريخ حتى الأن ، حيث قضي علي عدد كبير من الكائنات الحية النادرة التي لم تكن موجودة إلا في الخليج فقط .
وقد تباينت التقديرات حول حجم الضرر الذي أصاب المواطنين والبيئة بسبب حرائق النفط حيث أكد عدد من العلماء أن ما استنشقة الإنسان من هواء ملوث أثناء إشتعال الأبار يعدل في ضررة تدخين (500) سيجارة يوميا.
وعن كثافة الدخان ذكر العلماء أن السحابة التي تكونت نتيجة الدخان المتصاعد بلغ عرضها (10) أميال وقد اتسعت حتى وصلت إلي (100) ميل غطت مساحات كبيرة ، وكان لها تأثير مباشر علي مناخ الخليج بصفة عامة كما أن إرتفاع السحب خلال شهر مايو ويونيو 1991م تراوح بين (1000 – 10.000) قدم ، والخطر في هذه الأدخنة المتصاعدة هو إحتوائها علي كمية من الغازات السامة ، وقد حولت هذه الكارثة بكل أبعادها سماء الكويت ومنطقة الخليج العربي بصفة عامة إلي ظلام أسود ورمادي ذي تأثير خطر علي إشعاعات الأرض علي المدي الطويل وهو الأمر الذي حزر منه الخبراء من إنعكاساته المستقبلية ليث علي الكويت فحسب بل علي منطقة الخليج وإيران والعراق نفسها والأردن وسوريا ولبنان .
وإلي جانب التلوث الفضائي كان هناك تلوث أخر تسببت فيه تلك الحرائق النفطية وهو تلوث الأرض والتربة بالزيت نتيجة الحيرات والبرك النفطية والذي كان له تأثير بالغ علي الحياتين النباتية والحيوانية والمياة الجوفية في الكويت بصورة واضحة.
وكان من بين أسباب تلوث البحيرات والبرك النفطية وجود ابار نازفة تم تفجيرها دون أن تشتعل فيها النيران مما سبب إندفاع النفط الخام من باط الأرض إلي السطح ، ووجود بعض الأبار التي إشتعلت النيران فيها من الجوانب، إضافة إلي الأبار التي تركت تنزف بعد إطفائها لفترة زمنية تمهيدا لتبريدها بالمياة.
وكان الإحتياطي المجود من النفط الخام في الأراضي الكويتية بقدر بــ(200) بليون برميل ، وكان ما تسطيع الكويت إنتاجة هو ( 100) بليون برميل أي نسبة (50%) وهي نسبة عالة جدا مقارنة ببعض الدول التي لا تتجاوز امكاناتها في الإنتاج نسبة (31%) . وقد ذكر خبراء في النفط أن حرائق الآبار نتج عها تسرب نفطي خلال الثمانية أشهر (مدة الإحتلال) بقدربـ(6) ملايين برميل يوميا يضاف إليها إنخفاض الضغط الجوفي وتسرب المياة ، وبذلك يكون تلك الكارثه قضت علي مايترواح بين (4-7) سنوات من العمر الانتاجي للاحتياط النفطي الذي تملكه الكويت والذي يزيد عن مائه عام 0 هذا اذا مااضفنا الي ذلك توقف صادرات النفط خلال فتره الغزو والتي اسفرت عن حجب النفط الكويتي عن الاسواق العالميه وهو مايعادل حوالي (816)مليون برميل من النفط خلال (209)ايام وهي عدد ايام الاحتلال العراقي لدوله الكويت 0
واذا ماترجمت تلك الارقام الي عملات نقديه نجد ان تقدير الشركات للنفط الذي كان يحرق يوميا هو ( 47)مليون دولار ، وقدرت كميه النفط المحترقه بما يعادل ثلث ماتستخدمه الولايات المتحده الامريكيه يوميا حيث وصلت الخسائر الي مليار دولار كل (7-10)ايام كما قدرت كميه لنفط التي تسربت للصحراء خلل (9) شهور بــ (900) مليون برميل ، وهي كميه تكفي لتزويد الولايات المتحده بالنفط لسنوات طويله 0
وقد ساهمت مجموعه من دول العالم في اطفاء النيران والقضاء علي التلوث البيئي الذي نتج عن هذه الكارثه المروعه حيث كانت هناك مساهمات من الولايات المتحده الامريكيه وروسيا واليابان والمانيا وفرنسا ودول اخري غيرها 0
كما تم اتباع جمبع الاساليب العلميه والتكنولوجيه الحديثه في اخماد النيران واطفاء الابار المشتعله وكذلك التحكم في عدم توسع بقعه النفط المتسربه الي مياه الخليج ، وذلك عن طريق توفير المياه بكميات كبيره وتوجيه تيار ماء تحت ضغط عال لاطفاء الابار المشتعله واستخدام المتفجرات بكميات كبيره وجلب الرافعات التي تم استخدامها في عمليه ردم الارض المحيطه بالبئر لتسهيل عمليه الاقتراب تدريجيا من فوهه البئر المشتعله ، وقد قدر الخبراء ان احتياجات البئر الواحد من الرمال والاتربه وصلت الي (500) شحنه وحوالي نصف مليون غالون من المياه و(200) معده جاهزه للاستخدام الي جانب طاقم كبير من الفنيين والعمال ومجموعه من الاطباء 0
كما تم تقسيم عمليه السيطره علي الابار المشتعله الي ثلاث مراحل :
الاولي : تبريد البئر والمنطقه المحيطه به عن طريق ضخ اكبر كميه من المياه بصوره متواصله تحت ضغط عال 0
الثانيه : السيطره علي النفط المتدفق بواسطه انزال انبوب من الصلب يتم دفعه اليا تجاه الانبوب لسد فوهته المشتعله
الثالثه : تركيب الصمامات النهائيه التي يتم من خلالها السيطره علي اي تسرب نفطي او غازي 0 كما بلغ المتوسط المالي لتكاليف اطفاء البئر الواحد حوالي (5) مليون دولار وقد وصلت التكلفه في بعض الابار الي (2) مليون دولار حبث ان التكلفه اختلفت من بئر لاخر ، كما قدر المعدل النهائي للتكاليف التقديريه اليوميه لعمليات الاطفاء والسيطره علي الابار النفطيه المشتعله بحوالي ( 1,662,000) دينار كويتي وذلك استنادا لاجمالي التكاليف التقديريه لكافه عمليات المكافحه والتي يمكن تلخيصها بما يلي :- 1 – تكاليف عقود الشركات المساهمه في عمليات الاطفاء بلغ (75) مليون دينار كويتي تقريبا 0
2- تكاليف عقود الخدمات المسانده المباشره بلغت (121) مليون دينار كويتي تقريبا 0
3- تكاليف عقود الخدمات غيره المباشره (290) مليون دينار كويتي ،وبالتالي فإن مجموع التكاليف التقديريه لكافه عمليات الاطفاء والسيطره علي الابار بلغت (486) مليون دينار كويتي تقريبا 0
وقد بلغ إجمالي تكاليف اطفاء الحرائق بالاضافه الي الخسائر التي سببها تدفق البترول وهدره (1،3) بليون دولار باستثناء الخسائر التي ترتبت عن توقف ايرادات الدوله من عمليات تصدير النفط ومشتقاته خلال فتره الاحتلال العراقي (9)0
هذه باختصار كارثه احراق ابار البترول الكويتيه وهي كارثه تجسد مدي الضرر الذي يمكن ان يلحقه الانسان بأخيه الانسان وبالارض التي يعيش عليها وبالبحر الذي يستمد منه كثيرا من خيراته ، والمأساه في هذه الكارثه ان مسببيها لم يستفيدوا شيئا من إشعالها الا إرضاء نزعات الشر الكامنه في نفوسهم 000فهل لنا في ذلك من عبره ؟0
هوامش الفصل الرابع
1- د .محسن احمد الخضيري – مرجع سابق – ص62 -63.
مجلة الهلال الأحمر- العدد13 –( يناير – فبراير1998 م ) – الكويت
2- د . علي عبدالرزاق ابراهيم – الآثار الإجتماعية للكوارث – ص 7 .
3- د . سمير رجب وغريب عبدالحميد – نموذج مقترح لنظام الوقاية من كوارث البيئة الصناعية – ص 3 – المؤتمر السنوي الأول – مرجع سابق .
4- مجلة الثقافة العالمية – الكويت – العدد 79 – نوفمبر 1996 م .
5- The Philippes In Crisis – Robert A Manning – Foreign Affairs – P.392 -410 –
Win ter 1984\85 Vol.63 No 2. Council of Foreign Relations – New Relations – New York 10021
6- دانييل ارنولد – تحليل الأزمات الإقتصادية للأمس واليوم – ص 29 – ترجمة عبد الأمير شمس الدين – بيروت – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1992 م .
7- يرجي الرجوع في هذا المجال الي الكتاب العربي الإنسان والبيئة صراع أو توفيق ؟ والذي شارك فيه عدة كتاب ( كتاب العربي – رقم 26 –يناير 1990 م .
8- د . رشيد الحمد ومحمد السنيري ومراجعة د . ابراهيم الرفاعي – الكوارث الطبيعية – سلسلة المكتبة العلمية (10) الجزء الثاني – ص 102 – 103 – الكويت – مؤسسة الكويت للتقدم العلمي 1986 م .
د . علي محمد الدمخي – للتاريخ كلمة ص 118 – 228 – الكويت – فبراير 1994 م .
9- د . جعفر عباس حاجي – آثار الغزو العراقي علي القطاعات الإقتصادية لدولة الكويت – 29 – 158 – الزهراء للإعلام العربي – القاهرة 1993 م .
مراجع الجزء الأول
( 1 ) إسماعيل فهمي – التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط – مكتبة مدبولي – القاهرة – الطبعة الثانية .
( 2 ) السنوسي بلالة – منهج الإرهاب – دار الإنقاذ للنشر والإعلام – أمريكا – شيكاغو 1991 م .
( 3 ) د . احمد ابراهيم بخيت – الكوارث والإستعداد لمواجهتها والتخفيف من آثارها – المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات – جامعة عين شمس – القاهرة أكتوبر 1966 م .
( 4 ) لواء أحمد ضياء الدين – إدارة الأزمنية الأمنية – المؤتمر السنوي الأول – جامعة عين شمس – القاهرة 1966 م .
( 5 ) أمين هويدي – إدارة الأزمات في ظل النظام العالمي المراوغ – مجلة السياسة الدولية – العدد 112 – مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية – الأهرام الفاهرة .
( 6 ) آلان بونيه – الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله – ترجمة د . علي صبري فرغلي – عالم المعرفه – العدد 172 – الكويت ابريل 1993 – المجلس الوطني للثقافه والفنون والآداب .
( 7 ) د . جعفر عباس حاجي – آثار الغزو العراقي علي القطاعات الاقتصاديه لدولة الكويت – الزهراء للاعلام العربي – القاهره 1993 م .
( 8 ) د . حسن نافعه – الامم النتحده في نصف قرن – عالم المعرفه – المجلس الوطني للثقافه والفنون والآداب – العدد 202 – اكتوبر 1995 م .
( 9 ) خالد قدري السيد – التخطيط لمواجهة الكوارث المؤتمر السنوي الاول – جامعة عين شمس – القاهره 1996 م .
( 10 ) دانييل ارنولد – تحليل الازمات الاقتصاديه للأمس واليوم – ترجمة عبد الأمير شمس الدين – بيروت – المؤسسه الجامعيه للدراسات والنشر والتوزيع 1992 م .
( 11 ) ديفيد جارنم – مستلزمات الردع – مفاتيح التحكم بسلوك الخصم – مركز الامارات للدراسات والبحوث الإستراتيجيه – دراسات استراتيجيه – العدد 2 – الطابعه الاولي 1995 م .
( 12 ) د . رشيد الحمد ومحمد السنيري – ومراجعة د . ابراهيم الرفاعي – الكوارث الطبيعيه – سلسلة المكتبه العلميه ( 10 ) الجزئ الثاني – الكويت – مؤسسة الكويت للتقدم العلمي .
( 13 ) ستيفن . أي. امبروز – الإرتقاء الي العالميه – ترجمة ناديه محسن الحسيني - المكتبه الاكاديميه – القاهره 1994 م .
(14) سمير احمد السيد – لويس كامل بشاري – الكوارث الطبيعيه وكيفية مواجهتها – المؤتمر السنوي الأول لأدراة الأزمات – جامعة عين شمس – القاهرة 1996 م .
( 15 ) د . سمير رجب وغريب عبد الحميد – نموذج مقترح لنظام الوقايه من كوارث البيئه الصناعيه – المؤتمر الثانوي الاول – جامعة عين شمس – القاهره 1966 م .
( 16 ) صالح محمد حسني الحملاوي – دور نظم المعلومات ونظم الخبره وتدعيم قرار الازمات في الصناعه المصرفيه – المؤتمر السنوي الاول لادارة الازمات – جامعة عين شمس – القاهرة 1966 م .
( 17 ) عادل السالوس – اسرائيل والقرار السياسي في السياسه الخارجيه – مجلة السياسه الدوليه – العدد ( 57 ) – يوليو 1979 – الاهرام – القاهره
( 18 ) د . عباس رشدي العماري – ادارة الازمات في عالم متغير – مركز الاهرام للترجمه والنشر – القاهره 1993 م .
( 19 ) د . عبد الرحمن رشدي الهواري – ادارة الازمات الامنيه من وجهة النظر العسكريه – اكاديمية ناصر العسكريه العليا – القاهرة 1995 م .
( 20 ) عقيد طيار عبدالله حمد – مقترح تنظيم مركز ادارة الازمات لدول مجلس التعاون الخليجي – المؤتمر السنوي الاول لادارة الازمات – جامعة عين شمس – القاهرة 1996 م .
( 21 ) د . علي عبد الرازق ابراهيم الاثار الاجتماعيه للكوارث – المؤتمر السنوي الاول لادارة الازمات – جامعة عين شمس – القاهرة 1996 م .
( 22 ) د . علي محمد الدمخي – للتاريخ كلمه – الكويت – فبراير 1994 م .
( 23 ) لواء د . عمر حسن عدس ولواء د . احمد ضياء الدين – ادارة الازمات الامنيه – بحث مشترك – مطبعة كلية الشرطه – القاهره 95 \ 1006 م .
( 24 ) د . فاروق عمر العمر – صناعة القرار والراي العام – الطابعه الاولي – الكويت 1966 م – ص ب 2503 – رمز 11143026 .
( 25 ) د . فاروق عمر العمر – محمد علي جناح سفير الوحده وقائد الانفصال – الكويت مطابع صوت الخليج – 1977 م .
( 26 ) لواء ماهر جمال الدين – التخطيت لادارة الكوارث – المؤتمر السنوي الاول – جامعة عين شمس – القاهره – 1996 م .
( 27 ) مجلة الثقافه العماليه – الكويت - العدد – (79 ) نوفمبر 1996 م .
( 28 )مجلة الهلال الاحمر – العدد 13 – ( يناير – فبراير 1998 م ) الكويت .
( 29 ) د , محسن العبودي – نحو استراتيجيه علميه في مجال ادارة الازمات – دار النهضه العربيه – القاهره 1993 م .
( 30 ) د . محسن حمد الخضيري – ادارة الازمات – سلسلة محاضرات الامارات – مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيه 1997 م .
( 31 )محمد رشاد الحملاوي – ادارة الازمات تجارب محليه وعالميه – مكتبه عين شمس 44 شارع القصر العيني – القاهره – الطابعه الثانيه 1995 م .
( 32 ) مذكرات وزارة الخارجية الامريكيه – مجلة الوطن العربي – باريس العدد 1068 – 22\8\1997 م .
( 33 ) مذكرات الدراسه الاستراتيجيه – سرية انتاج الاسلحة النوويه – دولة الكويت – نوفمبر 1997 م .
( 34 ) د . مصطفي علوي – التعريف بظاهرة الازمه الدوليه – مجلة الفكر الاستراتيجي العربي – يناير 1987 م .
( 35 ) الموسوعه السياسيه – جامعة الكويت 1994 م .
( 36 ) كتاب العربي الانسان والبيئه صراع او توافق ؟ والذي شارك فيه عدة كتاب ( كتاب العربي – رقم 27 – يناير 1990 م ) .
الجزء الثاني
الولايات المتحدة
وادارة أزمة 11 سبتمبر
مقدمة
واجهت الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر اصعب الأزمات في التاريخ الأمريكي والعالمي، ففي يوم الثلاثاء الأسود الموافق لذلك التاريخ هاجمت مجموعة من الإرهابيين رموز القوة الاقتصادية والعسكرية، فقد استخدم هؤلاء الطائرات المدنية- لأول مرة في تاريخ الإرهاب الدولي- في تفجير مبني التجارة العالمي بمدينة نيويورك، وجزء من مبنى وزارة الدفاع الامريكى في العاصمة واشنطن، وتفجير سيارة أمام مبني وزارة الخارجية الأمريكية، مما وضع الإدارة الأمريكية أمام أزمة هي الأولي من نوعها من جانبين، الأول وقوع هجوم إرهابي داخل الأراضي الأمريكية ذاتها، والثاني طبيعة الأزمة من حيث أنها تختلف في طبيعتها عن أزمات الكوارث الطبيعية، وإن هذه الأزمة مركبة، حيث إن الهجوم الإرهابي عبر عن حدث هو اختراق الأمن القومي، مما يعني أن مواجهة الأزمة تتطلب إجراءات لحماية هذا الأمن علي ألمدي الطويل، كما أن طبيعة الإرهاب من حيث انه عدو غير محدد جعل ادرارت مواجهة الأزمة تتعدى الإجراءات التقليدية في إدارة الأزمة إلي الحرب بمعناها الشامل لا استخدام القوة العسكرية خارج الحدود القومية لحماية الأمن القومي الداخلي من تهديدات عدو مجهول، في حرب أطلق عليها الخبراء الأمريكيون symmetric warfare الحرب غير المتماثلة(1). فقد أدارت الإدارة الأمريكية الأزمة علي أكثر من مستوى ، الأول مواجهة تداعيات الأزمة في الداخل الأمريكي حيث اتخذت الإدارة الأمريكية العديد من الإجراءات علي مسرح الأزمة لاحتواء تداعيات انهيار برجي مركز التجارة العالمي، والجزء المنهار من مبنى وزارة الدفاع، المستوى الثاني مستوى إدارة الحرب العسكرية ضد الإرهاب.
وسوف تركز الدراسة عل الجوانب التالية:
أولا: طبيعة الأزمة والحدث:
1- التفجيرات الإرهابية.
2- هجمات الإرهاب البيولوجي الانثراكس.
3- التداعيات الاقتصادية للحدث.
4- تحليل دلالات التفجيرات بالنسبة للأمن القومي الامريكى.
ثانيا: إدارة أزمة التفجيرات الإرهابية:
إجراءات إدارة الأزمة علي مسرح العمليات داخل الاراضى الأمريكية.
ثالثا: الحرب وإدارة العمليات العسكرية.
1- المواقف الأولية للتعامل مع الحدث.
2- الهجمات الإرهابية كعمل من أعمال الحرب.
3- بناء التحالف الدولي ومواقف الأطراف الدولية والإقليمية.
4- احتمالات تطور الحرب نحو أهداف أخرى.
5- تأثير هجمات 11سبتمبر علي مفهوم وعلم إدارة الأزمات (مستقبل إدارة الأزمة).
الفصل الخامس
طبيعة الأزمة
واجهت الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر أزمة قومية ودولية في نفس الوقت. هذه الأزمة تمثلت في الهجوم الارهابى علي رموز الهيبة العسكرية والاقتصادية الأمريكية، واختراق الأمن القومي الداخلي للقوة العظمي الأولى في العالم، هذا الهجوم الذي استخدمت فيه الطائرات المدنية لتفجير أهداف محددة، في طريقة جديدة ومبتكرة في تنفيذ الاعتداءات الإرهابية تعد أعقد الأزمات في التاريخ إدارة الأزمات من ناحية، وفي تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، وسوف يتم تفصيل جوانب الأزمة في النقاط التالية:
1- التفجيرات الإرهابية.
2- الهجمات البيولوجية (الانثراكس).
3- الآثار الاقتصادية للأزمة.
4- تحليل دلالات التفجيرات الإرهابية بالنسبة للأمن القومي الامريكى.
1-التفجيرات الإرهابية
في صباح يوم الثلاثاء الموافق الحادي عشر من سبتمبر قامت مجموعة من الإرهابيين، عملوا في زمر من أربعة إلي خمسة أشخاص، باختطاف أربع طائرات مدنية غادرت مطارات في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهذه الطائرات استخدمها الخاطفون في الهجوم عل أهداف حيوية داخل الأراضي الأمريكية علي النحو التالي:
1-الرحلة رقم 11 الخطوط الأمريكية AA الإقلاع: بوسطن: الهدف البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، وقت الاصطدام بالهدف 8.45 عدد الركاب في الطائرة 92 راكبا، نوع الطائرة بوينج 767 حمولتها 200-250 راكبا.
2-الرجلة رقم 175 الخطوط الجوية المتحدة UA الإقلاع بوسطن، الهدف البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، وقت الاصطدام بالهدف 09.59 عدد الركاب بالطائرة 65 ركبا نوع الطائرة بوينج 767 حمولتها من 200-250 ركبا.
3-الرحلة رقم 7 الخطوط الجوية الأمريكية AAالإقلاع: دالاس – واشنطن العاصمة. الهدف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وقت الارتطام 9.39،عدد الركاب بالطائرة 64 راكبا، نوع الطائرة بوينج 757، حمولتها 120-150 راكبا.
4-الرحلة رقم 93 الخطوط المتحدة UA الإقلاع نيويورك- الهدف غير معروف، سقطت في ولاية بنسلفانيا، وقت الاصطدام ( السقوط) غير معروف، عدد الركاب 46، نوع الطائرة بوينج 757، حمولتها 120-150 راكبا.
*أشارت تقارير صحفية إن هدف الطائرة الرابعة كان البيت الأبيض( المقر الرئاسي الأمريكي).
*خلال التفجيرات بالطائرات أشارت تقارير صحفية إلي انفجار سيارة بالقرب من مبني وزارة الخارجية الأمريكية.
لقد نفذت الطائرات الثلاث الأولى أهدافها بدقة بالغة حيث استطاعت الطائرة الأولي والثانية تفجير مركز التجارة العالمي الذي انهار بعد ساعتين من توقيت
اصطدام الأولي بفعل اشتعال المبني بسبب النيران التي نتجت عن انفجار الطائرات التي كانت تحمل كامل طاقتها من الوقود، كما إن أساسات المبنى مصممة من المعدن الذي لم يتحمل درجات الحرارة العالية00 مما يعني إن الطائرتين اللتين استهدفتا مبني مركز التجارة حققتا نجاحا بنسبة 100% ، واستطاعت الطائرة الثالثة تحقيق هدفها بنجاح حيث دمرت الوجهة الجنوبية الغربية من مبنى البنتاجون. وفشلت الطائرة الرابعة في تحقيق هدفها حيث سقطت في غابات ولاية بنسلفانيا قبل الوصول إلي هدفها.
2- الهجمات البيولوجية (الانثراكس)
بعد أيام على هدمتا 11 سبتمبر بدأت الولايات المتحدة في مواجهة خطر هجمات إرهابية باستخدام السلاح البيولوجي، وتمثلت هذه الهجمات في إرسال رسائل بريدية إلي أشخاص أمريكيين عاديين أو مسئولين في المؤسسات الرسمية،هذه الرسائل محملة بمادة بيضاء، عبارة عن مسحوق يحتوى على ميكروب لمرض الجمرة الخبيثة (جرثومة الانثراكس)(2)، ففي يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) تأكد وقوع 12 إصابة بالانثراكس أو الجمرة الخبيثة في ولايات أمريكية ثلاث هي فلوريدا حيث جدت أول حلة وفاة بالجرثومة، وفي نيويورك، ونفادا. وبعد هذه الحالات علق وزير الصحة الامريكى تومي تومسون ((انه الإرهاب الجرثومي))، واتسعت دائرة الخطر والهلع إلى ولايات أمريكية أخرى. مما زرع موجة من الرعب في نفوس الأمريكيين وانتشرت تحليلات كثيرة ترجح استعمال الإرهابيين أسلحة بيولوجية وكيماوية استكمالا لهجمات 11 سبتمبر بعد انتشار الرسائل البريدية في ولايات أمريكية عديدة. وكان ابرز الأشخاص الذين وصلتهم الجمرة في رسائل بريدية زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ توم داشل، ومكتب النائب الامريكى.
3- الآثار الاقتصادية للأزمة
تمثل الخسائر الاقتصادية احد جوانب أزمة الهجمات الإرهابية، فبالإضافة إلي
هذه الخسائر التي يمكن تقديرها كميا والتي تصل إلي مليارات الدولارات، تمثل الخسارة السياسية أحد الجوانب غير المنظورة اللازمة، فبالإضافة إلي اهتزاز صورة الدولة العظمي في العالم وهيبتها لدى الدول الأخرى، فأن فقد الأمريكيين المصداقية في قدرة مؤسساتهم علي حمايتهم تمثل خسارة غير منظورة من الصعب تقديرها كميا. وتعتبر هذه الجوانب في حد ذاتها أعظم نجاح يهدف الإرهابيون لتحقيقه. وجاء رد الفعل الرسمي بشن الحرب والانتقام ليقلل من هذا النجاح ويحد منه، ويرفع الروح المعنوية للأمريكيين ومؤسساتهم خاصة إن الأمريكيين كان من الصعب عليهم توقع حدوث هذه التفجيرات الإرهابية، إلي الحد الذي حدا بأحد الخبراء الاستراتيجيين بأن يصف ما حدث ( بأنه خيال علمي حدث في الواقع)(3). وفيما يتعلق بحجم الخسائر الاقتصادية فأنه من الصعوبة بمكان تقدير هذه الخسائر، لسببين الأول يرجع إلي إن تداعيات الأزمة الاقتصادية مستمرة والحرب ذاتها مستمرة، والثاني إن الأزمة ونظرا لأنها ذات طابع دول فإن لها اثأرا علي الاقتصاد الدولي. ناهيك عن إن الاقتصاد الأمريكي كان يمر بمرحلة تباطؤ واضحة منذ نهاية عام 2000 . ففيما يتعلق بحساب الخسائر الاقتصادية التي حدثت بالفعل أو تلك المحتملة سواء بالنسبة للاقتصاد الامريكى أو الاقتصاد العالمي ككل، هناك خسائر هائلة تكبدتها الولايات المتحدة بالفعل تتمثل في قيمة المباني التي انهارت أو تلك التي حدثت بها إضرار كبيرة ( يقدر أن تكلفة رفع أنقاض برجي مركز التجارة العالمي وإعادة بنائهما بنحو 40 مليار دولار)، كما ستزيد تكلفة إعادة بناء الجزء المنهار من مبنى وزارة الدفاع بما يزيد عل 100 مليون دولار، علاوة بالطبع علي قيمة الطائرات التي سقطت والبنية التحتية التي تضررت(4). اضافة إلي التكلفة التي ستتكبدها نتيجة لفرض إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلي قيمة الخسائر الاقتصادية في العمليات العسكرية، فقد اعتمد الكونجرس مبلغ (40) مليار دولار لمكافحة الإرهاب منها 20 مليار دولار للعمل العسكري، وبالإضافة إلي ما سبق فأنه حتى نهاية شهر سيتمر هناك حوالي 4964 شخص مابين قتيل ومفقود. وتتمثل فداحة الخسائر الاقتصادية في كفاءة البشرى المفقود. فقد كان هناك نحو 430 شركة من
28دولة تعمل داخل مركز التجارة العالمي. كما إن إعادة تأهيل كوادر وقيادات علي نفس خبرة ومستوى تلك القيادات التي كانت تعمل في المبنى يحتاج إلى إنفاق الكثير من ملايين الدولارات. ولولا احتفاظ الشركات العاملة في مبنى مركز التجارة العالمي بنسخ إضافية من قواعد البيانات للعملاء وحساب الشركات وبرامجها، لكانت الخسائر مضاعفة. وفيما يتعلق بخسائر القطاعات الاقتصادية المختلفة، قدرت خسائر قطاع الطيران في الأيام الأولى للازمة بمقدار 300مليون دولار بسبب توقف حركة الطيران لمدة 12 يوما متصلة، وقدرت حجم الخسائر في قطاع التأمين بنحو 17.5مليار دولار حسب تقدير وكالة التصنيف (ستاندرد اندبورز) بالإضافة إلي إغلاق بورصة ((وول سترين)) لمدة ستة أيام متصلة وهي أطول مدة تغلق فيها اكبر بورصات العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للأزمة علي المستوى العالمي نشير لها في هذا الجزء رغم عدم تعرضنا لإدارة الأزمة علي المستوى العالمي وذلك بسبب الارتباط بين الاقتصاد الامريكى والاقتصاد العالمي، ففي تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر في 26 سيتمر أكد التقرير(5). أن تأثيرات الهجوم الارهابى تتجاوز الاقتصاد الامريكى إلى الاقتصاد العالمي الذي كان قبل الهجوم يعانى من انخفاض النمو الاقتصاد في جميع مناطق العالم تقريبا وإفراز الاعتداء أثرا سلبيا على النشاط في الكثير من مناطق العالم خاصة اقتصاديات الأسواق الناشئة وبالنسبة لمعدل نمو الاقتصاد العالمي لعام 2002 فإن الأرجح إن يكون معدل
النمو العالمي أقل من نسبة 3.5%، ومن التأثيرات السلبية أيضا انخفاض المؤشرات الرئيسية في أسواق المال العالمية، فبعد الأزمة بأسبوعين انخفضت الفائدة علي الأسهم والسندات بنسبة 7 إلي 15% في الولايات المتحدة، وأوربا و5% في اليابان، واكان الوضع أسوأ حتى من ذلك في الكثير من بوصات الأسواق الناشئة خاصة في أمريكا اللاتينية وشرق أسيا، كما حدث هروب واسع النطاق إلي الاستثمار في الاسهم النوعية بدلا من الكمية وهو هروب انعكس في زيادة حادة في اقتناء سندات مرتفعة العائد وسندات الاسواق الناشئة. أما اسعار النفط فبعد ان ارتفعت عقب الهجمات مباشرة، عادت وانخفضت بشدة الي مستويات أقل بكثير من مستوياتها في 10 سبتمبر.
4 تحليل دلالات التفجيرات الأرهابية بالنسبة للامن القومى الامريكي
لقد كشفت التفجيرات الارهابية في واشنطن ونيويورك عن خلل واضح في اداء معظم اجهزة المخابرات الامريكية، وعن تصدع في منظومة الامن القومي الامريكى، وعن اختراق واضح للاجهزة الرسمية وإجراءات الامن علي الاراضى الامريكية. ويمكن الاشارة الي مجموعة من النقاط التالية:
أولا: فشل اجراءات الامن في المطارات الامريكية، فنجاح مجموعات الارهابيين في اختطاف مجموعة من الطائرات يدل علي مدى كفاءة الارهابيين مقارنة باجهزة الامن في المطارات، فقد أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكى استادا الي روايات شهود نقلت عبر مكالمات بواسطة هواتف خلوية مع ركاب علي الطائرات المخطوفة أن الارهابيين تفادوا الاجراءات الامنية واستخدموا مشارط لقطع العلب الكرتونية وأمواسا للسيطرة عل الطائرات الاربع. كما قام الخلاطفون بتهريب انواع اخرى منا لامواس عبر اجهزة أمن المطارات وبإطفاء أجهزة الاتصال بين الطائرات وابراج المراقبة تفادياً لاكتشافهم من قبل الاخيرة، ويقول خبراء أمن أنه من شبه المؤكد ان الخاطفين استطلعوا مواقعهم بعناية فاختاروا رحلات جوية ومطارات جوية تمنحهم اكبر فرصة للنجاح. ولعل الاحداث علي متن رجلة يونايتيد رقم 93 هى الاكثر وضوحا، فالطائرة من طراز بوينغ 757 التي كانت متجهة من مدينة نيويورك بولاية نيوجرسى الى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، كانت محملة باكثر مما يكفى من الوقود للطيران عبر الولايات المتحدة الامريكية، واختار الخاطفون مطارا مزدحما في مدينة كبيرة وطائرة كانت ستقوم برحلة جوية بدون توقف وتقلع في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء بعد اسبوع من عطلة عيد العمل. وهى عوامل ضمنت لهم تقريبا وجود عدد أقل من المسافرين وبالتالى وهو الاهم مقاومة أقل، ويبدو ان الارهابيين تقلوا مساعدة ارضية، فقد اشارت تقارير رسمية ان ادارة الطيران المدني الامريكي تلقت تهديدات بوجود قنابل في ثلاث او اربع طائرات وه في الجو في ذلك اليوم مما حول الانظار ومنح الطائرات المخطوفة وقتا اضافيا لتحويل وجهاتها دون ان ينتبه أحد لذلك.
ثانيا:
فشلت الاجهزة الرسمية واجهزة الانذار في التعامل مع الاحداث بعد الاصطدام الطائرة الاولي بمركز التجارة العالمى، فمن خلال النظر الى توقيتات الطائرات الاربع، خاصة فرق التوقيت بين الطائرة الاولى التى اصطدمت بالبرج الشمالى لمركز التجارة العالمى والثانية التى ارتطمت بالبرج الجنوبى، والثالثة التى هاجمت وزارة الدفاع ( الخطوط الامريكية (AA) رقم 77 وقت الارتطام 9.39صباحا أى ان الفرق بينها وبين الطائرة الثانية رقم 175 هو 36 دقيقة وهذا ضعف الوقت الفاصل بين الطائرتين الاولى والثانية، أى ان هناك طائرة رابعة كانت مجدولة ما بين الطائرة الثانية والثالثة لم تتمكن من الوصول الى هدفها، وهذا استنتاج مبنى فقط على التوقيت وربما كانت الطائرة الرابعة التى سقطت في بنسلفانيا(6)،ففروق التوقيت السابق الاشارة اليها تدل على ان ضرب البنتاجون تم بعد حوالى 54 دقيقة من ضرب البرج الاول لمركز التجارة، وبعد حوالى 36 دقيقة من مهاجمة البرج الثانى من البرج، فكيف ان البنتاجون وهو احد اقوى المؤسسات الامريكية لم يعلم بما حدث في نيويورك، خاصة ان الطائرة التى هاجمته طارت عكس مسارها نحو 46 دقيقة دون ان يعترضها أحد. وما يؤكد فشل أحد أقوى المؤسسات الامريكية ان وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد كان في مكتبه بالبنتاجون يمارس عمله المعتاد مجتمعا مع عدد من الخبراء ولم يعلم بما حدث في نيويورك(7). وما سبق يدل على وجود قصور فادح في سرعة الاستجابة للحدث وفي العامل معه برغم ان الوقت الذى استغرقته الاحداث من انحراف أول طائرة عن مسارها حتى اَخر ضربة يصل الى حوالى 54 دقيقة، وهو وقت طويل كان من الممكن فيه تجنب الضربة الاخيرة ضد البنتاجون على الاقل. ومن جوانب القصور الرهيبة في أداء الاجهزة الرسمية الامريكية في تعاملها الاولى مع الحدث ان الطائرة الثالثة نفذت هدفها ضد البنتاجون، وسقطت الرابعة ولم يتم اعتارض اى من هذه الطائرات بعد اصطدام الطائرتين الاولى والثانية بمركز التجارة العالمى، فالرحلة رقم 11 التى كان هدفها البرج الشمالى لمركز التجارة العالمية يلاحظ من مسارها ان الاتجاه بدأ شمالا عكس اتجاه الهدف وبوقت قصير، والارجح ان ارتفاعها كان منخفضا للاختفاء من التغطية الرادارية المدنية والعسكرية. أما الرحلة 145 ثانى الرحلات، فقد كان هدفها البرح الجنوبى لمركز التجارة. ويلاحظ من مسارها انها كانت متجهة للهدف وفوق اليابسة حيث تجنبت الطيران فوق الماء للامعان في الاختفاء من الرادارات المدنية والعسكرية. اما الرحلة رقم 11 وهى ثالث الرحلات التى انطلقت من مطار دالاس غرب العاصمة واشنطن وهى ثالث الرحلات من حيث الوصول للهدف، فأن اتجاهها كان مدروسا حيث بدأت بالاتجاه شرقا بعد تضييع الوقت الذى كان مدروسا دراسة دقيقة. وما يدعو للتساؤل هو ان هذه الطائرات برغم تغيير مسارها لم يتم اعتراضها، فمن المعروف ان الدفاع الجوى لا يعتبر فرعا من أفرع القوات المسلحة الامريكية ولا تمتلك الوالايات المتحدة شبكة معقدة من الصواريخ المضادة للطائرات، ولكن تعتمد في الاساس على التدخل بالطائرات لاعتراض أية طائرة تخترق المجال الجوى الامريكى من الخارج، ومن المفترض أن أية طائرة تعمل على الخطوط الداخلية وتنحرف عن مسارها لابد من مخاطبتها والتعامل معها واسقاطها اذا لم تستجب للاوامر المواجهة اليها(8).
ثالثا: كشف الحدث عن قصور معلوماتى وفضل مخابراتى فادح في اكتشاف عملية طويلة ومعقدة كان من الممكن احباطها اثناء مراحل التخطيط والتدريب والاتصال بين افرادها. فقد ذكرت العديد من التقارير الصحفية ان السفارة الامريكية في الارجنتين نقلت الى الاجهزة المعنية في واشنطن انذارا قبل الهجوم بفترة بأن علملا خطيرا سوف يستهدف المصالح الامريكية، كم ان العديد من تقارير أجهزة المخابرات علي درجة عالية من السريه تحدثت عن عمل من هذا القبيل(9)، بالاضافة الى ان بعض الاشخاص الذين أعلن عن انهم متورطون في الهجوم ويتبعون تنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن كانت قد صدرت توصيات رسمية الى الاجهزة الرسمية الامريكية بمنعهم من دخول الاراضى الامريكية، إلا أن هذه الاجهزة الامريكية لم تأخذ بهذه التوصيات، وبعد الحادث بدا كل منها في اعلان عدم مسئوليتها والقاء المسئولية على الاجهزة الاخرى، ولقد أثار الحدث العديد من الأسئلة عن أداء وكالات المخابرات الأمريكية (CLA) برغم الكفاءة المشهود بها لمديرها جورج تينت.، وم هذه الاسئلة عن مدى جدوى الاعتماد على التكنولوجيا واهمال العنصر البشرى؟(10). ففى حديثة أمام الكونجرس انتقد العضو الجمهورى في لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب RICHARD SHELBY المخابرات المركزية(CLA) ومديرها جورج تينت وقال: (إذا لم يكن لدينا معلومات موثقة فهناك شئ خطأ، واذا كانت لدينا معلومات موثقة ولم نتصرف فأن هناك شيئا خطأ) وقد قارن المحللون والخبراء الفشل المخابراتى في توقع احداث 11 سبتمبر بفشل المخابرات الامريكية في توقع ما حدث في بيرل هاربر في 4 ديسمبر 1941(11)، فقد كانت هناك مناقشات موسعه قبل الحادثين حول هجوم غير متوقع، ولكن كيفية هذا الهجوم كانت غير مقدرة، وابرز النتائج التى استخلصها الامريكيون من أحداث 11 سبتمبر هي ضرورة النهوض بالعنصر البشري وعدم الاعتماد بشكل كامل على التكنولوجيا الحديثة ويقول الخبراء إنه قبل أن ينشأ جورج تينت مدير المخابرات الحالي مدرسة للتحليل داخل المخابرات الأمريكية لم يكن هناك أي تدريب أو برنامج رسمي للمحللين (12) . ويرجع تركيز المحللين على هذا الجانب إلى وجود
عديد من الإشارات حول وقوع هذه الأحداث وتم تجاهلها وفي تحليل لأحد الخبراء حول هذا القصور أشار إلى مجموعة من تصريحات مدير المخابرات حول نشاط الإرهابيين (13) على النحو التالي :-
1- تصريحات مدير المخابرات المركزية أمام اللجنة العسكرية في مجلس النواب في 2 فبراير 1999 كقوله : (إن أسامة بن لادن يركز جهوده وخططه لهجمات ضدنا ، إن أسامة بن لادن يهدف إلى إخراج القوات الأمريكية الموجودة في الخليج وسوف يهاجمنا في أي موقع في العالم).
2- تصريحات مدير المخابرات أمام لجنة المخابرات في مجلس النواب في 7 فبراير 1999.التي قال فيها: (إن الإرهاب أصبح الآن أكثر تطوراً وتعقيداً فيما يتعلق بالناحية التكنولوجية، ويهدف الإرهاب إلى مهاجمة أهداف حيوية تمكنه من إحداث خسائر جسيمة).
3- تقرير مجلس المخابرات القومي في ديسمبر 2000 حول تقيم الاتجاهات العالمية حتى 2015 (14) والذي أكد على.
1- إن الإرهاب عبر القومي Transnational Terrorism هو أحد خطط الإرهابيين الآن وإلى عام 2015 فإن الإرهاب سوف يزداد تعقيداص وسوف يخطط لإحداث خسائر فادحة ، وإن اتجاهات الإرهاب التي تهدف إلى إحداث دمار كبير سوف تستمر.
2- استهداف البنية التحتية "سوف يسعى الإرهابيون إلى سبل وطرق جديدة لتهديد الأمن القومي الداخلي للولايات المتحدة ، فقد يستهدفون البنية التحتية القومية في الولايات المتحدة سواء شبكات الاتصالات، النظام المالي والاقتصادي ، شبكات الطاقة ، وسوف يتم الهجوم بشكل مادي أو الكتروني" . ومما سبق يمكن الاستنتاج بأن كارثة 11 سبتمبر ترجع جزئياً إلى فشل مؤسسة الاستخبارات الأمريكية في توقع الحدث برم كل المؤشرات والاحتمالات حول حدوثه ، كما أن طبيعة الحدث أدت إلى إرباك وشل كل المؤسسات ويسطر الرعب والخوف على أدائها مما جعل الاستجابات الأولية للتعامل مع الحدث ليست بالمستوى الكافي ومن خلال الحديث عن تقييم أسباب
الكارثة ، وجهت انتقادات عديدة لأجهزة المخابرات ، وقد تم ا براز مشاكل أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة مثل :
1- أن أجهزة المخابرات تعاني من ع دم وضوح أولوياتها.
2- أن أجهزة المخابرات تعاني من انعدام المركزية الإدارية مع وجود والعديد من المؤسسات والبرامج المتنافسة.
3- الاعتماد المبالغ فيه على التكاليف العالية والأنظمة التكنولوجية الحديثة والتي غالباً ما تتغير بسرعة.
4- انعدام القدرات التحليلية فيما يتعلق بالثقافات واللغات الاجنبية.
5- عدم التوازن بين البيانات التي يتم جمعها والقدرات التحليلية.
6- أن أجهزة المخابرات تعاني من ضعف في أداء العنصر البشري.
*- وقد قدم خبراء الأمن والمخابرات مجموعة من التوصيات لإصلاح أجهزة المخابرات منها :-
1- تحديد أولويات وسياسات واضحة.
2- ايجاد قيادات إدارية قوية.
3- تقوية وسائل التحليل الاستراتيجي وأساليب التوقع.
4- تقوية القدرات التحليلية.
5- النهوض بقدرات العنصر البشري والاعتماد المكثف على ذلك العنصر.
رابعا: عبرا احداث 11سبتمبر عن انكشاف الامن القومى الامريكى، ودلل النجاح الذى حققه الارهابيون في تنقيذ مهامهم على أن الامن القومى الامريكى مخترق الى ابعد الدرجات. فهذا النجاح يثير مجموعة من الاسئلة حول كيفية نجاح الارهابيين في اختطاف هذا العدد الهائل من الطائرات؟، وكيف حدد الارهابيون اهدافهم بهده الدقة البالغة؟ وكيف استطاع الارهابيون اختراق كل الاجراءات الامنية في الطائرات؟، وخلاف ذلك من الاسئلة التى تلقى بظلالها عند الحديث عن احداث 11سبتمبر، وقد خصصت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى الجلسة النهائية (السادسة) ضمن جلسات المشروع البحثي(أثر ثورة المعلومات على السياسة العالمية) لموضوع الأمن القومي وحرب العلومات وعقدت الجلسة قبل احداث سبتمبر يوم 13 يونيو 2000 ثم عقدت محاضرة كامتداد لها بعد الاحداث عن حفظ الامن القومى في عصر الارهاب في 26 سبتمبر 2001.(16) وقد كان من ابرز ما نوقش في الجلستين مايلى:
1-أكدد. ويليام ج.دريك رئيس مؤسسة كارنيجى للسلام خلال الجلسة الاساسية في يونيو على مايلى:
(أ) أن ثورة المعلومات قد رفعت التهديدات الجديدة بالنسبة للامن القومى، فى ظل هشاشة شبكات المعلومات والبنى التحتية الهامة الاخرى.
(ب) أن على الولايات المتحدة – لمواجهة تهديدات من هذا القبيل خاصة حرب المعلومات وتأثيرها على القوات الامريكية ان تحتفظ بمكانتها كقائد تكنولوجى لثورة المعلومات، وان تحتفظ باضخم سعة لحرب المعلومات.
(ج) أن هناك توزيعا غامضا للمسئولية بين كيانات الحكومة الامريكية التي تتعامل مع التهديدات، وان الطريقة الحالية فيما يتعلق بامن المعلومات غير فعالة، وان الحكومة تتعامل مع المشاكل بمجرد ان تحدث لكن من الضروري توجيه اكبر قدر من الطاقة والامكانيات للاجراءات الوقائية، وان المشكلة في عصر المعلومات ان تلك التهديدات لا تنساب بسهولة الى مستويات الامن التقليدية، وان الوكالات المختلفة تشعر ان مسئولية الرد لا تقع على عاتقها.
(د) إن اتساع الولايات المتحدة يسبب لها ضعفا، وان اعداءها قد يدفعون الولايات المتحدة الى تعديل مسار انفاقها من الإنفاق على التطور التكنولوجى الجديد الى الدخول في حرب روتينيه نسبية مما يجعل اعداءها في ظل الحرب التقليدية يطورون امكانياتهم التكنولوجية، فقد تطور الدول الاخرى أو مجموعات الارهابيين قدرتها على مهاجمة الولايات المتحدة بتكاليف منخفضة فعلى سبيل المثال قد يطور الارهابيون قدرة الاسلحة البيولوجية لتوقف عجلة الاقتصاد في الولايات المتحدة.
2- ربط المشاركون في الجلسة التى عقدت في 26/9/2001(15) بين نجاح الارهابيين في تحقيق اهدافهم واختراقهم للامن القومى الامريكى وبين ثورة المعلومات على النحو التالى:
1- أكد د. ويليام دريك من مؤسسة كارنيجى المنظمة للمشروع على النقاط التالية:
(أ) ان ازمة الامن القومى الامريكى الحلية ترتبط بالعلاقة بين ثورة الملعومات العالمية والارهاب العالمى والعولمة، وأن المنظمات الارهابية تنجح في تحقيق اهدافها بفاعلية اكثر مما مضى لانها تستخدم الادوات التكنولوجية الحديثة، فمن خلال الشبكة العالمية وتكنولوجيا المعلومات يستطيع الارهابيون القيام بعملياتهم على نطاق عالمى من خلال تنسيق المعلومات وتحويل الاموال وغيرها من الأعمال التى تتم عبر الدول من خلال شبكة المعلومات، وان حماية الامن القومى الامريكى تعنى ان على الامريكيين ادراك انهم فى حلة حرب ليس مع أمة، ولكن مع شبكة تتضمن خلايا مستقلة على مستوى العالم وان تعقب والقضاء على هذا النوع يختلف جوهريا عن مواجهة اشكال الحرب التقليدية.
(ب) لمواجهة الارهابيين وتهديداتهم للامن القومى يجب تجميع قاعدة بيانات عن كيفية استخدام الارهابيين للمعومات ولتكنولوجيا (ايتكس) لتنظيم أنشطتهم، كما يحب تحديد التهديدات التى تواجه الامن القومى الامريكى نتيجة لاستخدام هذه التكنولوجيا؟
(ج) إن السؤال المهم هو ماذا يمكن للولايات المتحدة ان تفعل رداَ على هجمات 11سبتمبر؟ وكيف ستتعامل مع فرض حالة الطوارئ في البلاد؟ وما هى جهود مراقبة برامج المعلومات؟ وما هى السياسات التى ستتبعها الولايات المتحدة في التشفير، وكيف يمكن الموازنة بين الحاجة الى تقوية الامن القومى وزيادة امكانيات المخابرات القومية.
2- أكد د.دورش دينينج استاذ علم الكمبيوتر في جامعة جورج تاون ومدير معهد جورج تاون لتكنولوجيا المعلومات على ان الارهابيين كانوا ولا زالوا يستخدمون في انشطتهم طرقاً متعددة مثل استعمال نظام ايتكس، وأنهم ويحددون اهدافهم من خلال شبكة المعلومات لتحديد طبيعة المواقع اذا كان موقعا عسكريا، او شبه عسكرى أو موقع مخابرات. والمثال الابرز علي نجاح الارهبابيين في استخدام التكنولوجيا الحديثة هو استخدام الارهابى رمزى يوسف الذى شارك في تفجيرات WTC في 1993 لتكنولوجيا التشفير لاخفاء المعلومات عن شاشة الكمبيوتر، حيث وجد رجال الامن حاسبا اَليا محمولا في مخبأه في مانيللا يحتوى على شفرة ملفات ومعلومات عن خططه لاختطاف 11 طائرة تجارية واغتيال البابا.
خلاصة ما سبق ان هذه الازمة المعقدة تعد أزمة وفريدة. فهذه الازمة لها بعد قومى يرتبط بحدوثها على الاراضى الامريكية، وبعد دولى يرتبط بالحرب على الارهاب خارج الوالايات المتحدة وما تتطلبه اجراءات تلك الحرب، كما ان لهذه الازمة تداعيات سياسية فيما تتعلق بقضية الديمقراطية والامن القومى، وما اذا كانت حماية الامن القومى تتطلب اجراءات قمعية تحد من الحريات المدنية على غرار ما يحدث في العالم الثالث، أم ان الديمقراطية تتطلب عدم المساس بحريات الافراد، كما ان للأزمة جانبا اقتصاديا يتعلق بضرورة مواجهة تداعياتها الاقتصادية. وقدا اَثرنا التعريف بطبيعة الزمة، حتى يكون هناك تمهيد للجزء الرئيسى في هذه الدراسة وهو اجراءات ادارة ازمة على المستوى الادارى والمستوى السياسى والعسكرى.
هوامش الفصل الخامس
(1)أغلب الدراسات الصادرة عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن (CSIS) كانت تستخدم هذا المفهوم.
(2)جرثومة الانتراكس هى جرثومة موجودة في الطبيعة وقلية التكلفة وفعالة وسهولةالانتشار والحفظ والتوزيع، وهى بكتريا عضوية الشكل تصيب عادة الماشية من اَكلات العشب وذات الحوافر كالخيول والماعز والاغنام الى جانب الجمال، وتنتقل من الماشيه الى الانسان اذا خالطها على نحو مستمر، ولا تنتقل الجرثومة من انسان الى اَخر وهى تنتقل من الماشيه الى الانسان بثلاثة طرق، عن طريق الجهاز الهضمى او اللمس او الاستنشاق. وتظهر اعراض المرض بعد فترة خضانة نحو اسبوعين، وفي حالة الاصابة للمستنشق تكون نسبة الموت 20% قبل تناول الضادات الحيوية، والاصابة عن طريق الاستنشاق هى الاخطر حيث يكون الموت في غضون 24 إلى 36 ساعة وبنسبة 90% أما الاصابة عن طريق الحهاز الهضمى فنسبة الوفاه 60% مالم يتم تناول مضادات حيوية في مراحل متكررة.
(3)د. أندرو كتشينز مدير البرنامج الاوربى الاسيوى والروسى في مؤسسة كارتيجى للسلام الدولى. كان يتحدث في جلسة المؤسسة عن الارهاب واعتبر ان أحداث 11 سبتمبر تفوق ما جاء في رائعة الخيال العلمى لروبرت هيلين (الاغراب في أرض غريبة).
(4)مجدى صبحى، الخسائر الاقتصادية للهجوم على امريكا، ملف الاهرام الاستراتيجى-السنة الرابعة – العدد 82-أكتوبر 2001.
(5)انظر موقع صندوق النقد الدولى على الشبكة العالمة للمعلومات WWW:IMF.ORG.
(6)طيار متقاعد، بندر بن عبد الله، مناقشة علمية في تفاصيل كارثة 11 سبتمبر، صحيفة الشرق الاوسط، 1/11/2001.
NEWS WEEK MAG 17 SEP.2001.P17(7)
(8)محمد قدرى سعيد، الدلالات العسكرية للهجوم على امريكا، ملف الاهرام الاستراتيجى بالسنة الرابعة، العدد 82- أكتوبر 2001.
(9)انظر صحيفة الحياة، أعداد 19/20,9/21.9/9/2001.
George Friedman,the intelligence war york, 19/9/2001(10)
(11)المرجع السابق.
(12)انظر موقع مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى على الانترنت .WWW.CEIP.ORG تحليل عن Pearl Harpedux16 نوفمبر 2001.
(13)انظر موقع مؤسسة كارنيجى على الانترنت:
INFORMATION REVOLAUTION AND WORLD POLمشروعWWW.CELP.ORG.
(14)انظر موقع الانترنت المخابرات الامريكية على الانترنت WW:CI.Publuiction.com
(15)WWW:Ceip.Org
محاضرة National Security and 11 sep.attaks
(16) المرجع السابق.
الفصل السادس
إدارة الأزمة
يعتبر هذا الجز هو الجزء المحوري في الدراسة علي اعتبار انه يدرس عملية إدارة الأزمة التي سبق التعريف بها ، سواء ما يتعلق منها بإدارة أزمة 11 سبتمبر أو هجمات الانثراكس ، أو العمليات العسكرية في الحرب وجميع الجوانب المتعلقة بالأزمة ، وسوف بتم التركيز في هذا الجزء على : -
أولا : ملاحظات عامة علي إدارة الأزمة
ثانيا : إدارة الأزمة وإجراءات الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي
1- إجراءات مواجهة الأزمة :
( أ ) خطة إدارة الأزمة
( ب ) تطبيق الخطة وإجراءات مواجهة الأزمة .
2 : الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي في المستقبل .
أولا : ملاحظات عامة على إدارة الأزمة
1- لم تكن الاستجابة الأولية للحدث وادارة الأزمة اللحظات الأولى لها بالمستوى الكافي او بالمستوي المنتظر من المؤسسات الامريكية صاحبه الخبرة في إدارة الأزمات ، فقد كان من الممكن تجنب ضرب البنتاجون وسقوط الطائرة الاخيرة في ولاية بنسلفانيا لو تم التعامل مع الازمة باعتبارها هجوما منذ البداية وليس مجرد خطاا في مسار الطائرات .
2- ان نجاح الارهابيين فرض على المؤسسات الامريكية حالة من الهلع والخوف ادى الى الارتباك في الاداء والعمل . كما ان اداء المؤسسات في التفاعل مع الازمة في بدايتها دلل علي انعدام الرؤية والقدرة علي التحكم في مسار التفاعلات ، وما يعبر عن الخلل في الاداء والاستجابة للازمة كيفية ادارة عملية تامين حياة الرئيس الامريكي الذي اخذ يتنقل بين اكثر من مكان ، وكذلك نائبه ، فقد بدا من التقارير الصحفية والاخبارية عن تامين حياة الرئيس ونائبة وكبار المسئولين انهم اصبحوا رهينة تصرفات الارهابيين ، واصبحت عملية تامين تامين حياة هؤلاء مرتبطة بتطورات الاحدث وليس وفق خطة مدروسة او معدة مسبقا في حالة وقوع مثل هذه الاحداث الطارئه .
3 -إن أحد اسباب انعدام الكفاءة فى الاستجابة للازمة عند بدايتها هو طبيعة تنظيم المؤسسات الرسمية الامريكية بين مؤسسات فيدرالية على المستوى القومى الاتحادى ، ومؤسسات على المستوى الوطني في الولايات . هذا التنظيم واللامركزية الامريكية حدت من استجابة المؤسسات للازمة بالقدر الكافي ، فقد ادت الازمة بهذه المؤسسات – خاصة ، على المستوى الاتحادى – الى تبادل الاتهامات عن المسئولية فى التقصيرخاصة بين جهازى المخابرات المركزية ( CIA ) ومكتب التحقيقات الفيدرالي حول اسباب الفشل في الاستجابة الاولية للازمة
4 -هذه الازمة غير متوقعة من جانب ، كما انها تعتبر من اعمال الحرب كما صنفتها المؤسسات الامريكية ( حرب داخل اراضي الوطن ) من جانب اخر ، وقد ارتبكت المؤسسات الامريكية ، الان اغلب الخطط الموجهة لحفظ الامن القومي الامريكى موجهه نحو حفظ الامن من تهديدات خارجية ، ورغم ان هناك جهودا بذلت خلال الخمس سنوات الاخيرة تتعلق بحماية الامن القومى من تهديدات داخلية يقوم بها اعداء خارجيون ، رغم كل ذلك الا ان نجاح الارهابيين فى تنفيذ المهمة قوض عمل هذه المؤسسات .
5-ان ازمة 11 سبتمبر وعملية ادارتها تمتد من المستوى القومي الامريكي الى المستوى الدولي ، فهي ازمة داخلية ذات تاثيرات دولية .
ثانيا : ادارة الازمة واجراءات الدفاع عن الامن القومي الامريكي
1- أجراءات مواجهة الازمة
أ-خطة ادارة الازمة
تمت ادارة ازمة 11 سبتمبر وفقا لخطة تحمل عنوان tergency domestic terrorism , concept of opearations plan.. State governmemt in - ( 1) هذه الخطة والتي يتم الاشاره اليها اختصارا باسم ( CONPLAN ) وتركز هذه الخطة علي تضافر جهود مجموعة من الوزارات الفيدرالية والوكالات الرسمية في العمل لتحقيق الاهداف العامة . وهذه الخطة تم تطويرها بالتعاون والتنسيق بين ست وزارات ووكالات رسمية بناء علي قرار التوجيه الرئاسي رقم 39 PD ) ، والقانون الاتحادى ، وتوجيهات المدعى العام المتعلقة بخطط مواجهة الحوادث ، والخطوط العامة للقرار الرئاسي رقم 39 ، وخطة المواجهة القومية وملحقاتها لمواجهة حوادث الارهاب ، وقد عملت المباحث الفيدرالية الامريكية ( FBI ) بالتعاون مع مجموعة من الوكالات والوزارات لتطويرها . وقد حدد قرار التوجيه الرئاسي رقم 39 السياسة العامة للخطة حيث تهدف الى رسم اطار عام لعمل المؤسسات الفيدراليه والمحلية عند مواجهة تهديد او حادث ارهابية تقع داخل U.S.A خاصة عندما يتعلق الامر باستخدامم اسلحة الدمار الشامل Destrucction ( WMD ) Weapons Of Mass كما تضع الخطة اطارا عاما حول تنسيق المسئوليات بين المؤسسات الفيدرالية في حالة وقوع عمل ارهابى . كذلك تحدد الخطة ايضا اطارا عاما لاولويات ومهام المؤسسات الفيدرالية والوكالات المحلية حسب طبيعة التهديد ، وتحدد كيفية طلب الاستشارة والدعم الفني من خلال الوكالة الاتحادية العليا ( LFA ) Lead Federal Agency لتسهيل التنسيق المتبادل في ادارة الازمة وتوابعها . وابرز ما جاء فى هذه الخطة
( أ ) حددت الخطة المؤسسات المناط بها ادارة الازمة على النحو التالي :
1- مكتب التحقيق الفيدرالى ، ادارة مكافحة الارهاب ، قسم التخطيط لمواجهة الارهاب الداخلي وذلك لادارة الازمة .
2- الوكالة الاتحادية لادارة الطوارئ ، ادارة الاستجابة ، وقسم العمليات والتخطيط وذلك لادارة توابع الازمة .
( ب ) حددت الخطة مهام المؤسسات المختلفة علي النحو التالي :
1- المدعى العام يكون مسئولا عن تطبيق ورسم السياسات التوجيهية . واتخاذ التدابير الجنائية ضد الافعال الارهابية طبقا للقانون الامريكي . وتكون وزارة العدل مسئولة عنن ادارة الازمة خاصة مكتب التحقيقات الفيدرالى .
الوكالة الاتحادية لادارة الطوارئ FEMA هى الهيئة العليا المسئولة عنن ادارة توابع الازمة ومسئولة عن وضع الخطة الفيدرالية لمواجهة وادارة وتنسيق ادارة توابع الازمة يدعمها في ذلك سلطات الدولة المحلية
2- تقدم وزارة الدفاع الدعم العسكري للهيئة العليا المسئولة والوكالة الرسمية فى كل ما يتعلق بالحوادث والهجمات الارهابية . بناء على طلب السلطات المعنية وتوجيه وزير الدفاع .
3- تقدم الوكالة الرسمية لحماية البيئة الدعم الفني سواء من الأشخاص أو المعدات فى كل ما يتعلق بمواجهة حوادث الإرهاب باستخدام أسلحة الدمار الشامل.
4- تقدم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية جميع الخدمات المتعلقة بالاحتياجات الطبية
( ج ) تتمثل اغراض الخطة فى تسهيل الاستجابة الفعالة على المستوى الفيدرالى لمواجة التهديدات والاخطار الارهابية داخل الولايات المتحدة . ويتم ذلك بناء على :
1- تأسيس هيكل لتنظم التنسيق والاستجابة الفعالة القومية للتحديات والاخطار الارهابية داخل الولايات المتحدة الامريكية .
2- تحديد الاجراءات المتعلقة باستخدام المؤسسات الفيدرالية لدعم المسئولين عن ادارة الازمة على مستوى الدولة والمستوى المحلى .
3- عدم التداخل بين مسئوليات ادارة الازمة وادارة توابعها ، وتحديد اوجه الارتباط بين المهمتين .
( د ) اهداف الخطة
1- مواجهة التهديدات والاعمال الارهابية داخل الولايات المتحدة الامريكية .
2- تحديد اطار عام ودليل لاسس ادارة العمليات فيما يتعلق بمسئوليات ادارة الازمة وتوابعها على المستوي القومي والمحلي .
3- العمل كمؤسسة للتطوير المستقبلى المتعلق بتفاصيل تخطيط العمليات والاجراءات على المستوى القومي ، المحلي .
( هـ ) حددت الخطة المؤسسات الاتحادية الاولية المنوط بها تنفيذ الخطة وهي
1- وزارة العدل ، مكتب التحقيقات الفيدرالى _ Deprtment Of Justic ( DOJ ) Federal Bureauo Of Investigation ( FBI )
2- الوكالة الاتحادية لادارة الطوارئ agement ( FEMA ) Federal Emergency Man – AG
3- وزارة الدفاع Department Of Defense ( DOE )
4- وزارة الطاقة Department Of Energy ( DOE )
5- وكالة حماية البيئة Enviromental Protecrion Agency ( EPA )
6- وزارة الصحة والخدمات الانسانية Department Of Health And Human Servic ( DHHS )
7- اعتبار الـ FBI وكالة عليا لادارة الازمة و FEMA وكالة عليا لادارة توابع الازمة
( و ) حددت الخطة مسئوليات المؤسسات الاتحادية النحو على التالي :
1- وزارة العدل ، مكتب التحقيقات الفيدرالي Department Of Justice ( DOJ ) Federal Bureau Of Ivestigation ( FBI )
أ– المدعى العام مسئول عن تطوير وتطبيق السياسات المرسومة لمنع الهجمات الارهبية .
أ- وزارة العدل تشارك مكتب التحقيقات المسئولية كوكالة عليا لادارة الازمة Lead Agency For Crisis Mangment
ج- يعمل مكتب التحيقات الفيدرالي بالتنسيق مع فريق دعم الطوارئ المحلى
Domestic Emergency Support Team ( DEST )
2- الوطالة الفيدرالية لادارة الطوارئ مسئولة عن ادارة توابع الازمة بالتنسيق والتعاون مع سلطات الدولة والسلطات المحلية ، ومن هذه المؤسسات : -
أ- مركز العمليات والمعلومات الاستراتيجية التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية
Strategic Informatim And Operatins Center ( SIOC )
ب- تشكل الوكالة لجنة مكونة من فريق دعم الطوارئ المحلى ، ومركز العمليات jojnt operations ( JOC ) ومركز المعلومات Joint in formation center ( JIC )
3- وزارة الدفاع Department Of Defense ( DOD )
أ- تعمل الوزارة كوكالة لدعم FBI فى وظيفة ادارة الازمة . ويشمل ذلك ايضا العمليات الفنية ، ودعم وكالة الطوارئ FEMA فى ادارة طوارئ الازمة ، وفقا للقرار الرئاسي رقم 12 . 3025 والقرار 12 . 2000 وبتوجيه من وزارة الدفاع
ب- المساعدات التي تقدمها الوزارة هي التقارير ، مشاركة ونقل DEST النصائح الفنية ، دعم العمليات ، الدعم التكتيكي .
ج- وزارة الدفاع تضم العديد من الوحدات ذات القدرات غير المحدودة فى التعامل مع مكافحة الهجمات الإرهابية باستخدام أسلحة الدمار الشامل مثل معهد الأبحاث الطبية التابع للجيش الأمريكي ، وحدات البحرية الأمريكية ، وحدات مواجهة الحوادث الكيماوية والبيولوجية .
- وزارة الطاقة (DOE) Department Energy
أ- تعمل الوزارة كوكالة دعم لمكتب FBI فيما يتعلق بالعمليات الفنية، ووكالة دعم لوكالة FEMA في إدارة توابع الأزمة.
ب – تقديم الدعم الفني والبشري والمعدات في النواحي المتعلقة بحوادث الإرهاب النووي والبيولوجي باستخدام أسلحة الدمار الشامل WMD.
ج – تقدم الوزارة مساعداتها في إدارة الأزمة وتوابعها مثل تقيم التهديدات ، تعيين فريق الدعم المحلي ، تقديم الخدمات الاستشارية.
5- وكالة حماية البيئة (FBE) Environment Protection Agency.
أ- تعمل كوكالة دعم لـ F B I في إدارة العمليات الفنية، ووكالة دعم FEME في إدارة توابع الأزمة فيما يتعلق بحوادث الإرهاب WDM.
ب – تقدم الدعم الفني والبشري والمعدات فيما يتعلق بحوادث الإرهاب WMD.
ج- تختص الوكالة وحرس السواحل الأمريكية United States Coast Grad (USCG) بالحفاظ على سلامة المياه الإقليمية من مخاطر التلوث خاصة الزيوت البترولية واحتواء التلوث في حالة حدوثه بالتعاون مع National Oil and Haze – arduous Substances pollution Contingency plan (NCP)
6- وزارة الصحة والخدمات الإنسانية Department of Health and Human service (DHHS)
أ- دعم FBI/FWMA
ب تقديم المساعدات الطبية.
(ز) تستمد الخطة إطارها العام من القرارات والتوجيهات التالية :
أ-القرار الرئاسي رقم 39 (PPD39) ويحدد الإطار العام.
ب-القرار الرئاسي رقم 62 (PPD62).
ج-Robert t. Stafford Disaster Emergency Assistance ACT
ح-الخطط والتوجيهات الأخرى:
أ- خطة الطوارئ الفيدرالية لمواجهة الأخطار الإشعاعية.
ب- National Oil and Substances Pollution Contingency
ت- خطة الخدمات الصحية والدعم الطبي لمواجهة الأخطار الإرهاب البيولوجي والكيماوي
ث- قرار رقم 15، 3025 حول تقديم المساعدات العسكرية للسلطات المدنية.
ج- القرارات الأخرى المتعلقة بوزارة الدفاع.
( ل ) حددت الخطة خمسة عناصر أخرى بالتفصيل هي :
(1) Lead federal Agency
(2) Requests for Federal Assistance
(3) Funding
(4) De plowmen / Employment Priories
(5) Training and Exercises
( م ) قسمت الخطة مستويات تهديد الأمن القومي الأمريكي ألي أربعة مستويات :
- مستوى رقم 4 # level تهديد عادى.
- مستوى رقم 3 # level تهديد محتمل.
- مستوى رقم 2 # level تهديد أكيد.
- مستوى رقم 1 # level استخدام أسلحة دمار شامل.
(ب) تطبيق الخطة وإجراءات مواجهة الأزمة
أ- الإجراءات العامة وإجراءات مواجهة هجمات الانتراكس.
عندما تأكدت الإدارة الأمريكية بعد الهجوم على البنتاجون أن اصطدام الطائرات بمركز التجارة العالمي هجوم ارهابى وليس خطأ في مسار الطائرات، اتخذت العديد من الاجرءات الأولية الهامة لمواجهة الأزمة، فقد أعلنت حالة الطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت إدارة الأزمة بتأمين حياة الرئيس الامريكى ونقله إلى قاعدة ((بارك سيل)) الجوية المحصنة، ونقل نائب الرئيس الامريكى وزعماء الكونجرس إلى أماكن غير معلومة، وبدأت الولايات المتحدة في إخلاء المباني الفيدرالية، البيت الأبيض، الكونجرس البنتاجون وغيرها، ووضعت القوات الأمريكية في حلة تأهب قصوى، وبعد إغلاق المجال الجوى الامريكى أغلقت الولايات المتحدة حدودها مع المكسيك وكندا، وأغلقت كذلك كل الجسور والإنفاق التي تربط جزيرة ((مانهاتن)) وأغلقت بورصة نيويورك، وطالبت الولايات المتحدة بعثاتها الدبلوماسية في الخارج باتخاذ إجراءات قصوى للأمن، وطالبت مواطنيها في الخارج بالتزام الحيطة والحذر، كما أخلى مبنى الأمم المتحدة في نيويورك. وبعد إن بدأت رسائل البريد التي تحتوى على ميكروب الجمرة الخبيثة (الانثراكس) بالانتشار في الولايات الأمريكية اتخذت مجموعة من الإجراءات منها إغلاق جزء من الكونجرس بعد أن وصلت رسالة تحتوى على الميكروب إلى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهذا الإغلاق تم حتى تجرى اختبارات التهوية، كما تم إلغاء الجولات السياحية في مبنى الكونجرس، واتخذت إجراءات وقائية صارمة في غرف توزيع البريد في المؤسسات الحكومية، وتم استنفار المستشفيات الكبرى داخل الولايات الأمريكية لمواجهة حالات الإصابة بالمرض، ونظرا لنقص إمدادات اللقاح المضاد للمرض لمواجهة حالات الإصابة المحتملة على مستوى الولايات المتحدة اضطر الجيش الأمريكي إلى تقليص نطاق خططه لتطعيم جميع قواته العاملة والاحتياطية ضد الجمرة الخبيثة، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستقوم فقط بتطعيم قوات المهام الخاصة.
ب- الإجراءات التي اتخذتها الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ ودورها في الأزمة
(أ)- الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ-
agement Agency Federal Emeregency Man وكالة مستقلة(2) ترفع تقاريرها إلى الرئيس وتكلف بمهام التخطيط، وتغطية الأزمات ويرجع تاريخ الوكالة إلى التشريعات التي صدرت عام 1803 تم تحديها لمواجهة الأزمات، وذلك لتقديم الدعم لمدينة new Hampshire لمواجهة الحريق الهائل الذي حدث فيها، وفر القرن اللاحق تم اتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة الكوارث الطبيعية، وفي عام 190 عندما أصبح الاتجاه إلى الفدرالية راسخا أعطيت اللجنة سلطات أكثر لمنح القروض لمواجهة الأزمات والطوارئ، وخلال الفترة من عام 1960 حتى عام 1970 واجهت الولايات المتحدة العديد من الكوارث الطبيعية المدمرة التي تطلب استجابة على المستوى القومي ومتابعة من قبل الإدارة الاتحادية للمساعدة خلال الأزمات Adiministatim federal disaster assistance التي كانت تابعة لوزارة الإسكان والتخطيط الخضري Depertment of hosuing and urban devehopmemnt . ومن أشهر هذه الكوارث الطبيعية زلزال ألاسكا عام 1964، وزلزال فرناندو الذي ضرب جنوب كاليفورنيا عام 1971. وحتى ذلك الوقت كانت جهود مواجهة الكوارث والأزمات الطبيعية جهودا متفرقة لدرجة أنه كان هناك أكثر من 100 مكتب رسمي لمواجهة الكوارث والمخاطر. وجرى توحيد هذه المكاتب والأنشطة المتفرقة عندما طلب مجلس المحافظين القومي من الرئيس جيمي كارتر توحيدها في وكالة قومية تقوم بوظائفها على المستوى القومي ، وأعلن توحيد أنشطة هذه المؤسسات في الوكالات الاتحادية لإدارة الطوارئ (FEMA) وهذه المؤسسات هي الإدارة الاتحادية للتأمين ، الإدارة القومية لمكافحة والسيطرة على الحرائق ، البرنامج الرئاسي القومي لخدمات الطقس ، الوكالة الاتحادية للخدمات العامة ، الإدارة الاتحادية للمساعدة في مواجهة الكوارث التابعة لوزارة الإسكان ، وتم أيضاً نقل المهام المدنية المتعلقة بالاهتمامات المحلية من وزارة الدفاع إلى الوكالة الجديدة ، وتم تسمية John Macy كأول مدير للوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ ، وقد أك\د في أول خطاب له على التشابه بين إدارة الكوارث والمخاطر الطبيعية وبين أنشطة الدفاع المدني . وبدأت الوكالة في تطوير نظام متكامل لإدارة الطوارئ يشمل معظم الأساليب المختلفة لمواجهة المخاطر ويشتمل هذا النظام على التوجيه ، مركز الإنذار والتحكم لمواجهة أكبر عدد من المخاطر التي تبدأ من المخاطر الصغيرة حتى إدارة عمليات الحرب غير المحدودة ، وقد واجهت الوكالة في بداية عملها مجموعة من التحديات حتى استطاعت تـأكيد كيفية إدارة عمليات الطوارئ المعقدة ، ومن أبرز الأزمات التي واجهتها الوكالة ، أزمة الرهائن الكوبيين ، وحادثة التسرب النووي في إحدى الجزر وزلزال Joma priet في عام 1989 وفي عام 1993 عين الرئيس كلينتون السيد James Lwitt كمدير جديد للوكالة ، وكان لديه خبرة في إدارة الأزمات على مستوى الدولة وفي الوقت الحاضر هناك 2500 شخص دائمين في الوكالة ونحو 5000 آخرين احتياطيين (Stand - by) للخدمة في الوكالة عند الطلب . وفي عام 1997 تم إعداد برنامج لإعداد القيادات فيما يتعلق بمنع وتقليل مخاطر الكوارث والأزمات وقد غطى البرنامج 50 ولاية على امتداد USA.
وبعد وقوع أحداث 11 سبتمبر واستجابة لتحديات الحدث الإرهابي ، أعد مكتب الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ في واشنطن (فريق استجابة الطوارئ) Emengency Response Team (EST) للعمل طوال 24 ساعة . كما أن رؤساء المكاتب الإقليمية العشرة التابعة للوكالة في بوسطن ، نيويورك ، وفيلادلفيا أتلانتا ، شيكاغو ، دنتون ، تكساس ، دنفر ، سان فرانسيسكو ، بوتل ، واشنطن ، أصبحت تعمل على مدار اليوم . ووضعت الوكالة خطة الاستجابة القومية للحدث والتي تعتمد على التعاون بين 28 مؤسسة اتحادية ، والصليب الأحمر الدولي ، والمؤسسات الرسمية الاتحادية والوطنية . وقد اتخذت الوكالة العديد من الإجراءات على النحو التالي :
1- تم تخصيص 8 فرق للبحث والإنقاذ المدني في مدينة نيويورك للبحث عن ضحايا بين أنقاض مركز التجارة العالمي ، وهذه الفرق تعتبر فرقاً مدربة تدريباً خاصا ، وتضم مهندسين وعدد من الخبرات الفنية بالإضافة إلى الكلاب المدربة تدريب خاصاً على البحث ، بالإضافة إلى أنه تم ت عيين 4 فرق أخرى لوزارة الدفاع البنتاجون لأعمال الإنقاذ والبحث.
2- تم تخصيص فرقة طبية وتجهيزها بحيث تكون في وضع الاستعداد في نيوجرسي وواشنطن للاستجابة حينما يتم طلبهم.
3- طلبت الوكالة من وحدات المهندسين في الجيش الأمريكي مساعدتها في رفع الأنقاض عن المناطق المضرة.
4- أعلن Joe M.Allbaug مدير الوكالة أن الرئيس بوش أمر بمساعدات للطوارئ لدعم مواجهة العمل الإرهابي على البنتاجون وأن إعلان الرئيس تكليف الرئيس للوكالة حدد مسئوليات المؤسسات الاتحادية التي تدعم الوكالة في احتياجاتها من المساعدات من العنصر البشري لحماية الأمن ، وان هذه المساعدات تشمل الاستعانة بأفراد الولايات المختلفة في أمريكا ، واستخدام المعدات للحماية الطبية ومساعدات التأمين.
5- تم تخصيص أربع فرق للبحث المدني وجهود الإنقاذ من تم استدعاؤها من ولاية ميرلاند وتكساس وفريقين من فرجينيا وثلاث فرق للمساعدة الطبية من ولاية جورجيا ، ميرلاند ، نورث كارولينا للعمل الإضافي في إدارة عمليات الطوارئ.
6- تم تعيين Susana Duarte كمنسق بين رؤساء المكاتب الإقليمية التابعة للوكالة على أن يقدم تقاريره إلى مدير عام الوكالة وأن يضع السياسات التنسيقية والبرامج للمكاتب العشرة الإقليمية التابعة للوكالة.
7- تم تحديد الاختصاصات فيما يتعلق بإدارة الأزمة على أن تقوم الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ بتقديم المساعدات والتسهيلات للمكاتب الرسمية في نيويورك وواشنطن وإدارة توابع الأزمة ،وعلى أن تتولى وزارة العدل الإدارة المباشرة للأزمة وتم المتطلبات الرئيسية من الوكالات لتلبية الفيدرالية على النحو التالي :-
(أ) قام الرئيس بوش بتوجيه إعلان رئاسي يتعلق بالأزمة والمساعدات العامة ، مثل المساعدات التي طلبها محافظ نيويورك وهذا الإعلان يشمل مجموعة من الولايات منها بروكسن ، نيويورك ، كانساس.
(ب) تم تأسيس مركز الطوارئ في واشنطن تابع FEMAE
(ج) طلب من العاملين في مركز إدارة المعلومات الإستراتيجية بمكتب المباحث الفيدرالية FBI مساعدة FEMA في تنسيق المعلومات.
8- افتتح الصليب الأحمر 12 مسكناً للإيواء في نيويورك ، و15 في مدينة نيورجيرسي كما أنه طلب من العائلات التي تبحث عن ذويهم من المفقودين الاتصال ، وطلب المساعدة من الصليب الأحمر في مكاتبه الإقليمية.
9- تم استدعاء عناصر من فريق الاستجابة للطوارئ من مدينة أديسون.
10- تم تخصيص هواتف للطوارئ مثل رقم 0020 – 462 – 800 -1 في مدينة نيويورك للاتصال في حالة الحاجة إلى المساعدات بالنسبة للمتضررين من انهيار مبنى التجارة العالمي ، وكان هذه الهاتف يعمل طوال اليوم وتم تغييره وتحديد مواعيد جديدة له مع بداية أعياد رأس السنة الجديدة.
11- تمت الاستعانة بوحدات من المهندسين في الجيش الأمريكي لرفع أنقاض مركز التجارة والبنتاجون والتي تصل إلى 1115.756 طن من الأنقاض.
12 - تم تخصيص أكثر من 700 شخص من FEMA يمثلون 49 ولاية للعمل في مدينة نيويورك لتقديم الدعم لعمليات المساعدة.
13- تم صرف مبلغ 4 مليون دولار للمساعدة في الحصول على مسكن 4.5 دولار كقروض مخفضة الفائدة لإدارة الأعمال الصغيرة ، 10 مليون دولار كمعونات للعاطلين عن العمل ، 11.3 مليون دولار لبرنامج الخدمات الاستشارية في نيويورك.
ج- إجراءات مواجهة التداعيات الاقتصادية للازمة
تسببت الأزمة في حدوث انخفاض في النشاط الاقتصادي الامريكى الذي كان يعانى من ركود في أواخر العام الماضي، كما تسببت الأزمة في التأثير على الاقتصاد العالمي، وقد تطلبت مواجهة التداعيات الاقتصادية للازمة تضافر الجهود على المستوى الدولي. ومن الإجراءات التي تم اتخاذها ما يلي:
1- قامت السلطات الاقتصادية في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو الأوربية، واليابان، وسويسرا، وكندا، وبريطانيا، بطرح كميات كبيرة من السيولة مباشرة على الأسواق.
2- توصل مجلس الاحتياط الفيدرالي الامريكى (البنك المركزي الامريكى) إلى ترتيبات مقايضة مؤقتة مع البنك المركزي الاوروبى، والبنك الانجليزي المركزي، والبنك المركزي الكندي لتسهيل عمل الأسواق المالية وتأمين السيولة بالدولار الامريكى.
3- قدمت الإدارة الأمريكية دعماً لشركات الطيران في الولايات المتحدة والتي تضررت بصورة واضحة من الإحداث، وقد بلغ ذلك الدعم 15 مليار دولار، وحذت الدول الأوربية حذو أمريكا في تقدم الدعم لشركات الطيران أيضا.
2: اتجــــــــــاهات الدفــــاع عن الأمن القـــــومـــــي الامــــــــريكى في المستقبل
أوضحت إحداث 11 سبتمبر عن مدى معاناة الأمن القومي الامريكى من الاختراق، كما إن القصور في إجراءات الدفاع عن الأمن القومي ضد تهديدات خارجية أعطت الفرصة للارهابين لمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية في أضعف حلقات أمنها القومي، وهى الجبهة الداخلية. وقد كانت إدارة الرئيس بوش قد بدأت فور وصولها إلى السلطة في مطلع عام 2001 في تنفيذ خطة طموحه لإصلاح القوات المسلحة بهدف إحداث تطوير جذري في هيكل وحجم واستخدام القوات المسلحة الأمريكية من أجل زيادة كفاءة هذه القوات وقدراتها القتالية، بما يساعد على تعزيز مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة على الساحة الدولية.. وتتضمن هذه الخطة أكبر عملية تطوير تشهدها هذه القوات منذ عقد الستينيات من القرن الماضي، وتهدف الخطة كذلك إلى امتلاك قدرة أكبر على مواجهة التهديدات. والتحديات المرتبطة بحالة انعدام اليقين التي يتسم بها المناخ الدولي لفترة ما بعد الحرب البادرة، مع التركيز على التهديدات المتعلقة بالانتشار المتزايد لتكنولوجيا الصواريخ البالستية،(3) وفى هذا الإطار ركزت إدارة بوش على تطوير ونشر نظام متكامل للدفاع الصاروخي يتألف من صواريخ اعتراضية من منطقة من البر ومن سفن بحرية أو قواعد بحرية، بالإضافة القدرة الصاروخية اللازمة لتطوير وإنتاج هذا النظام، ورغم هذه الخطة الطموحة التي ركزت على التهديدات الخارجية، إلا أن تفجيرات واشنطن ونيويورك كشفت عن تحد بالغ الخطورة للأمن القومي الامريكى، فهذه هي المرة الأولى التي يخترق فيها العمق الداخلي الامريكى لهذه الدرجة، حيث دارت جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خارج أراضيها. كما إن خسائر التفجيرات تفوق بكثير خسائر الولايات المتحدة في الكثير من الحروب الرئيسية التي خاضتها في الماضي، ومن ثم طرحت هذه التفجيرات على الإدارة الأمريكية ومؤسساتها المختلفة ضرورة توفير قدر من الاهتمام الأمن القومي الداخلي، وبذلك كثرت التحليلات والمناقشات حول Homl and defense فيما يتعلق بهجمات إرهابية تقع في الداخل، وعلى الرغم من مراجعة هذه الخطة العسكرية، إلا إن طبيعة التحديات الإرهابية فرضت على الولايات المتحدة إعادة النظر في هذه الخطة، لأنه رغم أن أجهزة الاستخبارات والأمن القومي الامريكى كانت قد أعطت أولوية قصوى للإرهاب منذ بداية التسعينات، واعتبرته بمثابة التهديد الأكبر والأكثر خطورة في فترة ما بعد الحرب، وأنها ظلت تطور استراتيجيات واَليات لاحتواء ومنع الهجمات الإرهابية قبل وقوعها، إلا أنها عجزت عن توقع وإحباط تفجيرات واشنطن ونيويورك بالرغم من كل ما تملكه أجهزة الاستخبارات من إمكانيات في ضوء ميزانية لمكافحة الإرهاب تصل إلى حوالي 30 بليون دولار. ففي ظل إحداث 11 سبتمبر سوف يعاد طرح الأسئلة حول استراتيجيات حماية الأمن القومي الامريكى. إذا أن خطط حماية الأمن القومي تهدف في الأساس إلى حماية المصالح القومية الأمريكية والتي تنقسم إلى ثلاثة مستويات: مصالح حيوية، ومصالح مهمة، ومصالح إنسانية، ويعتبر تطوير القوة العسكرية واحداً من أبرز المصالح مهمة، ومصالح إنسانية، ويعتبر تطوير القوة العسكرية واحداً من أبرز المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة لأن هذه المصالح تشمل كل ما يتعلق بسلامة الولايات المتحدة وبقائها وأمنها المباشر، مثل حماية حدودها ومواطنيها وأراضيها وحلفائها واقتصادها وبنيتها الأساسية ومرافقها الحيوية، وهى مصالح يتعين حمايتها بكل الوسائل الممكنة والمناسبة، وفى مقدمتها القوة العسكرية، وذلك بعد أن أثبتت الهجمات الإرهابية ضرورة طرح خطط لحماية الأمن القومي الأمريكي الداخلي من هذه التهديدات، فبعد إحداث 11 سبتمبر أنشأت وزارة للداخلية تركز على حفظ الأمن القومي الداخلي، ويختلف نمط عملها عن المباحث الفيدرالية, ووكالة المخابرات المركزية. ومن ناحية أخر فقد أجرت مراكز الدراسات القريبة من دوائر صنع القرار عدة دراسات منها دراسة ركزت على مشروع Hameland defence، وهو المشروع الذي أعده مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية بواشنطن في إعقاب الهجمات، ويعتبر هذا المركزCenter For Strategic and International Studies (CSIS) أحد أهم مراكز الدراسات في العاصمة الأمريكية واشنطن، واستجابة من المركز للإحداث التي فرضت نفسها على الرأي العام والمؤسسات الحكومية، كلفت مجموعة من التقارير والدراسات حول حماية الأمن القومي الأمريكي(4)، وبدأت المجموعة عملها مباشرة يوم الثاني عشر من سبتمبر بعد الإحداث الإرهابية، وتم تقسيم مشروع العمل الذي كلفت بت هذه المجموعة الاستشارية إلى جزأين على النحو التالي:
1- الجزء الأول كلف بوضع الإطار التحليلي، ويترأسه انتونى كردسمان وهو أحد كبار الخبراء بالمركز.
2- الجزء الثاني من المشروع ينقسم إلى أربعة مجموعات هي:
أ- مجموعة الدفاع الصاروخي برئاسةDr. Dan Goure
ب- مجموعة البحث في تهديدات الفيروس الالكتروني Cyber ويترأسها Arnaud de brochgraxe
ج- مجموعة البحث في التهديدات بالأسلحة الكيماوية، البيولوجية الاشاعية والنووية ويرأسها Frank cilluffo
د- المجموعة الرابعة البحث في تكامل السياسات للدفاع عن الوطن ويرأسها رئيس المركز D.Jospn Collins.
ه- وقد أنجز فريق العمل هذا المشروع ووضعت التقارير النهائية له على موقع المركز على الشبكة العالمية للمعلومات، وتعد التقارير الأربعة التي أعدها المركز أحد أهم الدراسات التي أعدت فيها يتعلق بضرورة حماية الأمن القومي الامريكى من الإخطار والتهديدات المستقبلية، وهذه الدارسات هي:
(1) Hameland Defense Astratgic Approch, D.joseph J.Collites, Mical Horwitz.
(2) Defense of the u.s homeland against strate attack, d.daniel goure.
(3) Cyber Threats and Information security: meeting the 21 st. century challenge., D.Arnaud de borchgoave, frank J. Cilluffo, sha- ronl. Cordash, Michele m. ledgerwood.
(4) combating chemical, biological, and nucleat terrorism: acom- prehensive strateegg.d. frank j. cilluffo, sharonl cordash Gordon n.lederman.
ودون الدخول في تفاصيل هذا المشروع البحثي الذي من المؤكد إن المؤسسات الرسمية سوف تستعين بت حين الشروع في إعادة تقييم الأمور إلا أننا سنوجز ما يتعلق بحفظ الأمن الداخلي من خلال الرصد الموجز للمناقشات التي دارت في الجلسة الافتتاحية لمناقشة محاور المشروع. في هذه الجلسة تحدث عضو مجلس النواب والسيناتور بيتر روبرتسون عن أهمية المشروع والخطط التي سيعدها الباحثون لمواجهة الإرهاب باعتباره أعقد الإخطار التي تواجه الأمن القومي الامريكى، وترجع أهمية مشاركة هذا السيناتور لأنه يرأس فريق اللجنة الفرعية لمواجهة التهديدات الطارئة داخل الكونجرس، هذه اللجنة تنقسم إلى مجموعتين، الأولى لمواجهة أخطار تهديدات هجوم فيروسي Cyber على الاقتصاد. والثانية لمواجهة احتمالات حرب بيولوجية. وهذه اللجنة تهدف إلى التوعية بالمخاطر المحتمل. ويمكن الإشارة إلى أبرز ما جاء خلال الجلسة الافتتاحية على النحو التالي:-
أولا: حدد Collin Joseph رئيس المركز أهمية المشروع في مجموعة من النقاط على النحو التالي:
1- إن القليل من المجهودات بذلت خلال السنوات الخمس الماضية فيما يتعلق بالأمن الداخلي، إلا أنه في الوقت الراهن فإن هناك مجهودات كثيرة في هذا المجال، ويتم رصد 10 بليون دولار كل عام للخطط والبرامج الجديدة.
2- لمواجهة الإخطار والتحديات التي تهدد أمن أمريكا فإنه من المهم أنشاء مؤسسات جديدة، وقد درس المركز في هذا الصدر مجموعة من الاقتراحات هي:
أ- تأسيس مجلس قومي ومنسق أعلى للدفاع عن الأمن القومي الداخلي.
ب- إيجاد مفوض عام أو وكيل رسمي يكون مسئولاً عن هذه المهام.
ج- تأسيس وزارة جديدة أو حتى مجلس وزاري يعطى بعض الصلاحيات التي تقوم بها وزارات أخرى في الوقت الراهن فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن الداخلي.
3- تحديد مهام نائب الرئيس Vice-president فيما يتعلق بالدفاع عن الوطن. وللقيام بهذه المهام يحب أن يتم تقديم الدعم له من فريق التخطيط للطوارئ.(EPS) Emergency Planning وهذا الفريق يتم اختياره من المكتب القومي لتنسيق الدفاع عن الوطن The office of National Coordinator for Hameland defense. ويرأسه نائب رئيس المجلس القومي لخطط الطوارئ للدفاع عن الوطن- National Hameland Defence Emergecy planning coun,cil. وهذا المجلس سوف يضم عناصر يتم اختيارها من الوزارات، والمؤسسات الحكومية، والهيئات الأخرى، وسوف يكون لمؤسسات القطاع الخاص تمثيل في هذا المجلس، على أن يلتقي المجلس مرتين في العام، الأولى على المستوى الرئاسي (نائب الرئيس، المحافظين،...)، والثانية على مستوى الأجهزة الفرعية التي سيتم تحديدها لاحقا. وسوف يكون رئيس الوكالة الاتحادية للطوارئ (FWMA) أو المنسق القومي نائبا لرئيس المجلس. ويكون لنائب الرئيس أو المنسق الأعلى سلطة استشارية على الوكالة الاتحادية (الفيدرالية) للطوارئ (FEMA).
4- يكون من مهام نائب الرئيس وفريق تخطيط الطوارئ التابع له مايلى:
(أ)- إعداد التقارير وتطوير القدرات القومية لمواجهة ومتع الأخطار التي تهدد أمن الوطن.
(ب)-التنسيق بين الخطط القومية لحماية البنية التحتية ومكافحة الإرهاب في الداخل.
(ج)- لكي يقوم المجلس بتقديم الدعم للحكومة في جميع المجالات المرتبطة بالتخطيط للطوارئ. فمن الضروري أن لا يكون هذا المجلس في حاجة لمراجعة دورية من وزارة الخارجية أو وزارة العدل وفقاً للقواعد المتبعة في تحديد المسئولية عن الاستجابة للازمات وتوابعها. حيث أنه من الضروري أن يكون هناك استقلالية للمجلس حتى يتمكن من القيام بوظائفه.
ثانيا: أكد DR.DAN.Goure المسئول عن مجموعة الدفاع الصاروخي، ويشغل منصب نائب مدير البرنامج العالمي في المركز على مواصلة جهود فيما يتعلق بحائط الدفاع الصاروخي، وذلك الحماية من أخطار الصواريخ الباليستية.
3- ذكر DR.ARNAND BORCH المسئول عن مجموعة مواجهة تهديدات فيروس Cyber ويشغل منصب مستشار ومنسق مشروع الجريمة النظم عالميا، أن ثورة المعلومات تمثل أكبر الإخطار التي تواجه الأمن القومي الامريكى، وأكد على حاجة الحكومة المتزايدة لمعهد يكون مسئولاً عن برامج تدريب المتخصصين في تأمين المعلومات.
4- كان D.Frunk cillufo المسئول عن مجموعة العمل المختصة بالدراسات المتعلقة بمواجهة إخطار الأسلحة غير التقليدية وهو نائب المدير والمسئول عن تحليل السياسيات في مشروع الجريمة المنظمة عالميا التابع للمركز، وقد انتقد الحديث المستمر عن الحاجة إلى خطط إستراتيجية قومية متكاملة لمواجهة التهديدات، واعتبر أن جوهر المشكلة لا يرتبط بانعدام الخطط، ولكن بعدم التنسيق بين هذه الخطط بناء على أسس إستراتيجية. وأن المهمة المحددة التي يجب أن يتم التركيز عليها هي منع واحتواء أي تهديد باستخدام الأسلحة الكيماوية، والبيولوجية، والاشعاعية والنووية. وفي عرضه للإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة تهديدات هجمات محتملة بالأسلحة غير التقليدية أوضح.Drankأن جهود احتواء ومنع هذه التهديدات غير كافية، خاصة ما يتعلق منها بمفهوم تطوير استراتيجيات المواجهة ضد الدول والإرهابيين الدوليين الذين لا ينتمون إلى دول معينة. وانه يجب أن يكون هناك إعلان واضح بان الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ لنفسها بحق الرد باستخدام الأسلحة النووية في حالة تهديد أمنها الوطني بهجمات أسلحة الدمار الشامل. يشنها والتي قد تحالف أو قوى عسكرية أخرى. وفيها يتعلق بالإرهابيين من غير محدودي الهوية فانه يجب أن يكون واضحا لقادة الجماعات الإرهابية بأنهم يتحملون مسئولية أي تصرف أو عمل ضد الولايات المتحدة.
4- تعد الدراسة التي أعدها D.Joseph J.collins بعنوان Homeland defense Strategic Approach والتي ركزت على المخاطر والتهديدات المحتملة ضد الأمن القومي للولايات المتحدة وكيفية حمايتها واحدة من أهم الدراسات الصادرة عن المشروع(5) ويمكن الإشارة إلى مجموعة من النقاط المهمة التي وردت في هذه الدراسة.
1- أن الأمن القومي الامريكى أصبح مستهدفا أكثر مما مضى، وإن القوات المسلحة الأمريكية غير قادرة على حماية الأمريكيين من الهجمات المحتملة سواء من الدول أو من الإرهابيين، وإن الجماعات الإرهابية سوف تطور أسلحة الدمار الشامل من المحتمل أن يتم استخدامها في المستقبل، وإن الكثير من الأمريكيين سوف يموتون على الاراضى الأمريكية بأعداد كبيرة.
2- بالنسبة إلى مجموعة الدول المعادية لأمريكا وللإرهابيين غير محددي الهوية، فان مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية في الداخل بالنسبة لهم أسهل من مهاجمة القوات الأمريكية في الخارج.
3- يمكن تصنيف بعض التهديدات للأمن القومي وسبل مواجهتها على النحو التالي:
جهة التهديد احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل درجة التهديد خط الدفاع والمواجهة الأول
هجوم صاروخي الدول المعادية محتمل في المدى المتوسط والطويل ضعيف جدا القوات المسلحة
تهديد فيرس سايرا الألكترونى قوى أجنبية أو محلية جدير بالاهتمام خطير تكنولوجيا المعلومات
هجوم إرهابي باستخدام أسلحة غير تقليدية قوى أجنبية ومحلية محتمل في المدى المتوسط والطويل منخفض المكاتب والوكالات الرسمية
4- إن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تنظر إلى حماية أمنها القومي الداخلي باعتباره مسئولية مشتركة بين مؤسسا الدولة على المستوى الفيدرالي، والمحلى، ومؤسسات القطاع الخاص.
5- أن الإخطار الجديدة التي تهدد الأمن القوم الامريكى تتمثل في تهديدات استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل الإرهابيين، انتشار الصواريخ البالستية، والتهديدات الموجهة ضد البنية المعلوماتية والاقتصادية للوطن.
6- أكدت الدراسة بشكل قاطع على ضرورة تقييم أهداف وبرامج برنامج الدفاع الصاروخي.
7- أن هناك حاجة ماسة المتعلقة بحماية الأمن القومي إلى خطة قومية، وبرنامج شامل لسنوات متعددة، لتأكيد هذه الخطة كما أن هناك أيضا حاجة ماسة لتغيير الهيكل الادارى داخل الحكومة الاتحادية.
8- إن جهود مكافحة الإرهاب يجب أن تتوافق مع النظام القانوني والفيدرالي داخل U.S.A وضرورة الحفاظ على الأسس الديمقراطية داخل المجتمع الأمريكي.
هوامش الفصل السادس
1. انظر موقع الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ على شبكة الإنترنت.
www.fema.gov/conplan.htm
(2) www.fema.gov.history.htm
3. المراجع السابقة.
4. أحمد إبراهيم ، خطة تطوير القدرات العسكرية الأمريكية ودلالات التفجيرات الإرهابية ، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الإهرام ، سلسلة كرسات استراتيجية ، العدد 108 السنة التاسعة ، ديسمبر 2001
5. لمزيد من التفاصيل حول المشروع والتقارير التي صدرت عنه ، انظر موقع مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية على الإنترنت
www.csis.org.homelanddefense.prog.com
الفصل السابع:
الحرب وإدارة العمليات العسكرية
يختلف المستوى الثاني في إدارة الأزمة عن المستوى السابق وذلك بسبب طبيعة كل من المستويين ، فالمستوى الأول يعبر عن إدارة الأزمة بالمفهوم الإداري للأزمة، أما المستوى الثاني فان إدارة الأزمة تنصرف إلى الجانب السياسي ، ذلك أن القرار بشن الحرب والبدء بالاستعدادات المطلوبة لها داخل الولايات المتحدة أو بالتعاون مع الدول الأخرى عبارة عن عملية سياسية في المقام الأول ومن ثم سوف يتم التركيز في هذا الجزء على الجوانب السياسية المرتبطة بالحري على الإرهاب الدولي التي شنها الولايات المتحدة بالتعاون مع الدول الأخرى التي أعلنت تحالفها معها. وسوف يتم التعرض في هذا الجزء إلى التقاط التالية:
1. الهجمات الإرهابية كعمل من أعمال الحرب.
2. بناء التحالف الدولي ومواقف الأطراف الدولية.
3. إدارة العمليات العسكرية على مسرح العمليات.
4. احتمالات تطور الحرب نحو أهداف أخرى.
5. تأثير الهجمات الإرهابية على إدارة الأزمات.
1. الهجمات الإرهابية كعمل من أعمال الحرب.
في الوقت الذي كانت تتم فيه متابعة إدارة الأزمة على مسرح الأحداث بالمفهوم الإداري المتعلق بإدارة العلميات لمواجهة الحدث في أرض الواقع ، سواء في مدينة نيويورك حيث مقر مركز التجارة العالمي ، ومدينة واشنطن حيث مقر البنتاجون ، كانت تجرى داخل الإدارة الأمريكية إدارة سياسية ، على أعلى المستويات لمعالجة الأزمة ، وكان أول الإجراءات في هذا الجانب تحديد المسئولين عن ارتكاب هذا الهجوم الإرهابي ، ثم بدء إجراءات التحقيقات والتحريات عن هوية الإرهابيين والمتورطين معه ، فبمجرد أن بدأ يتضح للعيان أن ما حدث لمركز التجارة العالمي ثم ما حدث للبنتاجون هو عمل إرهابي وهجوم ضد الولايات المتحدة اتجهت أصابع الاتهام من قبل الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الى أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي يترأسه ، باعتبار أن أسامة بن لادن العدو وهو الإرهابي الأول الذي يستهدف المصالح الأمريكية (1) واعتبرت الإدارة الأمريكية أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وراء هذه الأحداث ، واستندت في ذلك إلى مجموعة من المؤشرات هي ( 2 ).
1- إشارة بن لادن قبل 11 سبتمبر إلى أنه كان يخطط للقيام بهجوم على الولايات المتحدة.
2- في أغسطس وسبتمبر تم تحذير أتباع أسامة بن لادن بضرورة العودة إلى الأراضي الأفغانية قبل العاشر من سبتمبر.
3- من بين الخاطفين ال 19 ، تم التعرف على ثلاثة منهم على الأقل أنهم عناصر القاعدة.
4- هناك واحد على الأقل من الخاطفين عرف أنه كان متورطاً في الهجوم على المدمرة الأمريكية " كـول " في ميناء عدن وتفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا.
5- لدى رصد تحركات الخاطفين قبل هجمات سبتمبر اتضح أن منهم من أجتمعوا إلى عناصر بن لادن ، وأنهم تلقوا بانتظام أموالاً ودعماً من شبكة القاعدة .
وبناء على ما سبق، حدد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI تسعة عشر فرداً من العرب والمسلمين كانوا على متن الطائرات الأمريكية المختطفة، وأعتبر أن هؤلاء هم الذين قاموا بالهجوم الإرهابي بتخطيط ودعم وتمويل من أسامة بن لادن وشبكة القاعدة ، وأعتبرت الإدارة الأمريكية أن الهجوم الإرهابي عمل من أعمال الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية الذي يكفل لها حق الدفاع عن النفس ، وأعلن أن اعتداءات 11 سبتمبر تعتبر عملاً من أعمال الحرب تم بشكل مقصود وواضح على الأراضي الأمريكية ، وذلك أن هناك فرقاً بين النظر إلى الأعمال الإرهابية على أنها جريمة أم أنها شكل من أشكال الحرب ، ولهذين المفهومين آثار مختلفة من الناحية العملية ، فاعتبار الإرهاب جريمة يعنى أن تهتم الإدارة الأمريكية بجمع الأدلة وتصحيح مدى العنصر الجنائي عند الأفراد المسئولين عن فعل معين ثم تقديم الجناة إلى العدالة ، واعتبار الإرهاب جريمة تنطوي على مشاكل عديدة ، إذ أنه من الصعب جمع الأدلة إذا لم تتعاون جميع الدول مع المحققين ، والأمر يختلف إذا نظر إلى الإرهاب على اعتبار أنه من صور الحرب ففي هذه الحالة لا يتم التركيز كثيراً على الدليل ، إذ يكفى تحديد هوية الجماعة الإرهابية، وهنا تكفى المعلومات ، والتركيز كثيراً على الدليل ، إذ لا يكفى تحديد هوية الجماعة الإرهابية ، وهنا تكفي المعلومات والتركيز ليس على المتهم وإنما على التحديد الدقيق للعدو ( 3 ) ومن ثم فإن أولى خطوات الإدارة الأمريكية في إدارة الأزمة سياسياً كان اعتبار الهجمات الإرهابية عملاً من أعمال الحرب مما يعني أنه ليس من الضروري التركيز على الدليل الذي يثبت تورط الإرهابيين ، ولكن يكفى تحديد هوية الجماعة الإرهابية ، ويبدو أن الإدارة الأمريكية وجهت الاتهام الرسمي إلى أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة حتى تتنصل من المسئولية الدولية في إثبات تورطهم فيما لم يتم إعلان العمل باعتباره عملاً حربياً ، مما يعفي الإدارة من مهمة تقديم دليل ، كما يجعل إجراءاتها تقع تحت مظلة الشرعية والقانون الدولي ، إلا أنه لم يخل الأمر من وجود جماعات موجودة خارج أمريكا نفت أن يكون أسامة بن لادن وراء هذا العمل ، لأنه يحتاج إلى قدرات تقنية وتخطيطية تتجاوز قدرات تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى نفي تنظيم القاعدة لأية علاقة بالحدث ، وكانت هناك تفسيرات أخرى حول المسئولين عن الحادث (4 ) ومن أبرز هذه التفسيرات.
1- أن هذا العمل ربما قامت به جماعات من داخل الولايات المتحدة الأمريكية كالجماعات الفوضوية أو المناهضة للدولة الفيدرالية والتي يتجاوز عددها نحو مائتي منظمة ، أو حتى جماعات الجريمة المنظمة المنتشرة في الداخل ولها امتدادات قوية في الخارج.
2- أن ما حدث ربما يكون محاولة انقلاب من داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية نفسها باعتبار أن انتخاب الرئيس بوش الابن ارتبط بانقسام سياسي حاد داخل المؤسسات ، بما يعني أن هناك من هم داخل المؤسسات الأمريكية غير راضين عن الطريقة التي فاز بها الرئيس بوش وعملوا على التخلص منه من خلال عمل درامي كبير.
3- أن ما حدث جاء من جهة قوية أضيرت كثيراً من العنجهية والسطوة الأمريكية وأنها أرادت بهذا العمل تحقيق قدر من الانتقام ، وأن هذه الجهة ليست مرصودة أمنياً باعتبارها جهة إرهابية ، وأن الهجوم فيه كثير من الانضباط ألمخابراتي والعسكري وهو ما ينطبق على الصرب الذين تعرضوا لهزيمة عسكرية كبيرة قبل عامين على يد الولايات المتحدة التي تدخلت عسكرياً آنذاك لوقف الحرب في كوسوفو ، ودمرت الكثير من البنية التحتية الأساسية للصرب، وكشفت قدراتهم العسكرية ، بل وأهانت قياداتهم ورموزهم القومية ، فالصرب لديهم الدافع ولديهم العسكريون المنضبطون والمؤهلون لقيادة الطائرات الكبيرة ، إلا أن الانتقادات التي وجهت إلى هذا التفسير تستند إلى عدم شيوع العمليات الانتحارية لدى الصرب من أجل أهداف جماعية ، ودون الدخول في مناقشة حول التفسيرات المختلفة عن الجهة المسئولة عن أحداث 11 سبتمبر أو حتى هجمات الإنثراكس وما أثير حول تورط العراق أو امتلاك الإرهابيين لأسلحة غير تقليدية ، أو حتى تورط جهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقد تم تبني الاتهام الأمريكي لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وذلك لأغراض التحليل العلمي وللشواهد التي تلت هذا العمل الإرهابي والتي من أهمها شريط الفيديو الذي ظهر فيه بن لادن وهو يتحدث عن أحداث أمريكا ، وقد لجأ الرئيس الأمريكي في إدارته للأزمة إلى رأب أي صدع من شأنه أن يهز الجبهة الداخلية الأمريكية ، أو أن يفقده التعاطف الكبير الذي عبر عنه الغالبية العظمي من العرب والمسلمين ، فكان عليه أن يضع حداً فاصلاً بين أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة كإرهابي مطلوب للعدالة وبين العرب والمسلمين في أمريكا وخارجها ، وألقى خطباً عديدة يمجد فيها الإسلام ويدعوا الأمريكيين إلى أن يفرقوا بين الإسلام كدين سماوي يحض على المحبة والسلام ويحاب التطرف والإرهاب ، وبين أسامة بن لادن ومؤيديه.
وقد سار على نهجه زعماء العالم غير المسلمين ، فكان لذلك الأثر الكبير في إطفاء بعض نيران الغضب الأمريكي الذي رأى معالم بلاده تحترق بيد متهمين عرب ومسلمين وقد حد ذلك من حدوث أعمال انتقامية بشكل واسع ضدهم خاصة وأن المنظمات العربية والإسلامية في أمريكا وفي غيرها قد أعربت منذ اليوم الأول للأزمة عن شجبها واستنكارها لهذا العمل الإرهابي ، ولم تنصت إلى دعاوى بن لادن الذي حاول أن يهيج بها العالمين العربي والإسلامي ضد أمريكا، على اعتبارها أنها دولة صليبية تضمر الشر للإسلام والمسلمين وأنها السبب في الكوارث التي تحل بهم ، بل عبر كثير من أبناء هاتين الأمتين عن تنصلهم من هذه الأعمال التي أضرت بالعرب والمسلمين وبقضاياهم ضرراً بالغاً سيمتد أثره إلى عقود لاحقة.
وبعد أن حدد مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI والمنوط به إدارة الأزمة – كما سبق وذكرنا آنفاً – هوية المشتبه بهم أعلن الرئيس الأمريكي رسمياً أن الهجمات هي أعمال حرب وأن المتورط فيها تنظيم القاعدة الذي يرأسه أسامة بن لادن وقد بدأت الإدارة الأمريكية على الفور الاستعداد لشن عملية عسكرية انتقامية واسعة ضد من يثبت أنهم وراء تلك التفجيرات ففي خطابه أمام الكونجرس في 11 أكتوبر 2001 قال الرئيس بوش ( إنها حرب ضد جميع أولئك الذين يسعون إلى تصدير الإرهاب وحرب ضد تلك الحكومات التي تدعمهم وتقدم لها المأوى ..إن هذه المعركة بالذات ستطول لأية فترة زمنية يستغرقها تقديم منظمة القاعدة إلى العدالة ) وأعلن الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر بحالة حرب ووصف مسئولون أمريكيون الحرب بأنها ستكون " حرباً عالمية ثالثة " وقام الرئيس بوش باستدعاء 50 ألفاً من قوات الاحتياط الأمريكية، كما قام الكونجرس الأمريكي بتخصيص 40 بليون دولار لأغراض الإنفاق على احتياجات المواجهة العسكرية القادمة، وبدأ الإعداد لتشكيل التحالف الدولي.
2. بناء التحالف الدولي ومواقف الأطراف الدولية.
بعد الهجوم مباشرة ، بدأت معظم دول العالم في توجيه الانتقادات إلى العمل الإرهابي ومن يقفون وراءه ، واستنكرت دول العالم هذا العمل ، إلا أن بعض الدول أعلنت عن تخوفها من أهداف التحالف الدولي وأن هذا التحالف سوف يقسم العالم إلى معسكرين ، كما أن الدول ترددت في البداية في تأييد هذا التحالف الدولي دون أن تقدم الولايات المتحدة الأدلة التي تثبت تورط تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن في هذا العمل ، إلا أن معظم دول العالم سرعان ما عدلت موقفها نحو تأييد التحالف الدولي، وذلك بعد أن ثبت للعالم جدية تبنى الولايات المتحدة للخيار العسكرى في مواجهة الارهاب، وكان في خطاب الرئيس بوش الذي وجهه تهديد مبطن إلى دول العالم، ففى خطابه امام الكونجرس يوم 20سبتمبر 2001 قال ( ان الهجوم يندرج تحت باب الارهاب الدولى، وانه عمل من اعمال الحرب التى تستدعى رداً عسكرياً قوياً وسريعاً، وان استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية الجديدة تقوم على اساس مواجهة شاملة لكل ما تعبره تنظيمات ارهابية وان باقى العالم ليس امامه سوى الوقوف مع الارهاب او في الجبهة المقابلة). وفى تصريخ له في 18 أكتوبر 2001 أكد وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد على ان هذه الحرب لن يشنها ائتلاف كبير متحد لتحقيق هدف واحد هو الحاق الهزيمة بقوى معادية، بل إنها حرب ستشمل ائتلافا مكونا من عدة بلدان، وقد تشهد تغييرات وتطورات، وستكون للدول فيها ادوار مختلفة وستسهم بعض هذه الدول بتوفير دعم دبلوماسى، والبعض الاخر سيقوم بعضها بتقديم دعم مالى، وغيرها دعم لوجستى وعسكرى، وسيسا عدنا البعض الاَخر، نظراً الى ظروفه- بصورة سرية – وفى هذه الحرب ستحدد المهمة شكل الائتلاف وليس العكس).ومع بدء العد التنازلى للحرب، بعد ان بدا واضحاَ حجم الحشد العسكرى الامريكى الجوى والبحرى لمواجهة الارهاب بدأ التحالف الدولى في التبلور الولايات المتحدة عملية بناء هذا التحالف باعتباره الخطوة الثالثة في ادارة الازمة سياسيا بعد اعتبار التفجيرات عملا ارهابيا، ثم القضاء على مصادر تمويل الارهاب واغلاق كل المؤسسات المالية الداعيمة للإرهاب والتخفظ على اموالها التى لها صلة بالرهاب والتخطيط على أموالها، سواء داخل الولايات المتحدة أو في الدول الاخرى، وهو الأمر الذى من الممكن أن يضر المؤسسات الخيرية الإسلامية الكبيرة والبريئة من الإرهاب. وفى أول رد فعل رسمى على الهحمات صدر خارح الولايات المتحدة الامريكية اعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسى جورج روبرنسون في اجتماع طارئ عقد في اليوم التالى للهجمات ان حلفاء الولايات المتحدة مستعدون للتحرك الى جانب واشنطن اذا تأكد ان الهجمات خطط لها في الخارج، وقرر الحلفاء، ان ما تعرضت له الولايات المتحدة يدخل ضمن مقتضيات المادة الخامسة من معاهدة، واشنطن التى انشأت الحلف، والتى تنص على مبدأ الدفاع الجماعى(5)، وقد كان ابرز دعم قدرمته دولة اوروبية هو الدعم البريطانى للولايات المتحدة وهو اقوى دعم قدمته اى دولة الى الولايات المتحدة ، نظراً لطبيعة العلاقة بين الحانبين، فقد أعلن رئيس الوزراء البريطانى امام البرلمان في 21 سبتمبر مذكرة اتهام لتنظيم القاعدة في احداث 11سبتمبر تستند الى مصادر معلومات مخابراتية، وفى تصريح اخر لتونى بلير رئيس الوزراء البريطانى في 25/9/2001 قال فيه: (بعد انقضاء اسبوعين على الهجمات على الولايات المتحدة، من الواضح لى ان ائتلاف التأييد من أجل عمل حاسم ضد اولئك المسئولين يتعزز، وان على الارهابيين داخل افغانستان ونظام طلبان الذين يؤويهم الا يشكوا في وحدة الائتلاف الذى بنى ضدهم، ولا في عزيمتنا على القيام بعمل ما هو ضرورى لمحاسبة اولئك الذين يؤونهم). وكان ابرز موقف فيما يتعلق بالتحالف الدولى هو الموقف الباكستانى، فقد مارست الادارة الامريكية ضغوطا مكثفة وهائلة وغير مسبوقة على الجنزال برويز مشرف للانضمام الى التحلاف الدولى المناهض للارهاب، والقبول بمطالب امريكية ابرزها فتح المطارات والاجواء الباكستانية للطيران الامريكى، واستخدام بعض القواعد الجوية والموانئ وانشاء قواعد امريكية داخل الاراضى الباكستانية. لما يمثله ذلك من اهمية حيوية عندشن عملية عسكرية برية محتملة ضد افغانستان. اضاف الى تزويد الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية عن تنظيم القاعدة والملا عمر وعن حركة طالبان. وبالاضافة الى الضغوط الامريكية كانت باكستان تخشى من التحالف الهندى مع الولايات المتحدة في ضوء العلاقة المتوترة مع الهند، بالاضافة الى خوف القيادة السياسية في باكستان مع التعرض لعقوبات اقتصادية او ضرب القدرة النووية الباكستانية، فابدت باكستان تأييدها لهذا التحالف والمطالب الامريكية برغم التأثيرات السلبية التى تركها هذا الموقف على الجبهة الداخلية بسبب هشاشة الوضع الداخلى وتأييد معظم القبائل الباكستانية لطالبان بن لادن، وقد قدمت الإدارة الأمريكية لباكستان مجموعة من المكافاَت ابرزها توقيع البلدين على اتفاقية في 24 سبتمبر لا عادة جدولة 375.4 مليون من الديون الباكستانية والهندية وقد حدد الرئيس برويز مشرف سبل التعاون بين الجانبين في التحالف الدولي في حديث له في 16/10/2001 قال فيه (لقد قررنا أن نكون إلى جانب الائتلاف في القتال ضد الإرهاب وأية عملية تدور في أفغانستان ستكون في إطار الحدود الثلاثة التي أوضحتها ، وهي التعاون في مجال الاستخبارات واستخدام المجال الجوي والدعم اللوجيستي وقد أبدت الهند تأييدها القوى للتحالف الدولي وكانت تتحرك وفقاً لحسابات دقيقة ترتبط بعلاقتها مع باكستان بالإضافة إلى رغبتها في ربط مشكلة كشمير بالإرهاب) وإتخاذ إجراءات ضد الكشميريين الإنفصاليين مستفيدة من المناخ الدولي المناهض للإرهاب وفي تصريح لوزير الخارجية الهندي جاسونت سينغ في 17/10 قال (إننا نواصل القول أن هجوم 11 سبتمبر كان هجوماً على الحرية والمدنية والديمقراطية وموقف الهند ضد الإرهاب لم يبدأ مع يوم 11 سبتمبر بل حتى قبل ذلك نقف وإننا متكاتفين مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية في معركتنا ضد هذا التهديد العالمي) ، أما فرنسا فقد قدمت دعمها للتحالف مع الولايات المتحدة : وقد أعلنت استعدادها للعب دور عسكري أكبر في العملية العسكرية الأمريكية في افغانستان وقامت منذ البداية بتقديم مساعدات للولايات المتحدة في مجال الامداد والمعلومات والاستخبارات كما أعلنت أنها سوف تشارك في العمليات العسكرية بدرجة أكبر ، وبالذات من خلال مشاركة الوحدات الخاصة الفرنسية في عمليات أرضية في أفغانستان . ولم يختلف الموقف الروسي في دعم الولايات المتحدة عن مواقف بقية الدول ، خاصة أن روسيا لم خبرة سابقة في التعامل مع الأفغان تستند إلى الغزو السوفيتي لأفغانستان ، مما يعني قدرة روسيا على تقديم الكثير من المعلومات عن الوضع داخل الأراضي الأفغانية ولكن ألقت التفجيرات بظلالها على علاقة الجانبين فيما يتعلق بمعاهدة (ستارت) المتعلقة بالدفاع الصاروخي واعلان إدارة بوش الإنسحاب من المعاهدة ومواصلة الجهود في بناء حائط الدفاع الصاروخي كما أن أيران برغم تأييدها للتحالف إلا أنها وقفت موقفاً حيادياً أكثر منه موقفاً داعماً للتحالف فلم تقف أمام العمليات العسكرية في أفغانستان ، كما أنها لم تشارك فهيا مع الاستمرار في تقديم الدعم للتحالف الشمالي المعارض لحركة طالبان ، بعد أن جمعهما التاريخ العدائي مع نظام طالبان منذ أزمة مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين وفيما يتعلق بمواقف الأطراف العربية ، فإنه بالرغم التأييد السياسي الذي أبتده الدول العربية للتحالف ، إلا أن الانتقادات داخل المؤسسات الأمريكية الرسمية الأمريكية وخاصة من أعضاء الكونجرس لإسرائل هذه الانتقادات تلخصت في ضرورة الضغط على الانظمة في المنطقة العربية ، خاصة مصر والسعودية لإحداث تغييرات ديمقراطية ويستند هؤلاء في الانتقادات التي يوجهونها إلى معظم الإرهابيين الذين أعلن عن تورطهم في أحداث 11 سبتمبر من السعودية ومصر بالإضافة إلى أن معظم كوادر تنظيم القاعدة من مصر وأن المعاهد الدينية التي تدعمها السعودية هي التي درس فيها عناصر حركة طالبان وبرغم ما أبدته كل من الدولتين من دعم للتحالف إلا أن الحملة ا لتي يقودها اللوبي الصهيوني نجحت في تكتيل الجهود ضد الدولتين خاصة أن البلدين طالبا بالفصل بين مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة الوطنية المتعلقة بالمنظمات الفلسطينية وحزب الله وفي هذا الإطار فإن هناك تحليلات تحدثت عن أسباب وقوع هذه الهجمات الإرهابية وربطت بين السياسات الأمريكية في المنطقة والتأييد الأمريكي الرسمي لإسرائيل وممارسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة ، التي ترافق وصولها إلى الحكم مع وصول الإدارة الجمهورية إلى البيت الأبيض بقيادة جورج بوش في مطلع العام وبناء عليه فقد فضلت الإدارة الأمريكية عدم إشراك في جهود التحالف الدولي تجنباً لإثارة الأطراف العربية والإسلامية.
4- إدارة العمليات العسكرية ومرحلة ما بعد طالبان :-
لقد كان الهدف المعلن للحرب هو القضاء على اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وحركة طالبان الحاكمة في افغانستان أما عن الاهداف غير المعلنة للحرب فيمكن الإشارة إلى الوجود الأمريكي في روسيا والصين وايران وفيما يتعلق بكيفية إدارة العمل العسكري فقد كان هناك مجموعة من الخيارات يتمثل الأول منها في حملة جوية ضد افغانستان على طراز الهجوم الجوي في كوسوفو ، أما الخيار الثاني فيتمثل في اجتياح بري شامل للأراضي الافغانية ولكن كان هناك تخوف داخل المؤسسة الرسمية من هذا الخيار بسبب الطبيعة الجغرافية لأفغانستان على اعتبار إنها مقبرة القوى العظمى خلال القرنين الماضيين ، فأفغانستان ذات مساحة تبلغ 250.000 ميل مربع أي أنحجمها هو تغريباً حجم ولاية تكساس (6) وتمتاز بأنها مليئة بالسلاسل الجبلية والوديان والأنفاق والكهوف كما أن حركة طالبان والتي تبلغ نحو 50.000 جندي قادرة على تحمل الظروف الصعبة في بلادها ، كما أن أعضاء حركة طالبان ورثوا من الجيش الأفغاني القديم العشرات من الطائرات وواحد إلى أربعة وعشرين طائرة هجوم ومروحيات نقل ، وعندهم نحو 2.000 إلى 5.000 مدفع هاون وأسلحة متوسطة مما يعني وجود إحتمال كبير لفقد خسائر لحدوث خسائر في صفوف الأمريكيين أما الخيار الثالث فكان تقديم الدعم للمعارضة الافغانية المتمثلة في تحالف الشمال المعارض ، وهو تحالف يضم كافة الفصائل الافغانية المعارضة لحكم طالبان وبعد أن بدأت العمليات العسكرية الأمريكية ضد افغانستان في 7 أكتوبر 2001 بدا أن الولايات المتحدة الأمريكية تبنت الخيارات الثلاثة بدرجات متفاوتة، فمن خلال دعم قوات التحالف الشمالي عسكريا والقصف الجوى المكثف لمواقع طلبان تحقيق هدف اسقاط طالبان وتقويض تنظيم القاعدة، لكنها حتى الانتهاء من اعداد هذا الجزء لم تنجح في تحقيق هدف العثور على اسامة بن لادن، وقد استغرق اعداد الخطة العسكرية التى تم تنفيذها فترة طويلة نسبياَ، وقد تولى ادارة العملية العسكرية الامريكية، الجنرال تومى فرانكس قائد القوات المركزية الامريكية وكان يدير العملية العسكرية من مقر قيادته في تامبا في ولاية فلوريدا. بعد ان فشلت الولايات المتحدة في ان تجد مقراً للقيادة في المنطقة. وقد بدأت العملية العسكرية ضد طالبان يوم 7 أكتوبر بمرحلة طويلة من القصف الجوى والصاروخى المكثف بهدف ضرب طائفة واسعة من الأهداف في افغانستان، سواء الاهداف الخاصة بالقاعدة، أو طالبان. وبالذات المعسكرات ومناطق التجمع الرئيسية للقوات وكذلك قصف البنية العسكرية الاساسية والتحصينات المتفرقة. وقد استهدفت الموجات الاولى من العملية الجوية والصاروخية الامريكية اكثر من 30موقعاَ في خمس مدن رئيسية في افغانستان هى كابول وقندهار وجلال اباد وفرح وقندوز وتراوحت هذه الاهداف ما بين مواقع للدفاع الجوى ومحطات للرادار وشبكات اتصالات ومحطات للبث ومطارات ومستودعات للاسلحة (7). ومن ناحية اخرى كانت العمليات الخاصة تلعب دوراً رئيسيا في الخطة الامريكية بهدف تدمير البنية التحتية لتنظيم القاعدة بزعامة اسمامة بن لادن واغتيال او اعتقال عناصر هذا التنظيم، وتقوم الخطة على ارسال مجموعات من القوات الخاصة الامريكية تتألف كل مجموعة من 6 جنود لمهاجمة اهداف عسكرية متقدمة داخل افغانستان (8). وقد نشرت الولايات المتحدة الامريكية نحو 3ألف جندى من وحدات القوات الخاصة وهى تنقسم الى خمسة انواع هى وحدة القبعات الخاصة، وقوة دلتا المتخصصة في مكافحة الارهاب، ووحدة القوات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الامريكية ووحدة رجال الضفادع البشرية، ووحدة قوات جوية متخصصة في عمليات القصف الليلى. وقد نشرت الولايات المتحدة 4 فرق من القوات الخاصة في باكستان على مقربة من الحدود الباكستانية منذ فترة مبكرة استعداداً للحرب، كما جرى ايضاً نشر قوات خاصة امريكية في العديد من الدول، وظلت هذه القوات مستعدة للتدخل السريع ضد مواقع بن لادن ومساعديه متى ماتوافرت المعلومات الاستخبارية المناسبة(9)وقد بدأت بالفعل عمليات القوات الخاصة الامريكية بالفعل عمليات القوات الخاصة الامريكية بالفعل يوم 20 اكتوبر عندما هاجمت وحدة خاصة مؤلفة من 100 جندي من وحدات الكوماندوز والرينجرز الامريكية مطاراً في مدينة كندهار في جنوب افقانستان، التى تعتبر مقر نظام حكم طالبان. وعلى اية حال، فإن هذه العمليات اعتبرت بمثابة تدشين للمرحلة الثانية من العمليات العسكرية الامريكية، وان المواجهة العسكرية البرية ربما تتخذ شكل المواجهات الصغيرة(10). وتدعيماَ للعمل العسكرى في افغانستان كانت هناك حرب من نوع اخر تدور هى حرب الاستخبارات والمعلومات، وتهدف الى توفير معلومات، حتى تتمكن القوات الخاصة من القيام بهجماتها على اساس المعلومات الاستخبارية، ولذلك فقد لعبت وكالة المخابرات المركزية الامريكية دوراً رئيساً في الخطة العسكرية الامريكية، حيث عهد الرئيس جورج بوش اليها بمهمة القيام باوسع واخطر علمية سرية تقوم بها الوكالة منذ تأسيسها في عام 1947 من اجل القضاء على اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة من خلال توفير احدث الامكانات الاستخباراتية والمعلوماتية لدى وكالة الاستخبارات المركزية وتقديمها الى فرق القوات الخاصة والوحدات العسكرية الاخرى، ولا سيما ما يتعلق منها بالمعلومات المتاحة لدى الوكالة بشأن نقاط الضعف فى تنظيم القاعدة(11). وفي الوقت نفسة وبالتوازى مت القصف الجوى المكثف والاعتماد على القوات الخاصة اعتمدت الخطة العسكرية الامريكية على قوات المعارضة الشمالية الافغانية كعنصر هام في العمل العسكرى الامريكي. حيث كان برهان الدين ربانى زعيم المعارضة قد اعلن منذ فترة مبكرة اعتزامه التعاون مع القوات الامريكية للاطاحة بحركة طالبان وازاحتها عن السلطة وقد اشارت بعض التقارير الصحفية الى ان التعاون بين الجانبين كان موجودا منذ فترة مبكرة قبل بدء العمل العيكرى(12). وقد قدمت الولايات المتحدة مساعدات متنوعة للمعارضة الشمالية من بينها ذهائر واغذية مختلفة(13)، ومع ذلك فإن احد اقطاب المعارضة، قلب الدين حكميتار رفض التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية وهدد بانه سينضم الى حركة طالبان اذا بدأت الولايات المتحدة هجومها البرى ضد افغانستان(14)، وبالتوازى ايضاً مع هذه الحرب كانت الولايات المتحدة تخوض حرب الدعاية ضد حركة طالبان والقاعدة داخل افغانستان، فقد تم تخصيص اذاعة ناطقة باللغة الباشتونية للتعريف باهداف الحرب العسكرية والتأكيد على ان الولايات المتحدة تهدف الى تخليص الشعب الافغانى من طالبان والقاعدة، كما كانت طائرات عسكرة تسقط هذه المنشورات التى تتحدث عن اهداف الحرب(15). وتكلمة للجهود الامريكية في ادارة الازمة على المستوى العسكرى في افغانستان، اتخذت الادارة الامريكية مجموعة من الخطوات على المستوى السياسي لتأكيد مرحلة ما بعد طالبان، فقد ابدت الادارة الامريكية اهتماماً كبيراً الى اطار سياسي محدد لتحقيق اهداف متنوعة، سواء من اجل توفير سياسي للعمل العسكرى الامريكى، او من اجل الوصول الى تسوية سياسية للمشكلة الافغانية، فقد ركزت الادارة الامريكية على الجهود الرامية الى تشكيل حكومة ائتلافية في افغانستان وتكوين مجلس قبلى اعلى مؤلف من 120 عضواً يكون بمثابة حكومة مؤقتة، ويقيوم التصور الامريكى على ان يقون المجلس القبلى بعد تشكية بالتوقيع على اتفاقة مع الولايات المتحدة الامريكية تنص على دعوة هذه الحكومة للتدهل من اجل تحرير افغانستان، وبعد سقوط طالبان بدأت جهود الادارة الامريكية تحت مظلة الامم المتحدة لتشكيل الحكومة الافغانية الجديدة، وتم عقد مؤتمر دولى في مدينة بون الالمانية لبحث سبل تكوين هذه الحكومة. وعلى الرغم من المشاكل السياسية التى واجهت عملية تشكيل الحكومة الجديدة بسبب مواقف الدول المجاورة إلا أنه تم تشكيلها برئاسة حميد قرضاي أحد الشخصيات الأفغانية المعارضة والمعروفة بتوجهاتها المعتدلة (16).
4- إحتمالات تطور الحرب نحو أهداف أخرى
على الرغم ،استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان قبل الانتهاء من إعداد هذه الدراسة فإن هناك احتمالات تثار حول الأهداف القادمة الخاصة بالدول الأخرى المستهدفة في الحرب ضد الإرهاب ، وكانت أبرز دولتين على قائمة الأهداف القادمة هما الصومال والعراق ، ويرجع وضع هاتين الدولتين على قائمة الاهداف المحتمل ضربها في المرحلة ا لقادمة ، إلى وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الصومالية لفترة معينة ، كما أن استهداف العراق .. يرجع إلى منظور الإدارة الأمريكية نحو العراق على اعتبار أنها أحد الدول التي تسعى إلى تهديد الأمن القومي الأمريكي بسبب تاريخ العداء تجاه الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية ، وقد برز اتجاهان داخل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بضرب العراق ، وقد برز اتجاهان داخل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بضرب العراق ، اتجاه يتبناه صقور الإدارة وهم التابعون لوزارة الدفاع وعلى رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، ونائب وزير الدفاع وهذا الاتجاه يؤيد ضرب العراق ، أما الاتجاه الاخر يتبناه حمائم الإدارة . وتذهب بعض التحليلات إلى إدارة المستشارين في وزارة الخارجية الأمريكية وعلى رأسهم وزير الخارجية كولن باول يؤيدون اتباع السبل الدبلوماسية مع العراق . وتذهب بعض التحليلات إلى أن إتجاه الصقور هو السائد داخل الإدارة الأمريكية ، حيث أن بعض مسئولي الإدارة والأعضاء الكبار من الإدارات السابقة يرون أن صدام حسين متورط في الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة ومن هؤلاء المسئولين مدير وكالة المخابرات المركزية السابق والذي كان يرى بأن العراق كان وراء التفجيرات التي استهدفت مركز التجارة العالمي آنذاك وتأكيداً لهذا الاتجار أشار المسئولون في إدارة الرئيس بوش إلى اجتماع تم قبل شهور من أحداث 11 سبتمبر بين محمد عطا الذي تم الإعلان عنه كأحد المتورطين الأساسيين في التفجيرات الإرهابية وبين رئيس الاستخبارات العراقية مما يؤكد وجود دور عراقي في الأحداث وتأكيداً لما يثار حول العراق فإن هناك خطة وضعها جنرال امريكي سابق قبل ثلاث سنوات ورفضها مسئولو إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون للإطاحة بالرئيس العراقي ، هذه الخطة تحظى حالياً بزخم وقوة دفع داخل الإدارة الامريكية ، وهذه الخطة التي وضعها الجنرال المتقاعد واين داوننج – الذي يشغل الآن منصب كبير مستشاري الرئيس بوش لمكافحة الإرهاب جرى تقديمها لزعماء الكونجرس في جلسة خاصة في صيف عام 1998 ، وهي تتضمن عدداً من العناصر التي برهنت على نجاحها بشكل ملفت في افغانستان ، وهذه الخطة العسكرية تؤكد على أنه يمكن تحقيق النصر من خلال مساندة الولايات المتحدة لحركات التمرد في العراق وتشجيع عمليات انشقاق واسعة في صفوف الجيش العراقي وبين تدخل وحدات من القوات الخاصة الأمريكية والقوة الجوية (17).
وأكدت خطة داوينج على أنه يمكن من خلال خمسة أو ستة ألاف من القوات الخاصة هزيمة الجيش العراقي الذي انهارت معنوياته في الفترة الأخيرة . هذه الخطة يؤيدها نائب وزير الدفاع بول وولفوتيز ومسئولون سياسيون آخرون بارزون لأن هذه الخطة برهنت على نجاحها في افغانستان غير أن هناك معارضين للخطة بينهم وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية إذ ويعتبرون أن هناك خطأ في تقدير قوة المعارضة العراقية وخاصة المؤتمر الوطني العراقي كما أن مسئولي الإدارة الأمريكية المعارضين لضرب العراق يرون أن هناك فرقاً بين افغانستان والعراق ، كما أن حجم الجيش العراقي يزيد عشرين مرة عن جيش طالبان ، إضافة إلى أن العراق يمتلك دبابات تفوق ما كان لدى طالبان عشر مرات . إلى جانب أن المعارضة العراقية أقل خبرة في قتال النظام العراقي من التحالف الشمالي الأفغاني ، وأن الأمر الذي يثير قدراً أكبر من القلق هو أن صدام حسين ربما يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية بل وربما يمتلك قنبلة نووية غير متطورة.
5- تأثير الهجمات الإرهابية على إدارة الأزمات (مستقبل إدارة الأزمة):-
أكدت دراسة صادرة عن معهد إدارة مخاطر الكوارث والأزمات التابع لجامعة جورج واشنطن في مطلع اكتوبر عام 2001 حول تأثيرات أحداث11 سبتمبر على مستقبل إدارة الأزمات استناداً على مجموعة من التقارير وملاحظات القيادات التي تابعت إدارة الأزمة (18) أكدت على ما يلي :
1- أن هذا الحدث برغم أنه من الأزمات القليلة التي من المتوقع حدوثها ، إلا ان له توابع خطيرة ولا تتشابه مع مخاطر الكوارث، فترغم انه يمكن الحديث عن إجراءات أمنية مشددة في المطارات فمن الصعوبة بمكان منع الارهابيين من القيام بهجمات مماثلة، ومن ثم فإن على الولايات المتحدة الامريكية بناء قدرات قومية تختص بإدارة الطوارئ وتكون قادرة على الاستجابة للمخاطر والاحداث المدمرة.
2- تتطلب الاستجابة لحدث مدمر على هذا النحو وجود تكامل بين عمليات مواجهة الطوارئ من ناحية وعمليات تعبئة الطوارئ الطبية لمواجهة المخاطر على حياة وأرواح المواطنين الامريكيين، وهذا التنسيق بين ادارة الطوارئ والطوارئ الطبية لم يكن موجودا في معظم أنحاء امريكا قبل 11 سبتمبر مع تركيز جهود ادارة طوارئ أزمات الارهاب على معالجة هجوم تستخدم فيه أسلحة دمار الشامل.
3- تتطلب الاستجابة الاولى للحدث سرعة الحصول على البيانات الفنية في ظل ظروف طوارئ معقدة. فقد تم فقد نحو 300 اطفائى خلال مواجهة حرائق مركز التجارة العالمى بسبب عدم وجود بيانات كافية وقت الحدث حول سبل تأمين المني.
4- إن ادارة الطوارئ اصبحت تعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا المعلومات، وهناك فجوة واضحة بين تطور تكنولوجيا المعلومات وتطور ادارة الطوارئ.
5- إن أحد المبادئ الاساسية في ادارة الازمة هى أنه لا يمكن الاعتماد على ممارسات المؤسسات العسكرية والمدنية دون وجود قيادة سياسية قوية تقود علمية الاتصال بين المؤسسات المعنية بادارة الازمة.
6- أن من الضرورى بذل جهد اكبر لادارة طوارئ الازمات التى تتعلق بمخاطر وتهديدات تمس البنية التحتية والمعلوماتية في داخل الولايات المتحدة الامريكية أو غيرها.
هوامش الفصل السابع
1- يلاحظ انه الى جانب الاتهام الامريكى لاسامة بن لادن وتنظيم القاعدة عن المسئولية عن 11 سبتمبر والتركيز على اسباب هذا الاتهام تحدثت التقارير الصحفية عن اعتقال بعض الاسرائيليين خلال احداث 11 سبتمبر وتوجيه الاتهام اليهم بالقيام بانشطة تجسس داخل الولايات المتحدة الامريكية وقد كان ابرز ما جاء في هذا الصدد ما بثته شبكة فوكس نيوز التليفزيونية الاخبارية الامريكية في تقرير لها على موقعها على الانترنت يوم 13/12/2001 www.Foxnews.com حول اعتقال واحتجاز الشرطة لــ 60 اسرائيلياً في الولايات المتحدة منذ احداث 11 سبتمبر وأن بعض المحققين الامريكيين يعتقدون أن هؤلاء الاسرائيليين متورطون في التجسس على الولايات المتحدة، وأن الاسرائيليين كانوا على علم بأمور لم يطلعوا واشنطن عليها قبل 11سبتمبر.
2- انظر منشور وزارة الخارجية الذى يحمل عنوان شبكة الارهاب The net work of terrorism يوجد على مواقع وزارة الخارجية الامريكية على الانترنتHttp://Usinfo.State.gov
3- هذا الفرق بين المفهومين تم استخدامه في دراسة صادرة عن مؤسسة راندا في مشروع سلاح الجو الامريكى عن مكافحة الارهاب الجديد، ويبدو أن الادارة الامريكية استخدامت هذا المفهوم
Ian o.Lesser of Anathr's, foeaword by brian Michael, countering new terrorism rand,.
Project airforce 1999,pp2021
4- د.حسن ابو طالب، تفسيرات ونتائج الهجوم على امريكا، مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، ملف الاهرام الاستراتيجى. العدد- اكتوبر 2001، ص ص 91-92.
5- تنص المادة الخامسة من معاهدة الاطراف على ان اى هجوم مسلح ضد اى منها في اوروبا أو امريكا الشمالية سوف يعتبر هجوماً عليها جمعياً، وبالتالى فأنها تتفق على أنه في حالة حدوث مثل هذا الهجوم فأن كل منها تطبيقاً للحق الفردى والجماعى في الدفاع عن الذات وفقا للبند5 من ميثاق الامم المتحدة سوف تساعد الطرف أو الاطراف التى تتعرض الهجوم وذلك باتخاذ اجراء منفرد أو بالتنسيق مع الاطراف الاخرى. بالصورة التى تراها ضرورية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.
6- www.cia/factbook.com
7- فريق نحاس، امريكا تلجأ الى الاسلوب التقليدى لتحييد دفاعات طالبان قبل البدء بالحرب الجوية العادية، صحيفة الشرق الاوسط، 19 اكتوبر 2001.
8- ان سكون تايسون، القوات الخاصة الامريكية الخاصة تعمل داخل افغانستان في شكل فرق يتكون كل منها من 6 جنود، صحيفة الشرق الوسط نقلاَ عن (صحيفة كريستيان ساينس مونيتور)، 16 اكتوبر 2001؟
9- محمد صاق، مع اقتراب موعد التدخل البرى: القوات الخاصة الامريكية تحت المجهر، صحيفة الشرق الاوسط، 12 أكتوبر 2001.
10-بول ريشتربى، هجوم القوات الخاصة على مطار قندهار يدشن المرحلة الثانية في الحرب، صحيفة الشرق الاوسط (نقلاَ عن صحيفة لوس انجلوس تايمز)، 21 أكتوبر 2001.
11-بوب وودواد، سى.اى.ايه حددت نقاط ضعف منظمة القاعدة وبوش يكلفها باكبر عملية سرية منذ تأسيسها صحيفة الشرق الاوسط (نقلاَ عن صحيفة واشنطن بوست) 22 أكتوبر 2001.
12-Peter baker molly moore, anti Taliban rebels eager (12)to join u.s.a reta liation washing ton post sept,24 2001
13-تصريح لوزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد لصحيفة الشرق الوسط، 21 أكتوبر 2001.
14-حكمتيار سينضم الى طالبان فور بدء الهجوم البرى، صحيفة الشرق الاوسط، 18 أكتوبر 2001.
15-انظر صفحة معهد بروكنجز على شبكة الانترنت.
Winining the war of words: information warfare in Afghanistan: stan,
Htt://www.brookedu/views/articles/fellows/2001 singer.htm.
16-د. السيد عوض عثمان، تحديات التسوية السياسية بعد سقوط طالبان مركز الاهرام الاستراتيجى الدولى الاهرام الاستراتيجى بالسنة السابعة العدد 84 ديسمبر 2001.
17-whshngton post mag.27/9/2001
18-www.ccdmi.org.com
الخاتمة
بعد أن ألممنا بموضوع الأزمات والكوارث بشكل مختصر فقد آن لنا أن نتساءل إذا ما كان بالإمكان وصف قرار أية أزمة أو كارثة بأنه رشيد أو غير رشيد ؟ خاصة في ظل الظروف الصعبة وضيق الوقت الذي يتم فيها اتخاذ قرار المواجهة.
إن الحكم على رشد القرار في ظل عدم وضوح الأهداف لدى صانع القرار يعد غاية في الصعوبة ، وذلك لأن الجهاز المكلف باتخاذ القرارات يكون مثقلاً في ظل هذه الظروف بالأعباء التي تجعله عاجزاً عن اتخاذ القرار المطلوب بالفاعلية المنشودة في الإطار الزمنى المحدد نظراً للضغوط التي تفروها الأزمات والكوارث على وحدة صنع القرارات ، ونظراً لعدم ترك حرية ومجال أوسع للمفاضلة بين البدائل واختيار أفضلها ، وأحياناً لعدم وضوح الأهداف التي تجعل من الصعب على متخذي القرار صياغتها في شكل سياسات قابلة للتنفيذ ، هذا بالإضافة إلى سيطرة اتجاهات الرأي العام التي قد تعمل على تضييق نطاق الاختيار بين البدائل المتنافسة بشكل أو آخر ، وبهذا يكون الرأي العام قيداضاغطاً على اختيار بعض البدائل التي تعتبر أكثر ملائمة من غيرها في حكم صانعي القرار ، هذا إلى جانب المواقف الخارجية للدول الأخرى في حالة الأزمة الدولية التي قد تبلغ حداً من التعقيد بحيث يكون من الصعب على صانعي القرارات استيعابها وتفسيرها بطريقة صحيحة ، الأمر الذي يعكس بصورة سلبية على السياسات والقرارات التي يتم اتخاذها.
كما وأن المواقف الشخصية المتباينة لبعض المشاركين في صناعة القرار قد تحول دون التوصل بالسرعة المطلوبة التي تحديد البدائل وتحليلها وتقييمها لاختيار انسبها.
ومن هذا المنطلق فإن قرارات الأزمة قد تكون محل اختلاف المحللين أو عند متخذ القرار نفسه ، فأحياناً تكون ظروف الأزمة خاصة الخارجية – غير معلومة تماماً أو قد تكون البدائل التي تم استخلاصها والتوصل إليها من خلال مؤسسة صنع القرار غير محددة، الأمر الذي يجعل من الصعوبة تقييمها وتقدير أبعادها فيلجأ متخذ القرار إلى أسلوب الإختيار العشوائي وبالتالي تكون النتيجة غير مؤكدة ، وأحياناً أخى تكون البدائل المطروحة أمام متخذ القرار غير مدروسة ، وفي هذه الحالة يشوب القرار الذي تم اتخاذه نوع من المخاطر وعلى العكس من ذلك إذا كانت المعلومات متوافرة والبدائل محددة وتقييمها وتحليلها مبنى على أسس علمية فإن قرارا مواجهة الأزمة والكارثة يكون رشيداً أو على الأقل خاطئاً بنسبة كبيرة من الرشد ، وهذا هو الفرق بين أسلوب إدارة الأزمات والكوارث في الدول المتقدمة والدول الأقل تقدماً.
لقد أصبح واضحاً أن الأساليب التقليدية لن تعد كافية للتصدي للأزمات والكوارث التي تواجه الدول ، وأصبح لزاماً على كل دولة أن ترسم إستراتيجية خاصة تواجه بها الأزمات والكوارث التي تتهددها وإستراتيجية أخرى تتعاون من خلالها مع غيرها من الدول لمواجهة الأزمات المشتركة.
وبناء على ما سبق فإن الولايات المتحدة الأمريكية أدارت أزمة 11 سبتمبر وفقاً للأسس العلمية لإدارة الأزمة بدءا من الاستجابات الأولية للأزمة ثم تحديد الأجهزة المسئولة عن إدارة الأزمة على مسرح الأحداث، خاصة دور الوكالة الفيدرالية وإدارة الطوارئ ومكتب التحقيقات الفيدرالي ، ثم إدارة الجانب السياسي للأزمة والمتعلق ببناء التحالف الدولي ضد الإرهاب وأنتهاءاً بمراجعة منظومة الأمن القومي الأمريكي.
وأخيراً فإن أول ما يقفز إلى أذهاننا هو عالمنا العربي الذي منتمى إليه والذي جعلت منه الظروف عرضة لمخططات محكمة ومسرحاً للأزمات والكوارث المستمرة مما يحتم علينا المبادرة إلى إنشاء مركز عربي لإدارة الأزمات لنواجهه مراكز صناعة الأزمات الصهيونية التي لا هم لها إلا صناعة أزمتنا المحلية والإقليمية والدولية بشتى أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية، وتحاول فصلنا عن أخوان لنا في العقيدة والدين وأصدقاء لنا في مشرق الأرض ومغربها وحتى نظل شعب أزمات ما أن يخرج من أزمة حتى تتلقفه الأخرى، كي يظل دائماً راكسا فيها.
ونسأل الله الهدى والتوفيق.